إضاءة .. صناعة الأبطال في الإعلام

0
200

ريم الحرمى

يُعدّ الإعلام وسيلة من وسائل الدعاية، تلك الدعاية ليست بالضرورة إيجابيّة أو لها أهداف سامية، فلكل أعلام أجندته الخاصّة المُعلنة والخفيّة، ولكل دعاية يروّج لها الإعلام قصة وهدف يتطلع الإعلاميون أو المروّجون لتحقيقه والوصول إليه.

هذه الدعاية في الإعلام التي تُستخدم في تلميع وصقل صور أناس وشخصيات سياسيّة، دينيّة، فنيّة أو غيرها ليست بالأمر الحديث، فمنذ الأزل لعب الإعلام دورًا مهمًا ورئيسيًا في صنع “الأبطال” وفي رسم صورة خياليّة لأشخاص، مخالفة للواقع ومخالفة لما هم عليه. فعلى سبيل المثال ادولف هتلر زعيم النازية كان يتمتّع بشخصية كاريزماتية بثيابه العسكرية وشنبه الشهير، وأدائه للتحية النازية، وحتى طريقة كلامه، كانت تلك المقوّمات في هتلر كفيلة بأن تصنع له شعبية آنذاك وتجعل الكثير من شعبه يُمجّده ويصنع منه بطلاً بل إن تأثير هتلر وصل مداه إلى أنه أقنع الكثير بالمبرّرات التي أطلقها لتبرير المحرقة الشهيرة “الهولوكوست”، فزرع الكراهية ضدّ شعوب وأعراق أخرى ونجح بذلك، بسبب الدعاية التي روجها لنفسه في الإعلام، وهذا بالرغم من عدم تطوّر الإعلام في ألمانيا حينها فلم يملك التلفار إلا قلة، فالإعلام كان يقتصر على المُلصقات في الشوارع والمذياع الذي كان يذيع خطابات هتلر والتي كان يصحبها في غالب الأحيان موسيقى عسكرية، فنجح هتلر في نشر أيدلوجيات وأفكار الاشتراكية القومية التي كان يؤمن بها، وإن العنصر “الآري” الذي قدم من شرق أوروبا هو العنصر الأسمى، وبالتالي فإن هتلر برّر لسكان الرايخ في السابق أن يرتكبوا العنف والتدمير ضدّ كل ما هو يهودي، إذًا الناس باتت حتى لا تفكر بعقلها بل تفكر بعقل هتلر الذي عرف كيف يستغل الإعلام ويصوّره بالصورة التي كان عليها.

ولأن الكاريزما مهمّة سياسيًا بغرض تلميع صورة حزب أو صقل أفكار معيّنة في أذهان الناس، فإن السياسيين يعلمون جيدًا كيفية استخدام الأشخاص وصنع أبطال منهم، وتمجيد أفعالهم، مثلاً في جمهورية مصر وبعد الانقلاب الذي يُسميه البعض في رواية أخرى “إرادة شعبية”، ظهر عنصر جديد لنشر البروبغندا والدعاية للحكومة المصرية والجيش المصري وهو العقيد “أحمد محمد” المتحدّث الرسمي للقوات المسلحة، الذي يراه الكثير بثيابه العسكرية ووجه الشاب مثالاً لتسويق أفكار الحكومة المصرية الحالية، حتى إن السيسي قال بنفسه إنه “جاذب للنساء”، بالطبع لم يكن اختياره عبثًا!

مثال آخر لصناعة الأبطال وتلميع صورتهم تكمن في بث صور العمليات الإرهابية أو الإرهابيين في نشرات الأخبار وأغلفة المجلات والصحف، وهنا على سبيل المثال يكمن الفرق بين الإعلام الغربي والعربي، فما يراه المشاهد والإعلام العربي ليس هو بالضرورة نفس ما يراه الإعلام والمُشاهد في الغرب، ولعلّ هنالك أمثلة كثيرة تبيّن هذا الأمر مثلاً اعتراض الولايات المتحدة على الصور التي بثتها الجزيرة أثناء تغطيتها الحرب على العراق، فالجزيرة ترى أنها تبثّ مادة إعلامية لكن الحكومة الأمريكية حينها رأت أنها ترويج للإرهابيين وتعريض مصالحها الأمنية للخطر، كذلك كان هو الحال نفسه حينما بثت الجزيرة أشرطة بن لادن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر اتخذت الحكومة الأمريكية الموقف نفسه، بينما التزمت الجزيرة ببث تلك الأشرطة لأنها تعتبر مادة إعلامية تبيّن وجهة نظر أخرى.

أما في الولايات المتحدة وقضايا الإرهاب المحلي، ففي عام ١٩٩٩ قام الشابان اريك وهاريس الطالبان في المرحلة الثانوية بفتح النار على زملائهم بمدرسة كولمباين وقتلا حوالي ١٢ طالبًا ومعلمًا، كل هذا حصل بدم بارد وهم يضحكان أثناء قتلهما الطلبة قبل أن ينتحرا معًا، لعلّ السبب لهذا الحادث هو تأثر الشابين بالفيلم الذي أنتج عام ١٩٩٥Basketball Diaries وكذلك تأثرهم بأحد الألعاب الإلكترونية التي تمجّد القتل لدرجة أن هذين الشابين جعلا من اللعبة نموذجًا إلكترونيًا لتنفيذ عملية القتل التي نفذاها في مدرستهما، وبالتالي فإن تمجيد ثقافة العنف والقتل في الفيلم واللعبة أثر بشكل كبير على سلوكهما، حيث اعتقدا أنهما صنعا من أنفسهم أبطالاً.

ومؤخرًا غضب الكثير وانتقدوا مجلة “رولنج ستون” الأمريكية الشهيرة التي تعنى بالموسيقى والثقافة، بعد نشرها صورة لأحد منفذي عملية التفجير التي حصلت في ماراثون بوسطن، حيث رأى الكثيرون أن المجلة وبسبب شعبيتها الواسعة نجحت في تلميع صورة “إرهابي” بوضعها على الغلاف وصناعة أيقونة منه، لذا اتجهت ردود الفعل بمقاطعة المجلة، بل إن بعض المحلات رفضت بيع هذا العدد، لكن في الوقت نفسه وبسبب تلميع صورة المضطلعين في عملية التفجير في بوسطن وبسبب ما رآه البعض من كاريزما في الشابين “التي صنعها الإعلام بشكل غير مباشر” أنشأت بعض الفتيات حسابات على المواقع الاجتماعية تعنى بالدفاع عنهما.

مثال أخير فيما يصنعه الإعلام، هي الفتاة الباكستانية ملالا التي بالرغم من سمو قضيتها وحقها في التعليم بعيدًا عن العنف وأسلحة وبطش حركة طالبان، وبالرغم من شجاعة هذه الفتاة، إلا أن الإعلام الغربي استخدم قضيتها بشكل مُسرف وقام بتسييسها بشكل مقيت، والكل يريد خدمة أجندته الإعلاميّة والسياسية، والإعلاميون يسعون وراء الشهرة، ويستمرّ استغلال هذه الفتاة بشكل أو بآخر في الإعلام، بالرغم من أن هنالك الآلاف مثلها، وهنالك أطفال في باكستان قتلوا وأصيبوا في غارات الطائرات بدون طيّار، وأطفال في سوريا يموتون جوعًا وتحت وطأة الصواريخ، وآخرون يستغلون أسوأ استغلال في شتى بقاع الأرض، لكن لا أحد يلتفت لهم، ولا إعلام يُسلط الضوء عليهم.

هكذا هو الإعلام، انتقائي فيما يصوّره، فيصنع من شخص بطلاً ومن آخر مجرمًا، ويُلبس الجلاد ثياب الضحية، وكما نرى فإن الإعلام يتطوّر، ولا تزال العقليات نفسها وما زالت الدعاية والتلميع في الإعلام نفسه، والشعوب ما زالت تصدّق التلميع الإعلامي للشخصيات لدرجة أن البعض بدون مبالغة قد غسل عقله، بسبب البروبغندا التي تشاع في شتى وسائل الإعلام وعدم مقدرة بعض المُتلقين للأخبار على التفريق ما بين هو بروبغندا ودعاية، وما بين تسليط الضوء على قضية ومعالجتها كما رأينا في أمثلة عدّة. ولأننا نعيش في عالم واقعي فلابدّ القول إن البروبغندا والترويج لأشخاص أو أحداث هو ما يبقي وسائل الإعلام على قيد الحياة، لكن هذا الأمر بالضرورة لا يتواجد في الإعلام المستقل الذي يندر وجوده والذي لا يسيطر عليه أشخاص أو دول أو جماعات ضغط، ففي المرّة القادمة التي تشاهدون فيها التلفاز أو تقرؤون صحيفة فكروا فيما تشاهدونه وتقرؤونه وتمعنوا في من يصنع الإعلام منهم أبطالاً.

 

 

 

reem.alharmi@gmail.com

    

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا