ابو الشمائل : همسات على هامش اللغة والحضارة

0
249
المكي ابو الشمائل: كاتب وشاعر مغربي
المكي أبو الشمائل، كاتب وباحث فكر (essayiste).

ما يذهب إليه البعض تارة أو دأبا في باب الكلام عن لغة الضاد من قولهم بأن هذه اللغة ليست وحدها بالمستحقة لهذه التسمية هو قول راجح البطلان تأكيدا.

فدعوى وجود الضاد في لغة أخرى غير اللغة العربية، كالأمازيغية مثلا، هو بلا شك افتراض غير صحيح، وذلك على اعتبار أن النطق بالضاد عادة نطق غير سليم عند الكثير ممن يتحدثون ويكتبون باللغة العربية، ولو أنهم أحق بها وأهلها.

ويكفي الاستماع إلى هؤلاء أثناء نطقهم باللغة العربية لنتأكد أن حرف الضاد عند الأغلبية منهم لا ينطق به ضادا كصحيح النطق به. بمعنى أن تهجيته تقتضي التوسط، عند النطق، بين حرفى الدال والظاء، كما في آخر آية ” ولا الضآلين”، وفي كلمات اللغة العربية الأخرى مثل الضلال، والضمة، والنهضة، والرضا، والفريضة، والفضل والفضيلة، والحضور وغيرها من الكلمات والمصطلحات التي تكتب ضادا، وينطق بها مختلفة عن الكلمات التي تكتب بالظاء، على نحو ما هو مبين أعلاه، وبطريقة تثبت أن اللغة العربية هي فعلا لغة الضاد بلا جدال في الأمر، وهذا أمر لا ينتطح فيه عنزان.

وإن يكذبني خصوم اللغة العربية فيما أقرره هنا حول طبيعة هذه اللغة من الناحية الصوتية، فمرد تكذيبهم دعواى هذه ودعوى غيري في هذا الصدد إلى كونهم عاجزين عن التفرقة بين الضاد والظاء نطقا وكتابة.
ولا أدل على هذا العجز المفترص من إمكانية رسوب هؤلاء في امتحان الإملاء المحتوي على كلمات الضاد والظاء، إذ أننا لا بد في هذه الحال مكتشفون لدى هؤلاء ضعفا في هذا المنحى وجهلا باللغة العربية بكيفية تمكن من ملاحظة الخطأ في الإملاء عند هذا الفريق بسبب عدم القدرة لديهم على التفرقة بين كلمات تكتب ضادا وأخرى ظاء.

من هنا نعرف أن لغة الضاد سميت بهذه التسمية حقا وصدقا مادامت هي اللغة المنفردة، دون سواها، بهذا الصوت الذي يسمى، من ناحية التهجية phonétiquement، بحرف الضاد ( ض).

مرة أخرى نعود فنقول بأن مجرد الاستماع إلى الناطقين باللغة العربية يجعلنا نتأكد بأن الخلط عندهم بين الضاد (ض) والظاء(ظ) شىء مألوف، وإذن فلا ريب أنه لو كان لدى الجميع التحري الكافي، كما في علم القراءات وفي علم الصوتيات phonétique، لعلم هؤلاء، نظرا لضرورة التفرقة بين حرفى الظاء والضاد، أن اللغة العربية هي بحق وحقيق لغة الضاد بامتياز، لا تشاركها في هذه الخاصية لغة أخرى، رغم تشابهات مثلا عند الإنجليز ككلمة the وغيرها كثير.

ليس هنا مجال تمجيد اللغة العربية رغم استحقاقها لذلك كلغة أمجاد وحضارة، ويكفيها فخرا، كلغة راقية، أنها لغة القرآن، وأنها،حسب بعض العارفين، لغة أهل الجنة، كما سبقت لي الإشارة إلى ذلك في غير هذا المقال.

وإن أرد أنا التصدي للدفاع عن هذه اللغة التي توجه إليها الضربات من قبل أبناء جلدتنا، فلن أكون أشد استماتة في هذا الدفاع، وأصدق قولا، وأفضلا بيانا من شاعر اللغة العربية حافظ ابراهيم رحمه الله، المعروف بقصيدته العصماء في هذا الباب، تلكم القصيدة التي أعتبرها شخصيا من عيون الشعر العربي، والتي أنصح الجاهلين باللغة العربية الجميلة وهادميها الحاقدين بالرجوع إليها، أى إلى قصيدة حافظ إباهيم عن اللغة العربية، ليقرأوها بتمعن وتدبر، فتتضح لهم معالم هذه اللغة الراقية الحية والمتميزة بين اللغات الراقية الحية.

ولا بأس، قبل الختام، من التذكير بأن الطب كان يدرس باللغة العربية في جامعة السربون العريقة زمن العصور الوسطى، كما أنه لا بأس من الرجوع إلى كتاب ” شمس العرب تسطع على الغرب ” للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكه، وإلى كتاب ” حضارة العرب ” للعلامة جوستاف لوبون، إذ في هذين الكتابين القيمين، على سبيل المثال لا الحصر، ما يشفي غليل ذوي الألباب الباحثين عن الحق في هذا المجال، وما يلجم المغرضين الحاقدين عن كل تشدق بالكلام في نفس المجال بدون طائل.

وبعد إغلاق القوس المفترض فتحه آنفا، أعود، في الختام، إلى القصيدة الشعرية التي نحن بصددها هنا، فأقول بأنها هي الآن بين يدى، ولولا مخافة الإطالة لأوردتها كاملة، مشنفا الأسماع بها، إلا أنني لن أفعل لاعتبارت عدة، ومنها ماذكر آنغا.

يكفيني في هذا الصدد فقط أن أستظهر من القصيدة المذكورة بعض الأبيات، من غير استعانة بكراسة، على سبيل ضرب الأمثال والتشويق، ومن ذلك :
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي …..وناديت قومي فاحتسبت حياتي،

رموني بعقم في الشباب وليتني…..عقمت فلم أجزع لقول عداتي.

وسعت كتاب الله لفظا وغاية، وما ضقت عن آى به وعظات….أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي ؟

ومن الواضح الجلي أن الشاعر في هذه القصيدة الشعرية يتحدث بلسان حال اللغة العربية، أو نيابة عنها إذا جاز هذا التعبير.