الغلوسي: نشتكي ناهبي المال العام بناءً على وثائق وحجج ولا نهدف إلى التشهير وتصفية الحسابات..والمرزوقي :”مقطع من الفساد “

0
219

قال محمد الغلوسي، المحامي ورئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إننا في الجمعية لما نتقدم بشكايات ذات صلة بالفساد والرشوة ونهب المال العام، تكون “معززة بوثائق وحجج الى الجهات القضائية المختصة، فإننا لا نقوم بذلك من باب اعتماد منطق الفضيحة أو الرغبة في التشهير بالأفراد والأشخاص وتصفية حسابات ضيقة أو من أجل توظيف تلك الشكايات للابتزاز وترهيب المعنيين بتلك الشكايات، إنما نقوم  بذلك إيمانًا منا بدور السلطة القضائية في مكافحة الفساد والرشوة ونهب المال العام وبدور القضاء في تخليق الحياة العامة وتجسيد ربط المسؤولية بالمحاسبة كقاعدة دستورية على أرض الواقع، فمعركتنا هي ضد الفساد ونهب المال العام وليست ضد الأشخاص”.

وأضاف الغلوسي في منشور له بحسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، “نحن حريصون كل الحرص على أن تكون الشكايات التي نتبناها في الجمعية مؤسسة على حجج صلبة وقرائن قانونية تسعف في فتح بحث قضائي جاد، ولهذا فإننا لا نساير الادعاءات والإشاعات التي تقال هنا وهناك والقيل والقال من أجل تقديم شكايات كيدية”.

وتابع رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، القول إن “رأسمالنا هو مصداقيتنا واستقلاليتنا، رأسمال نعتز به ونتشبث به في القيام بدورنا الحقوقي والوطني في مكافحة الفساد، وتخليق الحياة العامة بكل شجاعة وموضوعية ودون أي تطرف أو مزايدة الى جانب كل الإرادات الصادقة والفاعلين من مختلف المواقع، وهي معركة ليست هينة كما قد يبدو للبعض من الخارج، والذي يتوهم أننا نقوم بذلك بحثا عن شهرة مزيفة او غرور وأنانية زائدة فهو إما حاقد وتحركه الضغينة أو جاهل بالمجال”.

وأشار المحامي والناشط الحقوقي إلى أن “مواجهة الفساد وفضح مظاهره ومواجهة المفسدين ولصوص المال العام حقل ملغوم ومحفوف بمخاطر متعددة، ولي قال ((العصيدة باردة يدير يديه))، فإنتاج الكلام والنميمة والحلقية وتوزيع الاتهامات الرخيصة ومغادرة الميدان والتخلي عن الانخراط في المعارك اليومية والحيوية للمجتمع، والتفرغ لاستهداف الناس أمر سهل ومريح، وهو عمل مخرب بامتياز يلتقي موضوعيا مع أهداف ومخططات رموز الفساد ولصوص المال العام”.

وختم الغلوسي كلامه بالقول: إن “معركة مكافحة الفساد والرشوة ليست نزهة فوق باخرة فخمة في أعالي البحار إنها معركة شاقة وصعبة تتطلب جهدا متعبا ومضاعفا؛ إبداع واجتهاد وفهم عميقين للواقع الموضوعي دون أي تنطع، وجهد يجعلك تشعر باستنزاف حقيقي لقواك الذهنية والبدنية ويضيق مجال تحركك وانت تحت المجهر دوما وحريتك محروسة إلى أبعد الحدود، ومناضلي ومناضلات الجمعية يعيشون هذه الحقيقة ويدركون مغزاها الحقيقي”.

يذكر أن عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، أعلن في مرحلة سابقة على أنه سيعمل على منع فعاليات المجتمع المدني الناشطة في مجال محاربة الفساد من التقدم بشكاوى ضد المنتخبين المشتبه في إهدارهم أو اختلاسهم لأموال عمومية، من خلال تضمين مشاريع القوانين التي يجري العمل عليها لهذا التقييد في حق الجمعيات المعنية، ولاسيما مشروع قانون المسطرة الجنائية.

وأوضح أن الهدف ليس ذاتيا ولكن لكون جرائم الفساد ونهب المال العام تقتضي اتخاذ قرارات شجاعة وحازمة لمواجهة آفة الفساد واستهتار المفسدين ولصوص المال العام بكل القواعد القانونية والأخلاقية، ولكون المجتمع قد ضجر من الازدواجية في تطبيق القانون ويتطلع إلى المساواة والعدالة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

من جانبه كتب الكاتب والناشط الحقوقي المغربي، محمد المرزوقي ، حيث قال، ” مثل دمّل كبير متقيّح انتفخ وطاب”، ثم لمسته إبرة حادّة فانفجر بكل ما فيه، يعيش المغرب اليوم على إيقاع فضائح كبيرة تتعلق بالفساد ونهب المال العام. وبما أن أول الغيث قطرة، فإن القطرة التي أفاضت الكأس تمثلت في اعتقال شخصية سياسية كبيرة وتقديمها للعدالة على ذمّة التحقيق بتهمة تبديد المال العام. يتعلق الأمر هنا بامحمد مبديع الذي تقلب في أرفع الوظائف وأعلى المراكز في الدولة، حيث كان وزيرا سابقا ونائبا برلمانيا، ورئيسا للمجلس البلدي لمدينة الفقيه بن صالح (وسط)، والمنتخب قبل فترة لرئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب (اللهم زد وبارك).

مشيراً إلى ما  تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل بكثافة غزيرة، أخيرا، حدث زواج ابنته في عرس ضخم بهيج تجاوزت تكلفته، حسب الصحف، ملياري درهم (مليوني دولار). البذخ والإسراف الفاضحان والصارخان جاوزا كل حدود، حتى أن الرجل لم يكتف بذبح الخراف كما تجري العادة، وإنما أراد أن يبدع (وهو المسمّى المبدع) ويخرج عن المألوف كي تسير بإسرافه الركبان، فعمد إلى ذبح ما يزيد عن المائة منها وشيّها، متسبّبا بذلك في مجزرة بيئية رهيبة.

في نظر الكاتب المرزوقي أنه، كان من الممكن أن تمر الأمور بغير ضجيج، كما مرّت مئات الزيجات الباذخة الحمقاء في المغرب، لولا أن الهواتف الذكية المتلصّصة التي أصبح بفضلها كل مواطن بسيط صحافيا هاويا، نشرت على الفضاء الأزرق مقاطع من هذا العرس الذي جرح بترفه المفرط مشاعر الشعب المغربي الذي يتلظى بلهيب غلاء المحروقات والموادّ الأولية. وفيما إقبال الشباب المغربي على الزواج وصل إلى أدنى مستوياته، بسبب البطالة وعدم استطاعة العزّاب الباءة. وتجاوزت نسبة الطلاق كل الخطوط الحمراء، بسبب الأزمة المادية الخانقة التي تكتوي بلهيبها معظم الأسر المغربية التي برح بها العوز بشكلٍ لم يسبق له مثيل منذ استقلال المغرب. فما معنى أن يلقي خير شباب البلاد بأنفسهم في عرض البحر طمعا في غدٍ أفضل، وهم يدركون أن حظّهم في العيش أقلّ من فرصهم في النجاة، في وقتٍ يحرق فيه بعضهم المليارات في ليلة واحدة لإرضاء نفسٍ مصابةٍ بجنون العظمة، وتحوم حول ثروتها شكوك وشبهات كثيرة؟!

وقال المرزوقي ، العجيب المثير في هذه القضية أن من حرّكها ليست وزارة الداخلية أو أيٍّا من الأجهزة الرسمية، وإنما الجمعية المغربية لحماية المال العام، وهي منظمة غير حكومية، تعمل جاهدة للتصدّي لبؤر الفساد قصد فضحها والتشهير بها، فهل كانت الأعين المركزية ساهية غافلة إلى هذا الحد، وهي التي تعرف معدّل ما يتنفسه المواطن المغربي من حجم الأوكسجين في الدقيقة الواحدة، أم أن الظرفية المتأزّمة التي تمر منها البلاد، والمأزق الاقتصادي الذي يعرفه العالم، هو ما دفع في اتجاه التفاف هذه الفرصة لأجل امتصاص غضب الشارع المتزايد يوما بعد آخر؟

مضيفاً أن من له ذاكرة حية من المغاربة لن ينسى أبدا محطّات عديدة كهاته، تغوّل فيها الفساد وبلغ قمّة صولته، فبادرت الدولة مرغمةً كعادتها إلى إطفاء الحريق، وذلك بتقديم أكباش فداء إلى المحاكمة، حتى إذا ما تراجع الضغط وانتظمت دقّات قلب المجتمع، عادت حليمة إلى عادتها القديمة، وأطلق سراح المتهمين، بل ومنهم من عاد إلى شغل وظائف عليا، وكأن الأمر لم يكن سوى مسرحية للترفيه والتلهية. فقد انتفض الشعب المغربي سنة 1965 لما فاض البلد بالرشوة والزبونية والفساد والضغوط السلطوية لحالة الاستثناء التي صحّرت العمل السياسي في المغرب حينها، فحوكم وزراء وشخصيات سامية ورجال أعمال.

وتابع الكاتب، ثم توالت بانتظام واطراد قضايا فاضحة في استغلال النفوذ ونهب المال العام، منها على سبيل الاستئناس ملف سمسرة لشركة “بان أميركان” التي كانت ترمي إلى بناء سلسلة من الفنادق في المغرب، فطلبت مجموعة من الوزراء رشوة من الشركة الأميركية بواسطة سمسار اسمه عمر بن مسعود. والكل يعلم أنه كان من تداعيات تلك القضية المحاولة الانقلابية الأولى التي قادها رئيس الحرس الملكي ومدير البيت الملكي حينها الجنرال محمد المذبوح بمعيّة نائبه العقيد امحمد اعبابو مدير المدرسة العسكرية في بلدة أهرمومو (جنوبي فاس) وبقية القصة معروفة. وقد انشغل المغاربة آنئذ بمحاكمة المتورّطين في قضية الفساد التي كانت سببا فيما وقع، واعتبروها انطلاقة جدّية للقضاء المبرم على الفساد. ولكن هيهات هيهات، فقد تبيّن على امتداد السنوات المتلاحقة أن للفساد في المغرب جذورا عميقة ضاربة في القدم، وأن اجتثاثها يتطلب تعبئة كبيرة وتضحية مفرطة وإرادة سياسية قوية.

وقال المرزوقي ، يبدو ذلك اليوم بعيد التحقيق، ما دامت تقارير المجلس الأعلى للحسابات تعجّ بالاختلالات والتجاوزات التي تبقى مجرّد إنشاءات طويلة مملّة تملأ بها مئات الصفحات التي يتم تخزينها في رفوف النسيان واللامبالاة، وما دامت جوقة من الذين تحوم حولهم الشبهات ممسكة بتلابيب مراكز القرار بعيونٍ لا تطرف ووجوه صفيقة لا تستحي من شيء. فهل سيكون مبديع ومن معه مجرّد كبش فداء، ويكون مصيره على شاكلة الذئب الذي ضبطه فلاح وهو يفترس حمَلا صغيرا في حظيرة غنمه، فلما هوى عليه بساطور قطع ذنَبه، هرب الذئب والفلاح يجري خلفه، حتى إذا ما يئس من اللحاق به، قال له صارخا: اذهب فأنت اليوم معروفٌ يا مبتور الذنَب.

فختم مقاله ، فمنذ ذلك اليوم، تركّزت الأنظار على مفترس الحمَل الصغير، فما من خروف ضاع أو نعجة غابت أو تيس تلف إلا ونُسب للذئب مبتور الذنَب … وهكذا تملص كل الذئاب من جرائمهم وارتاحوا، حين تم تعليق جميع ضحاياهم في عنق صاحبهم المغبون.