الملك المفدى يجدّد “اليد الممدودة” إلى الجزائر ويأمل عودة العلاقات إلى طبيعتها

0
301

الملك المفدى في ذكرى جلوسه على العرش: نؤكد لإخواننا الجزائريين أن المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر أو سوء، ونتطلع أن تعود الأمور إلى طبيعتها، وأن يجري فتح الحدود بين بلدينا الجارين الشقيقين 

تطوان – جدّد حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى محمّد السادس حفظه الله ورعاه مساء السبت “اليد الممدودة” إلى الجزائر معبرا عن تطلعه بلاده إلى إقامة علاقات وطيدة مع دول الجوار، مؤكدا أن الرباط تتمتع بعلاقات مستقرة مع الجزائر وتتطلع للأفضل، وهي رسالة اعتبرتها أوساط مغربية رغبة واضحة من الملك محمد السادس في تأكيد سعيه لتطبيع العلاقات بين البلدين وتجاوز عناصر الخلاف والعرقلة التي حالت دون فتح الحدود وتبادل الزيارات.

وقال جلالة الملك محمد السادس في خطاب موجه للأمة بمناسبة ذكرى عيد العرش (توليه الحكم)، إن “عملنا على خدمة شعبنا لا يقتصر فقط على القضايا الداخلية، وإنما نحرص أيضاً على إقامة علاقات وطيدة مع الدول الشقيقة والصديقة وخاصة دول الجوار”.




وفي 30 يوليو 1999، تولى الملك محمد السادس الحكم خلفاً لوالده الراحل الملك الحسن الثاني، وألقى حينها أول “خطاب للعرش” أمام المغاربة.

وأوضح العاهل المغربي “خلال الأشهر الأخيرة، يتساءل العديد من الناس عن العلاقات بين المغرب والجزائر، وهي علاقات مستقرة، نتطلع لأن تكون أفضل”.

وتابع قائلا “وفي هذا الصدد، نؤكد مرة أخرى لإخواننا الجزائريين، قيادة وشعباً، أن المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر أو سوء، وكذا الأهمية البالغة التي نوليها لروابط المحبة والصداقة، والتبادل والتواصل بين شعبينا”.

وأردف “نسأل الله تعالى أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم فتح الحدود بين بلدينا وشعبينا، الجارين الشقيقين”.

والحدود مغلقة بين البلدين منذ العام 1994 بعد اتهام المغرب للجزائر بالضلوع في تفجير فندق سياحي وسط مراكش.

وفي أغسطس 2021 قطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب بسبب ما أسمته “حملة عدائية متواصلة ضدها”، وهو ما وصفه المغرب بأنه اتهام زائف وعبثي. وبعد ذلك حظرت تحليق الطيران المغربي فوق أجوائها، كما لم يتم تجديد عقد خط أنابيب الغاز المار عبر أراضيها وصولا إلى إسبانيا.

وسارعت قبل ذلك إلى إغلاق مجالها الجوي مع المغرب بعد أن اتهمت المغرب بالقيام بـ”الاستفزاز والممارسات العدائية”.

واندلعت الأزمة الدبلوماسية بعيد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء المغربية.

والصحراء المغربيّة مستعمرة إسبانيّة سابقة يُسيطر المغرب على 80 بالمئة من أراضيها ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته، ويلقى هذا المقترح المغربي دعما دوليا متزايدا، في حين ترفضه “جبهة البوليساريو” بدفع من الجزائر وتطالب بالانفصال التام عن المغرب.

وعلى الصعيد الداخلي قال العاهل المغربي إن بلاده تمكنت من “تحقيق العديد من المنجزات، ومن مواجهة الصعوبات والتحديات”، ودعا إلى “فتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، التي يستحقها المغاربة”.

وحيّا الملك محمد السادس في خطابه “جدّية” الشباب المغربي، مشيدا خصوصا بـ”الإنجاز” الذي حقّقه المنتخب الوطني في كأس العالم في قطر في ديسمبر.

وقال “هي نفس الروح التي كانت وراء قرارنا تقديم ملفّ ترشيح مشترك، مع أصدقائنا في إسبانيا والبرتغال، لاحتضان نهائيّات كأس العالم لكرة القدم 2030 والتي نتطلع ونعمل على أن تكون تاريخية، على جميع المستويات”.

ولفت الملك محمد السادس إلى أنه “ترشيح غير مسبوق، يجمع بين قارتين وحضارتين، إفريقيا وأوروبا، ويوحد ضفتي البحر الأبيض المتوسط، ويحمل طموحات وتطلعات شعوب المنطقة، للمزيد من التعاون والتواصل والتفاهم”.

وفي مارس الماضي، أعلن المغرب أنه انضم للطلب الذي تقدمت به إسبانيا والبرتغال من أجل تنظيم ثلاثي لكأس العالم لكرة القدم 2030.

ومتطرقاً إلى إنجازات بلاده، خصّ الملك محمد السادس بالذكر “إنتاج أول سيارة مغربية محلية الصنع، بكفاءات وطنية وتمويل مغربي، وكذا تقديم أول نموذج لسيارة تعمل بالهيدروجين، قام بتطويرها شاب مغربي”.

وقال “هذه مشاريع تؤكد النبوغ المغربي والثقة في طاقات وقدرات شبابنا، وتشجعه على المزيد من الاجتهاد والابتكار، وتعزز علامة “صنع في المغرب” وتقوي مكانة بلادنا كوجهة للاستثمار المنتج”.

ولم يفت الملك محمد السادس الإشارة إلى أن “الجدية تتجسد أيضا عندما يتعلق الأمر بقضية وحدتنا الترابية، فهذه الجدية والمشروعية هي التي أثمرت توالي الاعترافات بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية؛ وآخرها اعتراف دولة إسرائيل، وفتح القنصليات بالعيون والداخلة، وتزايد الدعم لمبادرة الحكم الذاتي”.

وأردف “بنفس الجدية والحزم، نؤكد موقف المغرب الراسخ، بخصوص عدالة القضية الفلسطينية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، بما يضمن الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة”.

ودعا الملك محمد السادس إلى “الجدية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية: من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة”.

وقال إن تداعيات الأزمة التي يعرفها العالم، وتوالي سنوات الجفاف، “ساهمت على المستوى الوطني، في ارتفاع تكاليف المعيشة، وتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي”، ودعا الحكومة المغربية إلى “اتخاذ التدابير اللازمة”، قصد تخفيف الآثار السلبية لهذه الأزمة على الفئات الاجتماعية والقطاعات الأكثر تضررا، وضمان تزويد الأسواق بالمنتجات الضرورية.

وتابع قائلا “وفي هذا الصدد، أطلقنا مشروع الاستثمار الأخضر للمكتب الشريف للفوسفاط، وقمنا بتسريع مسار قطاع الطاقات المتجددة. وإثر الاجتماع الذي ترأسناه في هذا الشأن، أعدت الحكومة مشروع “عرض المغرب”، في مجال الهيدروجين الأخضر”.

ودعا العاهل المغربي الحكومة إلى الإسراع بتنزيله، بالجودة اللازمة، وبما يضمن تثمين المؤهلات التي تزخر بها بلادنا، والاستجابة لمشاريع المستثمرين العالميين، في هذا المجال الواعد، واستكمالا لورش الحماية الاجتماعية، ننتظر الشروع، نهاية هذا العام، كما كان مقررا، في منح التعويضات الاجتماعية، لفائدة الأسر المستهدفة، ونأمل أن يساهم هذا الدخل المباشر، في تحسين الوضع المعيشي لملايين الأسر والأطفال، الذين نحس بمعاناتهم.

ومن جهة أخرى قال الملك محمد السادس “في ظل ما يعرفه العالم، من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات، وتداخل العديد من الأزمات، فإننا في أشد الحاجة إلى التشبث بالجدية، بمعناها المغربي الأصيل”، داعيا إلى “التمسك بالقيم الدينية والوطنية” وبـ”الوحدة الوطنية والترابية للبلاد”، و”صيانة الروابط الاجتماعية والعائلية من أجل مجتمع متضامن ومتماسك”.