استطلاع: المغاربة يثقون في الجيش والشرطة أكثر من الحكومة والأحزاب والمنتخبين.. لماذا؟

0
194

في يونيو العام الماضي ، كان تصريح والي البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري حول النخبة السياسية في المغرب لافتا، حيث انتقد أمام الكاميرات ما يحدث في الساحة السياسية، لافتا إلى نفور شريحة واسعة من المغاربة من الشأن السياسي وعدم ثقتها في عدد ممن يتقلدون المسؤولية الحزبية في البلاد.

تصريح الجواهري أعاد إلى الواجهة دور الأحزاب السياسية في المغرب، ومدى التزام المسؤولين بأداء مهامهم والاستماع إلى مطالب المواطنين.

وقال الجواهري وقتها: “العزوف عن الانتخابات شيء واضح، وبالنسبة لي فإنه يعني أن الناس لم تعد تثق في الأحزاب”.

 وانتشر التصريح كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، كصرخة من مسؤول كبير عبّر عن عدم ثقته في الأحزاب كجل المغاربة، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات التي ستجرى في سبتمبر المقبل.

وسجل الجواهري أن الأحزاب تطلق الوعود قبيل الانتخابات، مشيرا إلى أنه “من الواجب على المواطن أن يتبع مسار جميع تلك الوعود التي سبق أن أعلنت عنها خلال الحملة الانتخابية، ليتأكد هل تم تطبيقها على الأرض الواقع أم ظلت حبرا على ورق”.

تكشف نتائج مؤشر الثقة 2022، الذي نشره المعهد المغربي لتحليل السياسات، ارتفاعا في مستوى رضى المواطنين المغاربة عن التوجه العام لبلادهم، اذ عبر 66 في المئة من المستطلعين عن رضاهم بشأن التوجه العام للبلاد، علما بأن 70 في المائة منهم عبروا عن قلقهم السنة الماضية حسب نفس المؤشر.

ويشير التقرير الى أن المؤسسات السيادية غير المنتخبة تتمتع بثقة المغاربة “الشرطة 92 بالمائة والجيش 95 في المائة، والقضاء 79 بالمائة “، أكثر من المؤسسات المنتخبة البرلمان والحكومة. 

كما يفيد التقرير، أن 48 في المائة من المغاربة يرون أن حقوق الإنسان لا تحظى إلا بالاحترام القليل وأن 96 في المائة من المغاربة لا ينتمون إلى أي حزب سياسي، و50 في المائة عبروا عن رضاهم عن الوضع الاقتصادي، و86 في المائة ينوهون بجهود الحكومة للتعامل مع آثار جائحة كورونا، كما عبر 76 في المائة منهم عن رضاهم عن جهود الحكومة فيما يخص توفير الدعم الاقتصادي للتصدي لآثار أزمة الوباء.

تكشف معطيات “المندوبية السامية للتخطيط”، وهي مؤسسة رسمية مكلفة بالإحصاءات والدراسات الاقتصادية والاجتماعية، عن علاقة الشباب المشهد السياسي والحزبي ككل في المغرب، إذ تفيد أن 70 بالمئة من الشباب لا يثقون في جدوى العمل السياسي، و5 بالمئة يؤمنون بالعمل الحزبي، و1 بالمئة فقط يزاولون الفعل السياسي من داخل الهيئات السياسية، بينما يشكل الشباب 40 بالمئة من الكتلة الناخبة.

من جانب آخر، كشفت نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية، حول توجهات المواطنين وتطلعاتهم من الانتخابات العامة لسنة 2021، أن حوالي 60 بالمئة من المستجوبين لا يثقون في الأحزاب السياسية، فيما عبر 11.5 بالمئة فقط عن ثقتهم في هذه الأحزاب، وأكد 26.6 بالمائة منهم أن ثقتهم غير تامة.

ولعل المتتبع للمشهد السياسي المغربي سيلاحظ أن الأحزاب فقدت الكثير من قوتها، ولم تعد تؤثر في الرأي العام كما كان في السابق، حسب العديد من المتابعين الذين حذروا من تسجيل نسبة تصويت منخفضة جدا في الانتخابات المقبلة.

من جهة أخرى، قال أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة رشيد لزرق: “هناك أزمة ثقة تعصف بفئات واسعة من الشباب في ظل ترهل القيادات السياسية في مناخ من الشعبوية. هذه القيادات أثبتت عدم فاعليتها وعجزها عن مجاراة الزمن الدستوري وتحقيق ما وعدت به من إنجازت، وباتت متخوفة من ذكاء الشباب المغربي”. 

وأضاف لزرق في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “هذا التخوف يجعل بعض النخب السياسية تسعى إلى ضمان مستقبل أبنائها أولا ومواجهة التغيير، حبا في البقاء ومن تم فهذه القيادات تريد من الشباب أن يكون خزانا انتخابيا لا غير، وليس طاقات أو كفاءات، وهو ما يزيد من أزمة الثقة الحادّة التي تعصف بهؤلاء الشباب، في ظلّ الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها بلادنا”.

واستطرد أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية: “هذه القيادات المترهلة لا تملك الزاد العلمي والإبداعي الذي يؤهلها لخلق إقلاع اقتصادي. بل إن تهافتها على ترشيح أبنائها سيؤجج عوامل الإحباط؛ وبالتالي نجد أنفسنا في دوامة من الحلقات المفرغة، وأن المناصب خارج الزمن الدستوري تورَّث وتمرَّر من الآباء إلى الأبناء، وأما الباقي فليشرب البحر!”.

كان جلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله  انتقد في وقت سابق أداء الطبقة السياسية وبعض المسؤولين، الذين قال بالحرف الواحد إنه لا يثق فيهم، بسبب عدم تعاملهم مع قضايا الشعب كما ينبغي وتغاضيهم عن الإنصات لهموم المواطنين.

وقال الملك المفدى حفظه الله في الخطاب الذي وجهه بمناسبة حلول الذكرى 18 لتربعه على العرش سنة 2017: “التطور السياسي والتنموي الذي يعرفه المغرب لم ينعكس بالإيجاب، على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين، مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة. فعندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للاستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة”.

وتابع جلالته أعز الله أمره: “أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه. وهو ما يجعل المواطنين يشتكون لملك البلاد، من الإدارات والمسؤولين الذين يتماطلون في الرد على مطالبهم، ومعالجة ملفاتهم، ويلتمسون منه التدخل لقضاء أغراضهم”.

وفي نفس السياق، قال صاحب الجلالة: “وأمام هذا الوضع، فمن حق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء، والولاة والعمال، والسفراء والقناصلة، إذا كانون هم في واد، والشعب وهمومه في واد آخر؟ فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين، تدفع عددا من المواطنين، وخاصة الشباب، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات. لأنهم بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل”.

وختم الملك المفدى حفظه الله قوله: “إذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟”