الأمازيغية والخطاب الديني: لماذا يتعثّر تفعيل الطابع الرسمي في الشؤون الإسلامية؟

0
123

في مفارقة لافتة، تستمر الأمازيغية، إحدى أهم مكونات الهوية المغربية، في مواجهة تحديات حقيقية تتعلق بتفعيل طابعها الرسمي في مختلف القطاعات الحكومية، وعلى رأسها القطاع الديني الإسلامي. رغم الخطابات الملكية المتكررة التي تؤكد على ضرورة الحفاظ على الأمازيغية، لا تزال هناك فجوة كبيرة في تفعيل اللغة الأمازيغية داخل المؤسسات الدينية. قالت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي “لامريك” في تصريح لها أن هناك تأخرًا كبيرًا في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الأمازيغية، وغيابًا ملحوظًا في إدماج الأمازيغية في تكوين الأئمة والمرشدين الدينيين.

فما هي الأسباب وراء هذا التأخير؟ وما هي الحلول الممكنة لتحقيق تكامل بين الدين الإسلامي والهوية الأمازيغية في مجال الدين؟ وكيف يمكن الجمع بين مطالب الحركة الأمازيغية والحفاظ على الدين الإسلامي في إطار دستوري وقانوني متوازن؟




التحديات في القطاع الديني: يتضح من تصريحات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي أن القطاع الديني الإسلامي في المغرب، الذي يديره المجلس العلمي الأعلى، يعاني من تهميش الأمازيغية بشكل فاضح. منذ دستور 2011، الذي اعترف بالأمازيغية كلغة رسمية للمملكة، لم يتغير الكثير على الأرض، خاصة في قطاع حساس مثل الدين. أحد أوجه هذا التهميش يتمثل في غياب ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الأمازيغية وبحرفها “تيفيناغ”، بينما تتوفر العديد من الترجمات لهذه المعاني في لغات عالمية أخرى.

هل يُعتبر هذا تقاعسًا من السلطات الحكومية في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؟ أم أن هناك تعقيدات ثقافية ودينية تحول دون دمج هذه اللغة في الحياة الدينية اليومية؟




تأثير هذا التأخير على الهوية الدينية والثقافية: من المهم النظر إلى هذا التأخير في سياق أوسع. الأمازيغية ليست مجرد لغة، بل هي جزء من الهوية الثقافية والدينية العميقة للمغاربة. منذ زمن طويل، أسهم علماء أمازيغيون في نشر الإسلام في مختلف أرجاء المغرب والمناطق المجاورة. العلماء مثل العلامة الحسين الجهادي قاموا بمبادرات فردية من أجل نشر المعرفة الإسلامية بلغة الأمازيغ، مثل ترجمته لمعاني القرآن الكريم إلى الأمازيغية، وكتاباته في السيرة النبوية. هذه الجهود تعكس الالتزام العميق لدى العديد من الأمازيغيين بالحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية في آن واحد.

هل يمكن جمع الهوية الأمازيغية والإسلام؟ الأمر المهم هنا هو السؤال الذي طرحته الجمعية في ندوة حول “موقع البعد الديني الإسلامي في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”. إلى أي مدى يمكن الجمع بين الدين الإسلامي، الذي يعتبره أغلب المغاربة جوهر هويتهم، وحقوق الأمازيغية، التي تُعد جزءًا أساسيًا من ثقافتهم؟ هل يتعارض الحفاظ على الأمازيغية مع تعاليم الإسلام، أم أن هناك إمكانيات للتناغم بينهما؟

خطاب الملك والتفاعل المجتمعي: جلالة الملك محمد السادس تحدث مرارًا في العديد من خطبه عن أهمية الأمازيغية كجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية المغربية. هذا التوجه الملكي يعكس إرادة سياسية في تعزيز الأمازيغية في مختلف مجالات الحياة. رغم ذلك، تظهر بعض التساؤلات حول مدى فاعلية هذه الإرادة السياسية في القطاعات التي تعد حساسة مثل الدين.

التوجه نحو الحلول: من الضروري الآن أن يتم العمل على تطوير استراتيجيات تعليمية ودينية تشمل إدماج الأمازيغية في برامج تكوين الأئمة والمرشدين الدينيين. كما يجب تشجيع ترجمة النصوص الدينية إلى الأمازيغية بطرق احترافية، وهذا ليس فقط حفاظًا على اللغة، بل أيضًا لتيسير وصول المبادئ الإسلامية إلى جميع المغاربة، بما يتماشى مع دستور 2011.

كما يمكن الاستفادة من الخبرات السابقة التي قام بها بعض العلماء الأمازيغ، مثل الحسين الجهادي الذي قام بإصدار ترجمات للقرآن والسيرة النبوية. هذه التجارب يمكن أن تكون نقطة انطلاق لنهضة حقيقية في المجال الديني الإسلامي الأمازيغي.

الختام: إن تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في المجال الديني ليس مسألة ترف ثقافي، بل هو ضرورة لتأكيد التنوع والتكامل داخل المجتمع المغربي. ومن خلال دمج الأمازيغية في الحقل الديني، سيُعزز المغاربة ارتباطهم بدينهم وهويتهم الثقافية بشكل متوازن. وعليه، يبقى السؤال المفتوح: هل ستكون هناك إرادة حقيقية من كافة الأطراف المعنية لتحقيق هذا التوازن بين الأمازيغية والإسلام في إطار دستوري وقانوني؟