البرلمان المغربي يصوت على مشروع قانون مكافحة غسل الأموال خطوة ملزمة للخروج من قائمة غسل الأموال (GAFI)

0
132

أعلنت “مجموعة العمل المالي”  فبراير الماضي، أنها وضعت المغرب والسنغال وبوركينا فاسو وجزر كايمان تحت المراقبة لتقصيرها في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لكنها تعهدت بتنفيذ خطط العمل في المواعيد النهائية المحددة لتحسين أوضاعها.

الرباط – جاء تصويت البرلمان المغربي بالإجماع ، الثلاثاء ، على مشروع قانون يتعلق بمكافحة غسل الأموال، ليمثل خطوة مهمة تمهد للخروج  من القائمة الرمادية حول غسل الأموال وتمويل الإرهاب التابعة لمجموعة العمل المالي (GAFI)..

وخلال جلسة برلمانية عقدت ترأسها الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب،صوّت البرلمان بأغلبية مريحة على مشروع  القانون رقم 12.18 بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي والقانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، حيث أوضح السيد بن عبد القادر وزير العدل والحريات، أن جرائم غسل الأموال هي جرائم منظمة عابرة للحدود ترتبط بجرائم أخرى أكثر خطورة، مشيرا إلى أن المملكة المغربية ، باعتبارها فاعلا في المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية المختصة وشريكا دوليا جادا وموثوقا في الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة ، حريصة على الوفاء بالتزاماتها وملاءمة تشريعاتها الوطنية ذات الصلة مع المواثيق الدولية. 

ويهدف مشروع القانون السالف الذكر إلى تعقب الأموال غير المشروعة وضبطها تمهيدا لمصادرتها، وملاءمة المنظومة التشريعية الوطنية مع المعايير الدولية المعتمدة من طرف مجموعة العمل المالي، وكذا تجاوز أوجه القصور التي يتضمنها القانون الحالي.

ومن أبرز المستجدات التي جاء بها المشروع إضافة العقوبات التأديبية بالإضافة للعقوبات التي تصدرها سلطات الإشراف والمراقبة، ورفع الحدين الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص الذاتيين في مجال غسل الأموال، وتعزيز إجراءات اليقظة والمراقبة الداخلية، وإحداث سجل عمومي لتحديد المستفيدين الفعليين من الأشخاص الاعتباريين المنشئين بالمملكة المغربية، وغيرها من المقتضيات.

وتضمنت تلك اللائحة سبع عشرة دولة، حيث يتم تجديدها كل أربعة أشهر حسب تطور التشريعات في اتجاه 40 توصية تحددها تلك المنظمة باعتبارها معايير ملزمة للخروج من اللائحة.

ويأتي ذلك بعدما عمدت المجموعة، في الخامس والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، إلى إدراج المملكة ضمن اللائحة الرمادية، أي البلدان التي تستدعي مراقبة مكثفة.

واعتبرت المنظمة أن المغرب يستجيب لـ37 معياراً، ويحتاج إلى تأهيل ممارسته على مستوى ثلاثة معايير تتعلق بتنمية الوسائل البشرية والمادية المخولة لهيئات المراقبة، وتخطي ضعف العقوبات في حق المخالفين للقانون، وتطوير الجوانب المتصلة بتبادل المعلومات بين المؤسسات والمهنيين.

وتعتبر المنظمة أنه منذ انخراطه في المجهود العالمي لمحاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حقق المغرب العديد من التقدم من أجل ملاءمة ترسانته القانونية مع المعايير التي تحددها المنظمة، علما أن الحكومة وضعت مشروع قانون يرمي إلى مراجعة تعريف غسل الرساميل وتشديد العقوبات الحالية.

وفي يناير الماضي ،هاجم النائب توفيق الميموني، رئيس لجنة العدل والتشريع المنتمي لفريق الأصالة والمعاصرة المعارض، بشدة مشروع توسيع مصادرة الممتلكات، معتبراً أن ذلك بمثابة «تعليق للمشانق ضد المغاربة»، ورأى أن المصادرة تعد «عقوبة إضافية، ولا يمكن أن تكون مصادرة كلية، إنما جزئية».

وتساءل النائب الميموني: «كيف نحكم بالمصادرة على جرائم بسيطة تعد بمثابة جنحة ضبطية؟»، معتبراً أن توسيع المصادرة يعكس «نظاماً انتقامياً» حذر من «آثاره الوخيمة».

وكان وزير العدل ، قد أوضح  بأن الأمر يتعلق بتوسع في مصادرة الممتلكات يرمي إلى أن «تطبق المصادرة على جريمة غسل الأموال، والجرائم الأصلية لغسل الأموال»، مشيراً إلى أن ذلك يأتي تطبيقاً لتوصية دولية لـ«مجموعة العمل المالي الدولي»، تنص على أنه ينبغي على الدول أن تتخذ «تدابير تشريعية تسمح بمصادرة الممتلكات التي يتم غسلها، والمتحصلات أو الوسائط المستخدمة، أو تلك التي اتجهت النية لاستخدامها في غسل الأموال، أو الجرائم الأصلية».

وينص القانون الجنائي على أنه يجب دائماً الحكم في حالة الإدانة من أجل جريمة غسل الأموال بالمصادرة الكلية للأشياء والأدوات والممتلكات التي استعملت.

وأوضح مصدر من وزارة العدل  أن الأمر يتعلق بمصادرة الممتلكات المتحصلة من هذه الجرائم الأصلية، إذا كانت لها صلة بغسل الأموال، بحيث إذا اعتقل شخص بتهمة تجارة المخدرات، مثلاً، وحكم عليه دون أن تظهر أن له ممتلكات، فإن الملف يبقى في التحقيق بشأن شبهة تبييض الأموال، وإذا تبين أن له ممتلكات تم تبييض أموال فيها، فإنه يتم مصادرتها فيما بعد.

ولجأ المغرب إلى تعديل قانون غسل الأموال، بعدما وضع في اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولي، بسبب عدم ملاءمة بعض نصوص قانونه مع المعايير الدولية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

تجدر الإشارة إلى أنه سبق لـ«وحدة معالجة المعلومات المالية» التابعة لرئاسة الحكومة، التي أحدثها القانون المتعلق بغسل الأموال سنة 2009، أن أحالت منذ إحداثها إلـى حدود نهايـة سنة 2018 مـا مجموعـه 107 مذكـرات إلـى وكيـل الملـك لــدى المحكمــة الابتدائيــة بالربــاط (المدعي العام)، وإلــى الوكيــل العــام للملــك لــدى محكمــة الاستئناف، في حين بلغ عــدد المذكــرات المحالة على النيابة العامة سنة 2018 ما مجموعه 15 مذكرة، منها 12 متعلقة بغسل الأموال، و3 مذكرات متعلقة بتمويل الإرهاب.

وسعى المغرب إلى دفع أصحاب المهن غير المالية نحو ضرورة المساهمة في الوقاية من غسل الأموال، خاصة المحاسبين المعتمدين والوكلاء والوسطاء العقاريين وتجار المعادن النفيسة والأحجار الكريمة والكازينوهات والعاملين في تجارة الأعمال الفنية والشركات التي تقدم خدمات في مجال إحداث المقاولات وتنظيمها وتوطينها.

وتفرض القوانين في المغرب على كل مصرف التوفر على وحدة مستقلة، مهمتها تدبير منظومة اليقظة والمراقبة الداخلية، حيث تعود إليها دراسة العمليات غير الاعتيادية أو المعقدة، والسهر على تتبع الحسابات التي تسجل عمليات غير اعتيادية أو مشبوهة. كما تشدد القوانين على محاصرة علاقات الأعمال التي يمكن أن تنطوي على مخاطر مرتفعة.

وبعث وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة محمد بنشعبون بخطاب إلى مجموعة العمل المالي، من أجل الطمأنة حول الانخراط في الإصلاحات الضرورية. فيما اعتبر محافظ البنك المركزي عبد الجواهري أن مشروع القانون حول مراجعة التدابير حول غسل الأموال، الذي أحيل إلى البرلمان من أجل البت فيه، يعتبر مهماً جداً في إطار الالتزام بالمعايير الدولية.

وشدد على ضرورة أن يكون موافقا للقواعد التي تضعها مجموعة العمل المالي. ويجب على المغرب تعزيز الموارد البشرية والمالية لهيئات المراقبة، خاصة وحدة معالجة المعلومات المالية، التي يعود إليها حصر المعلومات ذات الصلة بغسل الأموال ومعالجتها والبت في مآل البيانات المعروضة عليها وإصدار الأوامر بالتحقيقات.

وأكد الجواهري على أن اللجنة التي تم تشكيلها برئاسة رئيس الحكومة، تضم كل الوزارات والإدارات المعنية بهدف تحديد المسؤوليات وبلورة تقرير سيرسل إلى المنظمة الدولية كل أربعة أشهر. وشدد على أنه يفترض في المغرب توفير الموارد البشرية والمالية لهيئات المراقبة، وفي الوقت نفسه ضرورة سد الثغرات التي تعود لعدم معرفة بعض الفاعلين بتفاصيل المواضيع التي تهم تبييض الأموال ومحاربة الإرهاب.

وضرب مثلا المهن غير المنظمة، مثل تجار المجوهرات والموثقين والوكالات العقارية، التي تبين لبعثة مجموعة العمل المالي منذ ثلاثة أعوام، أنها لا تتوفر على معرفة وافية حول مواضيع مكافحة تبييض الأموال أو محاربة الإرهاب.

يصل حجم الأموال التي يتم غسلها سنويا عبر العالم مابين 450 مليار إلى 5,1 تريليون أي ما يعادل 2% إلى 5% من الناتج المحلي العالمي، بحسب إحدى إحصائيات صندوق النقد الدولي، ويصل المبلغ إلى 15% من الناتج الخام الإجمالي العالمي حسب تقرير سابق لمنظمة الشفافية الدولية، فيما تغيب أرقام محددة بالنسبة لحجم الأموال التي يتم تبييضها داخل المغرب، الأمر الذي دفعنا إلى البحث في تصنيف المغرب ضمن المؤشرات الدولية بهذا الخصوص لتقريب الصورة أكثر.

مؤشر “بازل” لمكافحة غسل الأموال ومخاطر تمويل الإرهاب، الذي يُصدِره مركز بنفس الاسم، وهو مركز متخصص في منع الفساد والحكامة العامة والامتثال والعمل الجماعي ومكافحة غسيل الأموال وإنفاذ القانون الجنائي واسترداد الأصول المسروقة، صنف المغرب في المرتبة 57 من أصل 146 دولة شملها تصنيف عام 2017، في تقريره الذي يتم إعداده بإشراف عالمي من قبل “لجنة بازل المصرفية الدولية بسويسرا”، ويرصد “كل الجرائم المالية التي تقع في 146 دولة حول العالم والتشريعات والقوانين المحلية المعتمدة لمواجهتها ومدى تطبيق البنوك المركزية للتعليمات الصادرة عن الأمم المتحدة ومؤسساتها بشأن مكافحة هذه النوعية من الجرائم التي تشكل خطرا على السلم والأمن العالميين.”

وبحسب التقرير نفسه فقد حصل المغرب على تنقيط 6.38 من أصل 10، وهو تنقيط وضعه بين الدول الأكثر خطراً في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط في مجال غسيل الأموال، بعد كل من إيران كأخطر دولة في العالم ومنطقة “مينا”، تليها لبنان، واليمن، والجزائر، ثم المغرب وتونس.

في ذات السياق، أكد تقرير سابق لوزارة الخارجية الأمريكية، أن “مجال مكافحة غسيل الأموال لا زالت تعتريه العديد من نقاط الضعف”، معتبرا أن “الموقع الجغرافي للمغرب يجعله نقطة جذابة من أجل التهريب والاتجار بالبشر، وأيضا الهجرة غير الشرعية”، مشيرا إلى أن “أهم نقاط ضعف غسل الأموال الرئيسية في المغرب تنبع من القطاع غير الرسمي، إضافة إلى انتشار المعاملات النقدية، وارتفاع حجم التحويلات المالية، ووجود شبكات تهريب دولية”.

وعن منابع هذه الأموال التي يتم غسلها يقول المصدر القضائي “إن طبيعة الأنشطة التي تأتي منها الأموال التي يتم غسلها غالبا تكون الاتجار في المخدرات، وهناك أيضا جرائم النصب التي تعتبر من الجرائم الخاضعة التي تشكل أرضية لغسل الأموال فيما بعد، مثل ما ظهر مؤخرا من ظاهرة البيع الهرمي (باونزي) التي أصدر بخصوصها بنك المغرب مذكرة وأثبت أن أصحابها يقومون بتهريب أموال إلى الخارج في إطار عمليات لغسل الأموال”.

لكن السواد الأعظم لمصدر هذه الأموال يضيف المتحدث ” يظل الاتجار في المخدرات، لاسيما العابر للحدود بين المغرب وأوروبا من طرف عدد من المهاجرين المغاربة في دول أوروبية مثل بلجيكا وهولاندا وفرنسا، وما يتحصلون عليه من أموال من خلال الاتجار بالمخدرات هناك يتم غسلها في مناطق أخرى مثل المغرب خاصة شمال المملكة”.

نفس الشيء أكدته مصادر مطلعة من شمال المغرب، في تصريح سابق، وأصرت على عدم الكشف عن هويتها واسمها للعموم، حيث أوضحت أن أغلب الأموال التي يتم تبييضها وغسلها في المغرب تأتي من الاتجار الدولي في المخدرات”.

أما فؤاد عبد المومني، رئيس منظمة الشفافية الدولية، “ترانسبارنسي” فرع المغرب، فيقول “إن ما يمكننا تسجيله هو أن جزء كبيرا جدا من المداخيل المغربية مرتبط بأموال مشبوهة سواء منها ما يرتبط بالمخدرات أو ما يرتبط بالسوق السوداء وأموال الرشوة واستغلال النفوذ والأموال التي تخرج من المغرب بدون رقابة”، معتبرا أن “كلها فظاعات سوداء لا يتمكنون من الحصول على المعلومة حولها”، فيما يرى محمد المسكاوي رئيس “الشبكة المغربية لحماية المال العام “، أن “الأموال التي تغسل بالمغرب تأتي من جرائم الرشوة والفساد والمخدرات والاتجار بالبشر، أي أن غسيل الأموال يتأتى من أموال غير قانونية لا يمكن أن تودع بالبنك”.