يرى عزيز رباح، الوزير السابق، أن أزمة البطالة في المغرب لم تعد مجرد معضلة اجتماعية عابرة، بل تحولت إلى تهديد حقيقي لبنيان الدولة واستقرارها الاقتصادي والاجتماعي. انطلاقًا من الأرقام الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، يبني رباح طرحه حول ضرورة إعلان تعبئة وطنية كبرى لمواجهة هذا التحدي، لكنه لا يكتفي بالتشخيص الرقمي، بل يغوص في عمق ما يعتبره خللًا بنيويًا في الرؤية الاقتصادية والتنموية للمغرب.
عندما يفقد التعليم صلته بالتشغيل
بحسب رباح، فإن الفجوة بين التعليم وسوق الشغل تتسع، وهو ما تعكسه نسبة بطالة مرتفعة بين الشباب (37.7%) والخريجين (19.4%). يقرأ رباح هذه الأرقام كتعبير عن “فشل السياسات المتراكمة في تحقيق التلاؤم بين مخرجات التعليم ومتطلبات الاقتصاد”.
وفي نظر “المغرب الآن”، فإن ما يثير القلق في قراءة رباح هو الاستسلام الضمني لفكرة أن التعليم العالي لم يعد ضمانة لحياة كريمة، مما قد يدفع فئات واسعة من الشباب إلى النفور من التكوين الأكاديمي، أو إلى البحث عن الهجرة كخيار وحيد للخلاص.
فهل نعيد النظر في اختياراتنا التكوينية؟ أم أن الاقتصاد هو من يجب أن يُعاد توجيهه ليحتضن كفاءات الشباب؟ هنا يضع رباح السؤال أمام الدولة.
البطالة بصيغة مجالية: خرائط التهميش الممنهج؟
يرى رباح أن التفاوتات الجهوية في معدلات البطالة تعكس خللًا بنيويًا في نموذج التنمية المجالية. خمس جهات فقط تضم 70% من العاطلين، وعلى رأسها جهة الشرق بنسبة صادمة تبلغ 25.2%.
وفق تحليل رباح، فإن الجهات التي كانت يفترض أن تستفيد من الجهوية المتقدمة ظلت خارج دينامية الاستثمار، وهو ما تراه “المغرب الآن” تعبيرًا عن فشل في تنزيل العدالة المجالية على أرض الواقع، رغم كل الخطابات المرفوعة.
هل نحن أمام جهوية شكلية؟ ولماذا تُركت مناطق بأكملها خارج خريطة التحفيز الاقتصادي؟ هذه الأسئلة المحورية تبقى في صلب نقد رباح للنموذج التنموي الحالي.
هل أُعطي الضوء الأخضر للتغيير؟
يُفهم من طرح رباح أن هناك إرادة سياسية عليا بدأت تضغط من أجل تسريع وتيرة الحلول، وهو ما يصفه بـ”إعطاء الضوء الأخضر، بل الأمر الصارم” لكل المؤسسات المعنية. لكن، وبنظرة تحليلية من “المغرب الآن”، فإن الخطورة تكمن في أن هذه الأوامر غالبًا ما تصطدم بجدران البيروقراطية، والمحسوبية، وغياب التنسيق بين الفاعلين.
رباح لا يقدم وصفة سحرية، بل يقترح مقاربة مندمجة ذات أبعاد متعددة، تشمل الحكامة، تحفيز الاستثمار، تحرير العقار، تكييف التمويل مع نوعية المشاريع، وتشجيع القطاعات الأكثر تشغيلاً كالرقمنة، الفلاحة، الصناعة التقليدية، والنقل.
سؤال “المغرب الآن”: هل نحتاج لرؤية جديدة أم فقط لإرادة تنفيذ؟
وفق تحليل رباح، المغرب لا يفتقر للأفكار ولا للمخططات، بل لـ”تطبيق فعال، ومحاسبة جادة، وتحرير الطاقات المحلية”. فهل تكفي الإرادة السياسية وحدها؟ وهل المنظومة الحالية قادرة على احتضان هذه الإرادة وتفعيلها على أرض الواقع؟
“المغرب الآن” ترى أن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في توفير فرص شغل، بل في بناء نموذج اقتصادي عادل ومستدام، يربط بين الإنسان والعمران، كما يقول رباح.
ويبقى السؤال المفتوح: هل نمتلك الشجاعة لإصلاح جذري، أم سنظل نُجمّل الواقع بأرقام موسمية لا تغيّر حقيقة البطالة العميقة؟