تصريحات محمد المهدي بنسعيد، عضو القيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة ووزير الشباب والثقافة والتواصل، جاءت في توقيت حساس، خاصة بعد حادثة الطعن التي نفذها شاب مغربي ضد أربعة إسرائيليين، ما أثار جدلًا واسعًا في الشارع المغربي.
بنسعيد أكد في لقائه مع الصحافيين بمؤسسة الفقيه التطواني أن حزبه “يرفض الإرهاب بكل أشكاله”، مشددًا على أهمية احترام الاختلاف السياسي دون المساس بحياة المواطنين.
لكن هذه التصريحات أثارت أسئلة أعمق: إلى أي مدى يمكن للمغرب، الذي يتباهى بنموذج التعايش الفريد، أن يحافظ على هذا النموذج في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية؟
التعايش المغربي: نموذج مهدد أم متجدد؟
بنظرة تاريخية، المغرب كان ولا يزال ملتقى حضارات؛ من الأمازيغ، إلى اليهود، ثم المسلمين. هذا التعايش الذي وصفه بنسعيد بـ”الاستثنائي” ليس مجرد كلام سياسي، بل شهادة يتفق عليها زوار المملكة من مختلف الدول.
لكن، مع تصاعد الأحداث الإرهابية أو الاعتداءات الفردية بدوافع أيديولوجية، يظهر تساؤل محوري: هل يكفي خطاب التعايش وحده لحماية هذا النموذج؟
تُظهر العمليات الأخيرة، مثل حادثة زاكورة، أن التوترات الأيديولوجية قد تتحول بسهولة إلى أعمال عنف تهدد السلام المجتمعي. فكيف يمكن للسياسات الحكومية أن تعزز هذا التعايش، وتتخذ خطوات استباقية للحيلولة دون تغلغل التطرف؟
الاختلاف السياسي وحدود الخطاب الديمقراطي
في تعليقه على قضايا التكفير والتهديد، أشار بنسعيد إلى الحكم الصادر بحق شاب هدد المفكر أحمد عصيد بالذبح. يرى الوزير أن الديمقراطية لا تتماشى مع التكفير أو التهديد، بل مع قبول الآخر واختلاف آرائه.
ولكن، هنا يُطرح تساؤل أعمق: إلى أي مدى يستطيع المغرب حماية حرية التعبير مع ضمان عدم تجاوزها لحدود التحريض أو الإساءة؟
بينما يكفل الدستور المغربي الحق في التعبير، إلا أن الخلافات الأيديولوجية والسياسية كثيرًا ما تتحول إلى معارك شخصية أو أيديولوجية عميقة، مما يهدد المسار الديمقراطي الذي تطمح إليه المملكة.
الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي: الخط الفاصل بين النقد والتشهير
وفي سياق متصل، انتقد بنسعيد تجاوزات وسائل التواصل الاجتماعي التي تمس الحياة الشخصية للمسؤولين الحكوميين. ومع تزايد هذه الهجومات، يبدو أن الحكومة تفكر في تعديل قوانين الصحافة والنشر، خاصة مع تفاقم الخلط بين النقد المبرر والإساءة الشخصية.
لكن هنا يظهر سؤال جوهري: هل تعزيز قوانين الصحافة سيكون خطوة لتعزيز حرية التعبير أم أداة للرقابة المفرطة؟
بينما يعترف الوزير بحق المسؤولين في اللجوء إلى القضاء، يشير إلى ضرورة وضع حدود بين العمل الصحافي المهني والتجاوزات على وسائل التواصل الاجتماعي.
التحدي الاقتصادي: الغلاء وضبابية التواصل
أثار الوزير أيضًا مسألة غلاء أسعار المواد الأساسية، وهي قضية تشغل بال المواطنين أكثر من الخلافات السياسية أو الأيديولوجية.
في ظل هذه الظروف، يبدو أن الحكومة تحتاج إلى استراتيجية تواصلية أكثر وضوحًا لشرح سياساتها وقراراتها للمواطنين.
ولكن: هل يمكن لحكومة تواجه انتقادات متزايدة أن تحقق الانسجام بين مكوناتها، وتعيد ثقة المواطن بمؤسساتها؟
الخلاصة: المغرب بين التحديات الداخلية والنموذج المأمول
بين تصاعد التوترات الأيديولوجية، وارتفاع الضغوط الاقتصادية، يبقى المغرب في مفترق طرق. الحفاظ على نموذج التعايش يتطلب سياسات أكثر شمولية، واستراتيجيات تواصلية تعكس روح الوحدة الوطنية.
تصريحات بنسعيد قد تكون خطوة في هذا الاتجاه، لكنها تحتاج إلى ترجمة فعلية على أرض الواقع، خاصة مع اقتراب استحقاقات 2026.