الجماعات الترابية بين وصاية الداخلية وحلم الاستقلال: انتخابات بلا سلطة؟

0
107

مقدمة: سؤال الحرية في ظل نظام الوصاية

عندما جدد فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب مطلب “تحرير الجماعات الترابية من سلطة الوصاية”، أعاد إلى الواجهة سؤالًا مؤرقًا لطالما ظل حاضرًا في النقاش السياسي المغربي: هل يمكن الحديث عن ديمقراطية محلية حقيقية في ظل استمرار رقابة وزارة الداخلية على القرارات الكبرى للجماعات الترابية؟ وهل تُمارس الجهوية المتقدمة بصيغتها الدستورية، أم أننا لا زلنا نحيا في ظل مركزية صارمة تُفرغ الانتخابات المحلية من محتواها؟

الجدل أُثير من جديد خلال اجتماع لجنة الداخلية والجماعات الترابية بمجلس النواب، أثناء مناقشة مشروع القانون رقم 14.25 المتعلق بتعديل قانون الجبايات المحلية، حيث اعتبر النائب رشيد حموني أن الوقت قد حان لإلغاء نظام الوصاية، مؤكدًا أن “من حق الجماعات أن تتصرف في مواردها، وأن تضعها في الأبناك أو في أي مكان آخر دون وصاية”، مضيفًا: “إذا منحنا للجماعة استقلالية التسيير، فيجب أن ترافقها استقلالية حقيقية في القرار”.

لكن، ما الذي يعنيه فعلًا نظام الوصاية؟ وما أبعاده التاريخية والدستورية؟ وهل يمكن الحديث عن إصلاح جبائي دون إصلاح سياسي يحرر الجماعات من “الوصي المركزي”؟

أولًا: الوصاية – إرث إداري أم أداة تحكم؟

وفق القانون 47.06، تمارس وزارة الداخلية وصايتها على الجماعات عبر:

  • وصاية إدارية: من خلال تعيين العمال والولاة، والمصادقة على المداولات، وحل المجالس المنتخبة.

  • وصاية مالية: بتقييد الإنفاق المحلي، وفرض شروط على الاقتراض، والإشراف على تحصيل الضرائب وتوزيعها.

هذه السلطة تتجلى في تفاصيل قد تبدو بسيطة، مثل فتح حساب بنكي أو التعاقد مع مستثمر، لكنها كلها تخضع لموافقة العامل أو الوالي، مما يخلق تناقضًا صارخًا مع مبادئ الاستقلالية المنصوص عليها دستوريًا.

يُذكر أن نظام الوصاية ليس مغربيًا صرفًا، بل يعود جذوره إلى فترة الحماية الفرنسية التي أسست لإدارة محلية تخضع بشكل صارم لمراقبة السلطة المركزية، وهو ما بقي مستمرًا حتى بعد الاستقلال، رغم كل المحاولات الإصلاحية اللاحقة.

ثانيًا: انتخابات تُنظمها الدولة لكنها تُدار من فوق

الانتخابات المحلية في المغرب تُنظم بشكل دوري، وتُفرز رؤساء مجالس جماعية وجهوية يتم انتخابهم ديمقراطيًا، لكن دون صلاحيات فعلية. من هنا يطرح السؤال: لماذا يُنتخب رئيس جماعة إذا كان العامل هو من يقرر؟

في هذا السياق، قال رشيد حموني: “في رؤساء جماعات نزهاء يعملون بجد، كما فيهم من يُخطئ، و”اللي دار الذنب يستاهل العقوبة”، لكن لا يمكن الحكم على الجميع بمنطق الريبة”.

من جهته، أشار عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي، إلى أن الجماعات “تقوم أحيانًا بمهام لا تدخل ضمن اختصاصاتها، خاصة في الصحة والتعليم، بسبب غياب التنسيق مع القطاعات الوزارية المعنية”، متسائلًا عن مدى عدالة هذا النظام التموّلي الذي يترك الجماعة تنوب عن الدولة دون أن تتلقى تمويلًا مخصصًا لذلك.

كما تساءل شهيد: “ما هو أفق هذا النص القانوني الجديد؟”، في إشارة إلى مشروع الجبايات، قبل أن يضيف: “الإصلاح الجبائي لا يجب أن يُناقش بمعزل عن مشروع الجهوية المتقدمة، بل يجب أن يكون جزءًا من رؤية شاملة لإعادة توزيع السلطة”.

ثالثًا: وهم الاستقلال المالي في ظل الوصاية

ينص مشروع القانون 14.25 على رفع حصة الجماعات من مداخيل الضريبة على القيمة المضافة من 30% إلى 32%. لكن، هل هذه الزيادة كافية لمنح الجماعات قدرة على التسيير الحقيقي؟

المفارقة تكمن في أن الجماعات تُجبي الضرائب، لكنها لا تتحكم في صرفها بشكل مستقل، إذ تُفرض عليها أحيانًا مشاريع ليست من اختصاصها – مثل بناء المدارس أو تهيئة المستوصفات – دون أن تُمنح الإمكانيات أو التعويض المناسب.

وحتى مع رفع المداخيل، فإن بقاء وزارة المالية والخزينة العامة طرفًا مقرّرًا في تفاصيل البرمجة والصرف، يجعل الحديث عن “استقلال مالي” أقرب إلى الوهم، خاصة في ظل تفاوت كبير بين قدرات الجماعات القروية ونظيرتها الحضرية.

خاتمة: هل نعيش انتقالًا ديمقراطيًا حقيقيًا أم تدويرًا للتحكم؟

إذا كانت الجهوية المتقدمة مشروعًا استراتيجيًا للدولة، فهل يُعقل أن يستمر تحكم وزارة الداخلية في القرار المحلي إلى هذا الحد؟ وما الفائدة من تنظيم الانتخابات المحلية إذا كان المنتخب لا يستطيع برمجة ميزانيته أو تنفيذ مشروع دون إذن مسبق؟

إن تقوية موارد الجماعات مسألة مهمة، لكنها غير كافية ما لم تُرافقها تحرير فعلي للقرار المحلي، ووضع حد للازدواجية بين من يُنتخب ومن يُقرر.

وربما أكبر سؤال يُطرح اليوم هو: هل تُدار الجماعات الترابية بمنطق الدولة الحديثة، أم بمنطق “المخزن الإداري”؟

وهل الإصلاحات التشريعية الجبائية تفتح بابًا للاستقلال الحقيقي، أم مجرد إصلاح تقني يُغطي على واقع سياسي مركزي صلب؟