في سياق النقاش الحالي حول مكافحة الفساد في المغرب، تأتي تصريحات محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، لتفتح باباً جديداً حول تداخل الأدوار بين المجتمع المدني والحكومة، خاصة في ما يتعلق بالمسطرة الجنائية الجديدة.
لكن ما الذي تسعى الحكومة فعلاً لتحقيقه من خلال المادة 3؟ وهل ما يُطرح حول الحد من دور المجتمع المدني في محاربة الفساد هو مجرد مخاوف مشروعة، أم محاولة لتقييد حرية العمل المدني في هذا المجال؟
المادة 3: هل هي حماية للمسؤولين أم حصانة للمفسدين؟
يشير الغلوسي إلى أن المادة 3 من مشروع المسطرة الجنائية، التي تمنع جمعيات المجتمع المدني من تقديم شكايات حول الفساد، تُعد خطوة نحو توفير الحصانة للمسؤولين المتورطين في الفساد. السؤال هنا: هل هذه المادة تخدم مصلحة الدولة في تنظيم الشكايات وحصرها لدى الجهات المختصة، أم أنها تهدف إلى تقييد حرية الجمعيات في ممارسة دورها الرقابي؟
يجب أن نتساءل أيضاً عن كيفية توافق هذه المادة مع مبادئ الشفافية والمساءلة التي تنادي بها الحكومة. إذا كانت الشكايات الكيدية مشكلة كما يُدعى، أليس من الأفضل تطوير آليات قانونية فعالة لمواجهتها بدلاً من منع المجتمع المدني من تقديمها؟
تداخل الأدوار: أين يكمن الخلل؟
يرى الغلوسي أن هناك تداخلاً في الأدوار بين الجمعيات والدولة، وهو ما يُعزى إلى عدم وضوح الحدود بين العمل المدني والسلطات الحكومية. هل هذا التداخل مؤشر على غياب إطار تنظيمي واضح، أم أن الدولة تحاول استرجاع بعض الصلاحيات التي أُعطيت للمجتمع المدني في فترات سابقة؟
علاوة على ذلك، كيف يمكن للدولة تنظيم عمل المجتمع المدني بحيث لا يتحول إلى أداة للابتزاز أو التشهير، كما يدعي البعض؟ وهل الحل يكمن في تقييد دور المجتمع المدني أم في تعزيز دور القضاء في محاسبة المفسدين بناءً على أدلة قاطعة؟
النيابة العامة واستقلاليتها: هل هي تحت ضغط؟
واحدة من النقاط الجوهرية التي طرحها الغلوسي تتعلق باستقلالية النيابة العامة، حيث أكد أن النيابة أصبحت تحت “رحمة” مفتشية وزارة الداخلية في قضايا الفساد. إذا كان هذا صحيحاً، فكيف يمكن للنيابة العامة أن تؤدي دورها بفعالية في مواجهة الفساد إذا كانت مقيّدة بجهات أخرى؟ وهل يجب إعادة النظر في الصلاحيات الممنوحة للنيابة العامة لضمان استقلاليتها الكاملة؟
المجلس الأعلى للحسابات: أين الخلل؟
أثار الغلوسي تساؤلات حول فعالية المجلس الأعلى للحسابات، مشيراً إلى أن المجلس أحال فقط 18 ملفاً ذو طابع جنائي رغم وجود عشرات القضايا الأخرى في تقاريره. هل يعني هذا أن المجلس لا يملك الموارد أو الصلاحيات الكافية لمتابعة جميع القضايا؟ أم أن هناك ضغوطاً تمنعه من التصرف بحرية؟
في هذا السياق، يُطرح السؤال حول مدى التزام الدولة بتطبيق توصيات هذا المجلس، وهل هناك حاجة لتعزيز دور المجلس في مكافحة الفساد وجعله أكثر تأثيراً؟
تشهير أم فضح؟ الإعلام والمساءلة العامة
رد الغلوسي على الادعاءات بأن التشهير يضر بسمعة المسؤولين من خلال تسريبات الشكايات، موضحاً أن الإعلام يلعب دوراً مهماً في فضح الفساد. هنا يجب أن نسأل: هل استخدام الإعلام كأداة لمساءلة المسؤولين يعرّض البعض للظلم، أم أن السلطة الرابعة تؤدي دوراً لا تستطيع الجهات الأخرى القيام به؟
ومن جهة أخرى، كيف يمكن التوفيق بين حماية الكرامة الشخصية للمسؤولين وبين حق الشعب في معرفة من يسيء استخدام السلطة؟ وهل تحتاج الدولة إلى قوانين جديدة لتنظيم العلاقة بين الإعلام والسلطة دون التضحية بحرية التعبير؟
لماذا لم يُجرّم الإثراء غير المشروع؟
أثار الغلوسي نقطة أخرى تتعلق بتجميد تجريم الإثراء غير المشروع وتأجيل تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. هنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم: من هم المستفيدون من هذا الجمود؟ وهل فعلاً هناك إرادة سياسية كافية لمحاربة الفساد على أعلى المستويات؟
هذه التساؤلات تفتح باب النقاش حول العلاقة المعقدة بين المال والسلطة، وحول ما إذا كانت هناك نية حقيقية للفصل بينهما، أم أن هذه العلاقة ستظل قائمة طالما أن بعض الجهات تستفيد من غياب المحاسبة.
الخلاصة: دور المجتمع المدني بين القيود والفرص
في ظل كل هذه التساؤلات، يبقى دور المجتمع المدني في محاربة الفساد محورياً، لكن هل ستتمكن الجمعيات من الاستمرار في هذا الدور في ظل التشريعات الجديدة؟ وهل ستتمكن الحكومة من إيجاد توازن بين محاربة الفساد والحفاظ على سمعة المسؤولين؟
ما الذي ينتظره الشارع المغربي من هذه المشاورات التي تسعى لتشكيل شبكة مناهضة للفساد؟ وهل سيتمكن المجتمع المدني من تجاوز هذه العقبات وتحقيق العدالة؟