المغرب وكأس العالم 2030: تناقضات حكومية وتحديات استراتيجية

0
259

بين التصريحات المتضاربة ومشهد الحكومة الممزق

في وقت تتصاعد فيه الأضواء نحو تنظيم المغرب المشترك مع إسبانيا والبرتغال لكأس العالم 2030، يبرز مشهد متناقض في مكونات الحكومة المغربية التي تفشل في تقديم رؤية موحدة وواضحة حول المنفعة الاقتصادية الحقيقية لهذه التظاهرة العالمية.

لقد خلق تصريح يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل، جدلاً واسعاً بعد أن أكد خلال اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب أن تنظيم كأس العالم لن يدر أرباحاً مباشرة على المغرب، مجدداً بذلك تأكيداً يرى البعض أنه يعكس واقعاً مريراً ومغايراً تماماً للخطاب الرسمي الذي يعتمد على التفاؤل الكبير والعوائد المالية الضخمة.

هذا التصريح جاء متناقضاً بشكل لافت مع تصريحات زملائه في الحكومة، لا سيما الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، الذي وصف في مناسبات متعددة هذا الحدث بأنه فرصة ذهبية لتحقيق “عائدات مالية مهمة”، مشيراً إلى توقع استقبال 15 مليون سائح خلال فترة التظاهرة، واستناداً إلى أرباح تاريخية حققتها بطولات سابقة مثل مونديال قطر 2022 الذي جلب للفيفا أرباحاً بقيمة 15 مليار دولار.

التناقضات في الرؤية الحكومية: رسالة مختلطة للمواطن والاقتصاد

بينما يركز لقجع على الجانب المالي الكبير والفرص الاستثمارية الواعدة التي ستفرزها البطولة في قطاعات البناء، السياحة، البنوك، والاتصالات، يحرص السكوري على التنبيه إلى أن الهدف الأساسي من المونديال هو خلق فرص الشغل وتطوير الكفاءات وليس جني الأرباح، معتبراً أن مثل هذه الفعاليات الكبرى لا تحقق أرباحاً مباشرة للبلدان المضيفة.

هذه الرسائل المتناقضة تعكس خللاً عميقاً في التنسيق بين أعضاء الحكومة، وتثير تساؤلات مشروعة حول من يتحكم في الخطاب الرسمي وكيف يتم صياغة الرؤية الوطنية المتعلقة باستضافة أحداث رياضية عالمية.

ماذا يقول الواقع والبحوث الاقتصادية؟

وفقاً لتقرير صادر عن المعهد المغربي لتحليل الدراسات، فإن المغرب يمكنه تحقيق فوائد اقتصادية كبيرة عبر تحديث بنيته التحتية، جذب الاستثمارات الأجنبية، وتوسيع قاعدة النمو الاقتصادي، مع تأثير إيجابي على قطاعات البناء والسياحة والاتصالات. كما يُبرز التقرير أهمية تعزيز “القوة الناعمة” للمغرب على الصعيد الجيوسياسي، مما يعزز مكانته الدبلوماسية الدولية.

لكن في المقابل، تشير دراسات دولية عديدة إلى أن التنظيم الفعلي لكبرى التظاهرات الرياضية مثل كأس العالم عادة ما يرافقه عوائد اقتصادية غير مضمونة، حيث تتفاوت نتائج البلدان المضيفة بين تحقيق أرباح حقيقية أو تكبد خسائر مالية ضخمة، خاصة إذا لم يتم التخطيط الاستراتيجي السليم وتحقيق استغلال أمثل للبنى التحتية بعد انتهاء الحدث.

تجارب دولية في استضافة كأس العالم: دروس للمغرب

1. جنوب أفريقيا 2010: رهان التنمية والهوية

استثمرت جنوب أفريقيا حوالي 3.6 مليار دولار في بناء وتحديث الملاعب والبنية التحتية، فضلاً عن مشاريع تنموية أخرى. ورغم أن الحدث استقطب أكثر من 400 ألف سائح خلال 30 يومًا من البطولة، إلا أن العوائد الاقتصادية المباشرة لم تتجاوز 2 مليار دولار، بحسب تقارير البنك الدولي.
التحدي الأكبر كان تكاليف صيانة الملاعب التي تصل إلى ملايين الدولارات سنوياً، مع إشكالية الاستخدام المحدود بعد البطولة.

2. البرازيل 2014: استثمارات ضخمة وأزمة شرعية

أنفقت البرازيل نحو 15 مليار دولار على تجهيز البنية التحتية، بينما وصل عدد السياح خلال المونديال إلى نحو 1.1 مليون زائر، مما ساهم بزيادة الإنفاق السياحي بنحو 4 مليارات دولار. رغم ذلك، أثارت هذه الاستثمارات موجات احتجاجية واسعة بسبب أولوية الإنفاق على الرياضة على حساب الخدمات العامة.

3. روسيا 2018: قوة سياسية ومنافع اقتصادية محدودة

بلغ الإنفاق الروسي الرسمي على البطولة حوالي 11 مليار دولار. شهدت البطولة زيارة حوالي 3.4 مليون متفرج، لكن التقييمات الاقتصادية أشارت إلى أن أثر المونديال على الاقتصاد الروسي كان محدودًا، مع زيادة مؤقتة في السياحة والإيرادات ذات الصلة.

ماذا تعني هذه التجارب للمغرب؟

  • ضرورة التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد: تشير التقديرات إلى أن المغرب سيستثمر ما بين 4 إلى 6 مليارات دولار في البنية التحتية استعداداً للمونديال، بما في ذلك تحديث الملاعب وتطوير المواصلات. ولضمان استدامة هذه الاستثمارات، يجب وضع خطط إعادة استخدام واضحة للمنشآت الرياضية بعد انتهاء الحدث.

  • دمج المجتمع في المشروع الوطني: يعيش حوالي 35% من سكان المغرب في مناطق ريفية تعاني من نقص في الخدمات، لذا يجب أن تستهدف مشاريع المونديال تحقيق تنمية متوازنة تقلل الفوارق المجالية والاجتماعية.

  • الشفافية في الإنفاق ومراقبة الأداء: وفقاً لتقارير دولية، فإن 30% من ميزانيات المشاريع العمومية في البلدان النامية معرضة لمخاطر الهدر والفساد، ما يستدعي تعزيز آليات الرقابة في مشاريع المونديال بالمغرب.

  • التركيز على قطاعات ذات قيمة مضافة: يتوقع المعهد المغربي لتحليل الدراسات أن يزداد عدد السياح الدوليين خلال فترة المونديال إلى 15 مليون زائر، مقارنة بـ13 مليون في 2019 قبل الجائحة، مما يعزز عائدات السياحة التي تمثل 7.5% من الناتج الداخلي الخام المغربي.

خلل في الاستراتيجية الحكومية وتأثيره على الثقة العامة

التناقض بين تصريحات وزيري الاقتصاد والمالية من جهة، ووزير التشغيل من جهة أخرى، يفتح الباب أمام قراءة أعمق تشير إلى وجود ضعف في التنسيق الحكومي وعدم توافق في تحديد أولويات واستراتيجيات التعامل مع الحدث الرياضي.

هذا الانفصام في الخطاب لا يؤثر فقط على مصداقية الحكومة، بل يزرع شكوكاً في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية حول جدوى الاستثمار في مشاريع المونديال، وهو ما قد ينعكس سلباً على ثقة المستثمرين والمواطنين على حد سواء.

خلاصة وتوصيات

تنظيم المغرب لكأس العالم 2030 فرصة تاريخية تحتاج إلى رؤية حكومية موحدة وواضحة، تقوم على التخطيط الاستراتيجي المتكامل، وإدارة شفافة للمشاريع الكبرى، مع ضمان استدامة الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لما بعد الحدث.

على الحكومة أن تتجنب الإشارات المتضاربة التي تضعف ثقة الجمهور والمستثمرين، وتعمل على تنسيق خطاباتها الرسمية ومواقفها السياسية بحيث تعكس صورة وطنية موحدة تُبرز مزايا التظاهرة وتحمي البلاد من المفاجآت السلبية.

وفي الوقت نفسه، يتعين أن تركز جهودها على الاستثمار في بناء قدرات الموارد البشرية الوطنية وتطوير البنية التحتية الاقتصادية، لأن هذه العناصر هي القاعدة الحقيقية لأي نجاح اقتصادي يرتكز على تنظيم حدث رياضي عالمي.