المغرب ومبادرة الملك محمد السادس لإفريقيا الأطلسية: من رؤية استراتيجية إلى مشروع وحدوي يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية للقارة

0
172

في وقت تتغير فيه التوازنات الدولية بسرعة، برزت المبادرة الملكية لإحداث فضاء إفريقي أطلسي موحد كمشروع استراتيجي غير مسبوق، يحمل توقيع جلالة الملك محمد السادس، ويضع المغرب في قلب التحولات الكبرى داخل القارة الإفريقية وعلى مستوى النظام العالمي.

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أكد خلال الاجتماع الوزاري الخامس للدول الإفريقية الأطلسية المنعقد بجمهورية الرأس الأخضر، أن جلالة الملك يعتبر هذا الفضاء الحيوي غير قابل للتهميش، بل يجب أن يكون قطباً جيوسياسياً فاعلاً، وجسراً دينامياً بين القارات، ورافعة للتنمية والابتكار والسيادة.

التأكيد الملكي ليس مجرد تصور دبلوماسي، بل رؤية متكاملة تعكس قناعة مغربية راسخة بأن القارة لا يمكن أن تبقى رهينة تقلبات الفاعلين الدوليين، بل عليها أن ترسم طريقها بنفسها، انطلاقاً من تعاون إقليمي يقوم على الشراكة لا التبعية.

في هذا السياق، تطرح المبادرة الملكية عدة رهانات:

  • كيف يمكن للدول الإفريقية الأطلسية الانتقال من التنسيق الظرفي إلى بناء مؤسسات إقليمية قادرة على الفعل المشترك؟

  • وهل تمتلك هذه الدول الإرادة السياسية لتغليب منطق المصلحة الجماعية على منطق السيادة المجزأة؟

  • وما موقع القوى الكبرى من هذه الدينامية؟ وهل ستدعمها أم ستسعى إلى احتوائها؟

المغرب، من خلال هذه المبادرة، لا يطرح نفسه كطرف داخل المعادلة فحسب، بل كمحفز أساسي لحلول واقعية لمشاكل القارة. الرؤية الملكية تتجاوز المقاربات التقليدية المبنية على الإحسان أو التدخل، وتقدم نموذجاً للتضامن الأفريقي القائم على الثقة والسيادة المشتركة.

الوزير بوريطة شدد على أن هذه الشراكة الإفريقية الأطلسية لم تعد فقط إطاراً دبلوماسياً، بل تحولت إلى آلية سياسية واقتصادية وأمنية، هدفها بناء مستقبل أكثر أمناً واستقراراً واستدامة. وهي رؤية تنسجم مع التوجه المغربي نحو إفريقيا منذ إطلاق سياسة الانفتاح الملكي قبل عقدين، والتي مكنت المملكة من لعب أدوار بارزة في الوساطة، الاستقرار، ونقل الخبرات.

المبادرة الملكية أسست فعلاً لبرامج عملية واضحة، منها منتدى وزراء العدل، واجتماعات البرلمانات، ومؤتمر الأمن البحري ومكافحة الإرهاب، في سياق مقاربة مغربية تعتمد على التنسيق الميداني، وبناء القدرات، وتكامل المصالح.

ومن بين ما يميز الطرح المغربي، هو إدراكه لكون التنمية لا تنفصل عن الأمن، وأن بناء الفضاء الأطلسي الإفريقي لا يجب أن يُترك رهينة للأجندات الخارجية، خاصة في ظل التنافس المتصاعد بين القوى العالمية على النفوذ في القارة.

الأسئلة الحقيقية التي يجب أن تطرح اليوم:هل ستلتقط الدول الإفريقية المعنية الفرصة التي تقدمها المبادرة الملكية؟ هل سيتم تحويل الطموح المشترك إلى بنى مؤسساتية وبرامج عمل قابلة للقياس والتقييم؟ وما المطلوب من المجتمع الدولي لدعم مشروع وحدوي إفريقي تقوده دول الجنوب، وعلى رأسها المغرب؟

المغرب، كما تظهره المبادرة الملكية، لا يقدم حلولاً جاهزة، بل يقترح رؤية نابعة من قلب القارة، تُعلي من قيم التضامن، وتراهن على الذكاء الجماعي الإفريقي. وهي رؤية تؤكد مرة أخرى أن المغرب لم يعد مجرد دولة تتفاعل مع إفريقيا، بل أصبح جزءاً من حل مشكلاتها، وصاحب مبادرة قارية لمستقبلها.