اليماني يواجه أخنوش: مصلحة المغاربة أم مصالح شركات المحروقات؟

0
231

في يوم 21 مارس 2025، تكتمل تسع سنوات على الحكم القضائي الذي أودى بمصير شركة سامير، الشركة المغربية لصناعة التكرير، بعد قرار المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتصفيتها. هذا القرار لم يكن مجرد حكم قضائي عابر، بل كان بداية فصل جديد من فصول الألم الذي يعيشه المغرب على مستويات متعددة: اقتصادية، اجتماعية، واستراتيجية.

الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، يسلط الضوء في مقاله “9 سنوات من الألم والأمل” على هذه القضية التي أصبحت رمزًا للإهمال السياسي والاقتصادي، ومرآة تعكس أزمة الحوكمة في المغرب.

سامير.. من الحلم الوطني إلى الكابوس الاقتصادي

شركة سامير، التي أنشئت في بداية الستينيات تحت قيادة الحكومة الوطنية الأولى بعد الاستقلال بزعامة عبدالله إبراهيم، كانت تهدف إلى تحقيق الأمن الطاقي للمغرب. كانت هذه الشركة بمثابة صرح صناعي وطني، يعكس طموح المغرب في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة وتقليل الاعتماد على الخارج. لكن هذا الصرح بدأ ينهار تدريجيًا، خاصة بعد خوصصتها في عهد حكومة عبد اللطيف الفلالي، وتفاقمت الأزمة مع توقف الإنتاج في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، تزامنًا مع تحرير أسعار المحروقات.

اليوم، وبعد تسع سنوات من التصفية القضائية، يطرح السؤال الأكبر: كيف وصلت هذه الشركة الوطنية إلى هذا المصير المأساوي؟ وهل كان بالإمكان تجنب هذا الانهيار لو كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لإنقاذها؟

الأبعاد الاقتصادية: خسائر متتالية

على مدى السنوات التسع الماضية، تراكمت الخسائر على المغرب في عدة جوانب. أولاً، هناك الخسارة الكبرى في الأمن الطاقي. فبدلاً من أن تكون سامير ركيزة أساسية لتأمين احتياجات المغرب من المحروقات، أصبح المغرب يعتمد بشكل شبه كلي على الاستيراد، مما يزيد من هشاشة الاقتصاد الوطني أمام تقلبات الأسعار العالمية.

ثانيًا، هناك الخسائر في العملة الصعبة. فاستيراد المحروقات يكلف المغرب مليارات الدولارات سنويًا، في وقت كان يمكن لتشغيل سامير أن يوفر جزءًا كبيرًا من هذه التكاليف. بالإضافة إلى ذلك، تسبب توقف الإنتاج في فقدان آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة، مما زاد من حدة البطالة والفقر في البلاد.

الأبعاد الاجتماعية: ألم العمال والمجتمع

لا يمكن الحديث عن سامير دون التطرق إلى المعاناة الإنسانية التي خلفتها أزمتها. آلاف العمال الذين فقدوا وظائفهم، وعائلاتهم التي تعيش في ظروف صعبة، هم الضحايا الحقيقيون لهذه الأزمة. الحسين اليماني يسلط الضوء على هذه المعاناة، مؤكدًا أن الأمل الوحيد الذي يراود العمال هو استعادة الشركة لأمجادها واستئناف دورها في إنتاج القيمة المضافة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستستمع الحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش إلى أصوات هؤلاء العمال؟ وهل ستضع المصلحة العامة فوق أي اعتبارات أخرى؟

الأبعاد السياسية: صراع المصالح

في قلب أزمة سامير، تكمن إشكالية سياسية كبرى تتمثل في صراع المصالح. فمن ناحية، هناك الدولة التي يفترض أن تكون حامية للمصلحة العامة، ومن ناحية أخرى، هناك الدائنين والمدينين الذين يتصارعون على أنقاض الشركة. وفي خضم هذا الصراع، يبدو أن المصلحة العامة هي الخاسر الأكبر.

الحسين اليماني يطرح تساؤلاً جوهريًا: هل سيتعامل عزيز أخنوش، رئيس الحكومة الحالي، مع ملف سامير كرجل دولة يضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار، أم كتاجر كبير في مجال المحروقات قد يميل إلى تعطيل أي حلول إنقاذية؟ هذا السؤال يفتح الباب أمام تحليل أعمق لدور النخب السياسية والاقتصادية في إدارة الملفات الوطنية.

الأمل: هل من ضوء في نهاية النفق؟

رغم كل الألم الذي خلفته أزمة سامير، إلا أن الحسين اليماني يرى أن هناك أملًا في إنقاذ هذا الصرح الوطني. فبعد انتفاء الموانع القانونية، أصبح بإمكان الحكومة التدخل بشكل مباشر لاستعادة الشركة وإعادة تشغيلها. لكن هذا الأمل يتوقف على إرادة سياسية حقيقية، وعلى تعاون جميع الجهات المعنية.

السؤال الأخير الذي يطرحه اليماني هو: هل ستكون الحكومة الحالية قادرة على تحمل مسؤوليتها التاريخية في إنقاذ سامير، أم أن هذا الملف سيظل معلقًا إلى أجل غير مسمى، بينما يستمر المغرب في دفع ثمن غياب الأمن الطاقي؟

الخاتمة: درس في الحوكمة

أزمة سامير ليست مجرد قضية اقتصادية أو قانونية، بل هي درس في الحوكمة وإدارة الملفات الوطنية. إنها تذكرنا بأن الإهمال السياسي وصراع المصالح يمكن أن يؤدي إلى خسائر جسيمة على المستوى الوطني. وفي الوقت الذي يعيش فيه المغرب أزمات متعددة، فإن إنقاذ سامير يمكن أن يكون خطوة أولى نحو استعادة الثقة في قدرة الدولة على حماية مصالحها الاستراتيجية.

في النهاية، يبقى السؤال الأكبر: هل ستتعلم النخب السياسية من دروس الماضي، أم أن المغرب سيستمر في دفع ثمن أخطاء لم يكن له يد في صنعها؟