في اجتماع للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، خرج عبد الإله بنكيران بتصريحات مثيرة تفتح المجال للعديد من الأسئلة حول مستقبل مدونة الأسرة في المغرب، وحول العلاقة بين السياسة والدين في صنع القرارات المصيرية.
وبما أن هذه القضية تثير جدلاً كبيراً في المجتمع المغربي، لا سيما في ظل التعديلات المقترحة على المدونة، فقد جاءت كلمات بنكيران لتكشف عن الكثير مما يُقال مباشرة، وكثيراً مما يُترك للقراء لاستنتاجه.
الملك: حياد تام أم تراجع عن مسؤولياته؟ بدأ بنكيران بتوضيح نقطة محورية: “الملك لم يورط نفسه بأي حكم يمكن أن ينسب إليه مباشرة في مدونة الأسرة.” وفي هذا التصريح، يبدو أن بنكيران يشير إلى أن الملك، الذي أشار في وقت سابق إلى ضرورة مراجعة المدونة، يحاول أن يظل في موقع الحياد ويترك المجال للمجتمع والنخبة لتقديم التعديلات والمقترحات التي تراها مناسبة.
ولكن ماذا يعني هذا بالنسبة للملكية المغربية التي طالما كانت مصدر قرارات مصيرية في قضايا حساسة مثل مدونة الأسرة؟ هل يشير بنكيران إلى رغبة في إبعاد نفسه عن أي تصادم قد يواجهه من طرف الجهات المتشددة دينياً أو مجتمعياً؟
رسائل ضمنية حول وزير العدل وهبي من أبرز النقاط التي تطرقت إليها تصريحات بنكيران هي انتقاده الصريح لوزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي وصفه بـ “المستفز”.
في هذا السياق، يمكن التساؤل: لماذا اختار بنكيران هذه اللحظة للتأكيد على أن “وهبي” يجب أن يترك هذا الملف لشخص آخر؟ هل هي مجرد خلافات شخصية أم أن بنكيران يرى أن وهبي ليس الشخص الأنسب للحديث عن قضايا دينية وحساسة؟ بنكيران يصرح بأنه كان “يتمنى أن يعفى وهبي” ويعود إلى مهنته الأصلية في المحكمة، قائلاً أن الموضوع يحتاج إلى شخص آخر من طينة وزراء عدل سابقين.
هل يشير بنكيران هنا إلى نقص الثقة في وهبي؟ وهل هذه دعوة ضمنية لإعادة تشكيل الحكومة؟
هل الشريعة جامدة أم مرنة؟ بنكيران أشار أيضاً إلى أن “الشريعة ليست جامدة”، في محاولة منه لتوضيح موقفه المعتدل حيال بعض القضايا التي يتم النقاش حولها في مدونة الأسرة.
ولكنه حذر من التمادي في “التنكّر لأحكام الله”، مشيراً إلى ما حدث في دول مثل تونس والعراق وسوريا. هنا يمكن طرح تساؤل كبير: هل يرغب بنكيران في إعادة “تكريس” مدونة الأسرة كأداة ثابتة في يد الشريعة، أم أنه يدعو إلى مرونة أكثر في التعامل مع القضايا الاجتماعية التي تغيرت مع مرور الزمن؟ هل يمكن الجمع بين الحديث عن الشريعة الثابتة وبين الحاجة إلى التحديث في مجتمع يعبر عن تنوعه واحتياجاته؟
مواقف متناقضة؟ موقف بنكيران يظهر في هذه التصريحات كأنه يعكس توازناً دقيقاً بين الحفاظ على التقاليد والشريعة من جهة، والدعوة إلى تحديث المدونة والتخلي عن بعض المواقف الجامدة من جهة أخرى. ولكن، في الوقت الذي يراهن فيه بنكيران على تعديل المدونة وفقاً لما يتماشى مع الشريعة، هناك حديث ضمني عن الحاجة إلى شخص آخر غير وهبي.
هل هذا يعني أن بنكيران يعترف بوجود نقص في القيادة السياسية، وأن بعض القضايا الاجتماعية تتطلب أشخاصًا ذوي كفاءات مختلفة لتجاوز الحواجز المبدئية؟
هل البنكيران يراهن على الملك لحسم هذا النزاع؟ بنكيران في تصريحاته لا يُغفل دور الملك في الحكم النهائي، مشيرًا إلى أن “المجتمع حكم بيننا وفوقه الملك”.
هل يريد بنكيران أن يتجنب مواجهة مباشرة مع بعض القوى الاجتماعية عبر التأكيد على أن الملك هو من سيحدد مصير المدونة؟ وهل هو يُحيل المسؤولية في النهاية إلى الملك لتجنب الدخول في أي مواجهات قد تكون مكلفة سياسياً؟
ما الذي يُراد قوله وما الذي يُراد تجنبه؟ في الختام، نجد أن تصريح بنكيران يحمل العديد من الرسائل الضمنية والتلميحات التي تفتح المجال لعدة تأويلات.
هل هو تحذير من التسرع في التعديلات على المدونة؟ أم أنه دعوة إلى إبعاد بعض الشخصيات التي يعتقد أنها قد تزيد من الاحتقان الاجتماعي؟ ومن ثم يظل السؤال الأهم: هل ستكون هذه التصريحات بداية لحوار أوسع حول دور الدين في السياسة والمجتمع؟