تأسيس “تنسيقية لمزارعي الكيف ” زراعة القنب المخدر مصدر رزق لنحو مليون شخص في المغرب

0
418

أثار طرح الحكومة لمشروع قانون تقنين “الكيف” القنب الهندي نقاشاً واسعاً في المغرب، ويشهد تقنين القنب الهندي تجاذبا سياسيا بين مؤيدين ومعارضين، تشتد حدته مع اقتراب الانتخابات البرلمانية خلال العام الحالي، غير أن النقاش هذه المرة يأخذ منحى مختلفا ويدخل فعليا دورة التشريع، وذلك بالنظر إلى التحول الذي حصل حول المواد المخدرة على المستوى الدولي المتعلق بالتصويت للجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة، والذي حدث في 3 ديسمبر/كانون الأول 2020، إذ أزالت اللجنة القنب الهندي من قائمة المواد الأكثر خطورة.

في هذا الصدد ، قرّر  مزارعو الكيف بالمناطق التاريخية المشهورة بزراعته في كل من إقليمي الحسيمة وشفشاون (قبائل بني خالد وكتامة، وبني سداث) تأسيس تنسيقية أسموها “تنسيقية المناطق الأصلية للكيف”، وذلك من أجل مواكبة مقترح مشروع قانون الاستعمالات الطبية لنبتة القنب الهندي الذي ينقاش حاليا في البرلمان بعد مصادقة الحكومة عليه.

وأصدرت التنسيقية أول بيان، أكدت فيه أنها ستترافع من أجل مصلحة المزارعين البسطاء الذين يعنيهم هذا القانون بالمناطق التاريخية المعروفة بزراعة القنب الهندي في المغرب.

وأكدت التنسيقية في بلاغ توصل “لكم”ّ بنسخة منه، أنها ترحب بمشروع القانون شريطة أن ينحصر في المناطق التاريخية بإقليمي الحسيمة وشفشاون، وأن يصاحب بتدابير في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية مع ساكنة المناطق التاريخية.

ويشكل تقنين هذه الزراعة حبل نجاة لسكان مناطق كبيرة في شمال المغرب وتحديداً في ما يعرف بالمناطق التاريخية الموجودة في إقليمي شفشاون والحسيمة، حيث تعدّ هذه الزراعة النشاط الاقتصادي الوحيد في منطقة ينتشر فيها الفقر.

وطالبت بالعفو الشامل عن المزارعين ورد الاعتبار بقوة القانون لمزارعي الكيف المتابعين بعقوبات زجرية، ومحو السجل العدلي من هذه العقوبات ومنح هذه الفئة حسن السيرة.

ودعت التنسيقية كذلك إلى تصفية مشكل الوعاء العقاري مع المياه والغابات والتحفيظ الجماعي للأملاك القروية الواقعة في المناطق الأصلية لزراعة الكيف، وخلق محميات طبيعية ومنتزهات للسياحة الجبلية والقروية.

وشددت على ضرورة توطين مراكز الإنتاج والتحويل بالمناطق التاريخية وتأهيل البنية التحتية بمراكز الجماعات الترابية لهذه المناطق، وإحداث مقر الوكالة بجهة الشمال بدل الرباط، وفتح مكاتب تمثيلية في مقر الجماعات بالمناطق التاريخية، وتعزيز دور التعاونيات لتصبح شريك فعلي ومحوري في هذا الورش عبر إعطائها اختصاصات المشاركة في التحويل والتثمين.

وطالبت أيضا بالمصادقة على نموذج تنموي محلي طموح في إطار تعاقد مع الدولة لمدة عشر سنوات وتأهيل المراكز الحضرية بالمناطق التاريخية، وإحداث مراكز التكوين والإرشاد المهني للفلاحيين الشباب، ودعم التشغيل بفتح مراكز للمباريات بالوظيفة العمومية، وإنشاء مراكز لمعالجة المدمنين على المخدرات الصلبة وغيرها.

وألحت التنسيقية على ضرورة تحسين صورة المنطقة وسكانها ورفع الحيف والتمييز عنها عبر برامج ثقافية، لرفع الوصم الاجتماعي الذي لحق سكان المنطقة، سواء في العلاقة مع سكان المناطق الأخرى، أو مع موظفي الأمن ورجال الدرك الملكي، وإعطاء التحفيزات الضريبية لتسهيل عملية الاستثمار في المنطقة الفلاحية، وفي السياحة وفي التفكير جديا في الترخيص للاستعمالات الترفيهية على غرار الدول الأخرى.

مشروع القانون المذكور أعدته وزارة الداخلية، التي تتحدث في مذكرتها الموجهة إلى مجلس الحكومة، عن أن هذه الخطوة تأتي في إطار مسايرة القانون الدولي الذي رخص باستخدام نبتة القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية، مبرزةً أن المغرب يحتاج لتأهيل تشريعه المحلي لأجل استقطاب الاستثمارات العالمية، وأجلت الحكومة التداول في المشروع للأسبوع القادم.

يشهد المغرب انتشارا واسعا لزراعة وإنتاج وتحويل وتسويق القنب الهندي ومادة الحشيش المستخلصة منه، وتصنفه التقارير الدولية أولَ مصدر ومنتج لمادة “راتنج القنب” (الحشيش) الذي يُستهلك على نطاق واسع في السوق الأوروبية، إذ ذكر تقرير المخدرات الصادر عن الاتحاد الأوروبي للعام 2018 أن 3 أرباع الكمية الإجمالية المضبوطة في الاتحاد الأوروبي من “راتنج القنب” الهندي في عام 2016 كان مصدرها المغرب.

ويقول المحلل الاقتصادي رشيد أوراز -في تصريح سابق، إن “هناك دورة إنتاجية كاملة للقنب الهندي بالمغرب من الإنتاج (الزراعة) إلى التحويل والتسويق والتصدير خارج القواعد التجارية المسموح بها، بسبب الطلب المرتفع على مستخلصات القنب من المواد المخدرة، وهذه دورة إنتاجية قديمة جدا”.

ويرى أوراز أن محاولة تقنين استعمالات القنب الهندي وإخراج هذا القطاع إلى النور ستعود بالنفع أساسا على الدولة التي سيكون لها هامش للمراقبة، وستجني جزءا من عائدات هذا النشاط.

ويضيف الاقتصادي المغربي أن التحكم في زراعة القنب الهندي سيسمح بإمكانية الاستثمار، وهذا ما يبسطه مشروع قانون المعروض على البرلمان المغربي، والذي يقول إن “المغرب يمكن له أن يستثمر الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي”.

ويضيف نص مشروع القانون أن “تطوير الزراعات المشروعة للقنب الهندي كفيل بتحسين دخل المزارعين، وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات”.

وينص المشروع على أن الاستفادة من السوق يقتضي “استقطاب الشركات العالمية الكبرى المتخصصة (…) وتأهيل الترسانة الوطنية القانونية من أجل تطوير وعصرنة زراعة وتصنيع القنب الهندي وجلب استثمارات، بغية الاستفادة من مداخيل السوق الدولية لهذه النبتة، مع وجوب تشديد المراقبة دون تحويل مسار هذا المنتوج نحو الاستعمالات غير المشروعة”.

يقترح نص مشروع القانون إخضاع كافة الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق واستيراد القنب الهندي ومنتجاته لنظام الترخيص، مع إنشاء وكالة (هيئة) وطنية يعهد لها بالتنسيق بين كافة القطاعات الحكومية، وتنمية سلسلة فلاحية وصناعية تُعنى بهذه النبتة.

ويوصي المشروع بفتح مجال للمزارعين للانخراط في تعاونيات (جمعيات مزارعين)، مع إجبارية استلام المحاصيل من شركات التصنيع والتصدير، وسن عقوبات رادعة للمخالفين.

كما ينص المشروع على أن أماكن زراعة القنب الهندي ستحدد بمرسوم وزاري، وأن الإنتاج سيكون في حدود الكميات الكافية لتلبية حاجيات أنشطة إنتاج مواد لأغراض طبية وصيدلية وصناعية، كما يتضمن المشروع مواد تحدد العقوبات والغرامات، وأخرى تنص على عقود البيع ومحاضر التسليم ينظمها القانون.

وتعليقا على مصادقة الحكومة على مشروع القرار، يقول رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان محمد بن عيسى إن تنظيم هذا النشاط الزراعي “إجراء مهم”، ولكنه يتوقع صعوبة في تطبيق مقتضيات هذا المشروع، ويضيف الحقوقي المغربي أن تحديد مناطق لزراعة الكيف واستثناء أخرى يطرح تحديات، ويمكن أن يثير احتجاجات ومعارضة.

ويصف بن عيسى مشروع القانون بـ”الضبابي”، إذ يطرح العديد من التخوفات والتساؤلات بشأن مدى قابلية القانون للتنفيذ، ومدى استيعاب الوكالة المقترحة للإنتاج، ويخلص رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان إلى أن “نص مشروع القانون نظريا واضح، لكن إجرائيا تغيب ضمانات نجاحه”.

ووفق معطيات وزارة الداخلية، فقد تقلصت مساحات زراعة القنب الهندي في الأقاليم الشمالية للمملكة في السنوات الأخيرة بنحو 65%، أي من 134 ألف هكتار إلى قرابة 47 ألفا و500 هكتار وفق آخر تقييم أنجزته السلطات بالاعتماد على صور الأقمار الاصطناعية.

يظهر المشروع حاجة ملحة لوقف شبح الاعتقال الذي يلازم نشاط المزارعين في المنطقة، إذ تشير تقارير إعلامية إلى أن عدد المزارعين المطلوبين للعدالة يقدر بعشرات الآلاف منهم من اعتقل وُحكم عليه بالفعل. ويوجد قانون صادر عام 1974 يعاقب على إنتاج النبتة بغرامات باهظة وبحبس قد يصل إلى 10 سنوات. 

“التقنين سيجعل حياة الرعب تنتهي، إذ تكفي رسالة من مجهول ضد أحد المزارعين ليجد هذا الأخير نفسه أمام المساءلة القانونية”، يقول عبد الله الجوط. وقد سبق لمزارعين من المنطقة أن تحدثوا لوسائل إعلام عن تعرّضهم للابتزاز مقابل غض الطرف عن زراعتهم، كما سبق لحزب الأصالة والمعاصرة المعارض أن طالب بإصدار عفو شامل عن هؤلاء المزارعين المتابعين.

“التقنين سيتيح للمزارع بيع سلعته بشكل قانوني بعدما كان المهرّبون هم المستفيدون الوحيدون، ومن الصعب جدا ترويج النبتة، إذا ما تمّ اعتماد القانون، لأغراض غير ما نصّ عليه، فالمراقبة مشددة وصارمة” يرّد شكيب الخياري، غير أنه يستدرك: “صحيح أن تهريب المخدرات لن يتوقف لأنه مستمر في العالم ككل رغم القوانين الصارمة، لكن الظاهرة ستقل كثيراً في المغرب، وهو ما سيستفيد منه العالم إذا علمنا أن 40 بالمئة من مستهلكي الحشيش عالميا بغرض التدخين يستهلكون المنتج المغربي وفي أوروبا يصل إلى 80 في المائة”.

تقارير كثيرة وصفت القنب الهندي بأنه “ذهب أخضر”، وبأن المغرب قد يربح بشكل كبير في حالة تقنين هذه الزراعة نظرًا للطلب الكبير، وهو ما ألمحت إليه مذكرة وزارة الداخلية عندما قالت إن “السوق الطبي لهذه النبتة يشهد تطوراً كبيراً، يصل على المستوى الأوروبي إلى 60 بالمئة، ما حذا بـ49 دولة عبر العالم للمسارعة إلى تقنين استخدام هذه النبتة”.

بيدَ أنه في المقابل، يعتقد البعض أن عددا من المزارعين لن يقتنعوا بالتوجه نحو الزراعة لأغراض طبية وصناعية ما دام أن ذلك  لن يوّفر لهم عائدات مالية كبيرة، وهو ما أشار إليه بنكيران بشكل غير مباشر عندما قال، في معرض رفضه التقنين، إن العائد المادي للنبتة الموجهة للمخدرات أعلى بكثير من الزراعة الموجهة لصناعة الأدوية.

غير أن الحاجيات لن تكون محلية، بل عالمية، وسيكون هناك طلب كبير على القنب الهندي المغربي. ويعتقد المتحدث أنه يمكن للتعاونيات أن تحقق أرباحًا مالية كبيرة، ما سيكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد المغربي، لكن النجاح الأكبر سيكون في خلق اقتصاد بديل يوفر عائدات تساوي أو تفوق عائدات الزراعة غير المشروعة، وسيكون كذلك في خلق اعتماد مقاربة تشاركية تتيح لهؤلاء المزارعين الدفاع عن مصالحهم.

تجدر الإشارة إلى أن الحديث عن تنظيم زراعة الكيف في المغرب يمتد لأكثر من 10 سنوات، ومن المتوقع أن تُسيل مدارسته والمصادقة عليه من طرف حكومة يقودها “الإسلاميون” الكثير من المداد، كما يتوقع أن يعرف جدلا واسعا خلال مناقشته تحت قبة البرلمان.