ترانسبرانسي تكشف تراجع المغرب في ترتيب مؤشر «إدراك الفساد» في ظل «غياب إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد»

0
187

بعد إقرار المغرب بفشل النموذج التنموي، فاعتمد نموذجاً جديداً في شهر مايو (أيار) 2021، وهو ما اعتبره مختصون فرصة جديدة لمحاربة مظاهر الفساد، إذ أشار رئيس “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”، محمد بشير الراشدي، إلى أن المرحلة الجديدة في مكافحة الفساد يجب أن تقوم على مبدأ سيادة القانون، الذي يجعل من الشفافية والحكامة قواعد لا غنى عنها لتلبية الانتظارات المشروعة للمواطنين في إطار النموذج التنموي الجديد.

 الرباط – تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد لسنة 2021 الذي تنشره كل عام منظمة “ترانسبرانسي”، محتلاً المركز 87 عالمياً من أصل 180 دولة شملها التصنيف.

وحصل المغرب على 39 نقطة على 100 في مؤشر إدراك الرشوة، متراجعاً بنقطة واحدة مقارنة مع العام الماضي، وبسبع مراكز مقارنة مع 2019.

واحتلت الدنمارك وفنلندا ونيوزيلندا والنرويج وسنغافورة والسويد، على التوالي، المراكز الأولى في الترتيب.

بينما جاءت دول اليمن وفنزويلا والصومال وسوريا وجنوب السودان، على التوالي، في آخر الترتيب.

وعربياً، احتلت الإمارات المركز الأول في مؤشر إدراك الفساد، تليها كل من قطر والسعودية، وسلطنة عمان والأردن، وتونس والبحرين والكويت، ثم المغرب ومصر والجزائر. وأكدت جمعية “ترانسبرانسي” المغرب، التي عرضت نتائج المؤشر في ندوة صحافية نظمتها أمس الثلاثاء، أن المغرب منذ عشرين سنة وهو يتأرجح في مؤشر الفساد الذي أصبح نسقياً في البلاد.

وشددت على أن هذه الوضعية لا يمكن معالجتها إلا بإرادة سياسية قوية، إلى جانب قوانين ردعية، مستغربة كيف أنه لحدود الساعة ليس هناك مشروع قانون خاص بتضارب المصالح في البرلمان، بل تم سحب مشروع قانون الإثراء غير المشروع من المؤسسة التشريعية.

وأشارت إلى أن المغرب يعيش مستوى عالياً من الفساد، حيث تؤكد كل هذه المؤشرات أن مستوى الفساد في البلاد عام ومعمم.

وأضافت أنه منذ تسع سنوات والمغرب يحصد المؤشرات نفسها، بحيث لا يتقدم في محاربة الفساد رغم كل الكلام والخطابات والقوانين التي وضعت لمكافحته.

كانت محاربة الفساد من بين أهم المطالب التي رفعت خلال الاحتجاجات التي أطرتها حركة 20 فبراير (شباط) عام 2011، فنتج عن تلك التظاهرات تعديل دستوري تقرر بموجبه اعتماد الدولة آليات إرساء النزاهة والشفافية، إضافة إلى إنشاء هيئات وتدعيم عمل أخرى.

ونص الدستور على آلية تشكيل لجان تقصي الحقائق، ومهمتها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو تدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية…، وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها.

كما نص الدستور على ضمانة استقلالية المجلس الأعلى للحسابات المكلف بمراقبة المالية العامة، عبر تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة إلى الدولة والأجهزة العامة.

وخصص باب كامل لمبدأ الحكامة الجيدة، إذ ينص الفصل 154 على أن المرافق العامة تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، والفصل 158 على إلزامية تقديم تصريح بالممتلكات للأشخاص المنتخبين أو المُعينين، فيما ينص الفصل 159 على استقلالية الهيئات المكلفة بالحكامة. وأكد الدستور كذلك استقلالية مجلس المنافسة، المكلف بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق.

ونص الفصل 167 على إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محدداً مهامها في “التنسيق والإشراف وضمان تتبع وتنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وقيم المواطنة المسؤولة”.

من جانبه أكد الصدقي، عضو جمعية “ترانسبرنسي المغرب” وجود تراجع لمرتبة المملكة في مؤشرات عدة متعلقة بالحكامة، معتبراً أن الفساد ذو طابع نسقي ومزمن بالمغرب، وأن المواطن بشكل عام والمقاول والمستثمر الأجنبي لا يلمسون ترجمة فعلية للخطاب السياسي الذي يدين الفساد ويعد بمحاربته، وذلك على الرغم من القوانين التي يتم بلورتها أو الهيئات التي يتم إقرارها والالتزامات الدولية التي قطعها البلد على نفسه.

وأشار إلى أن “ذلك يرجع بالتأكيد إلى غياب إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد ببلادنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر قد انقضت الآن ما يزيد على خمس سنوات على تبني الحكومة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في المغرب، وكان من المفترض، بعد كل هذه المدة، أن نكون قد حققنا تقدماً ملموساً في تنزيل مقتضياتها وتفعيل نحو 200 مشروع وإجراء في إطار برامجها العشرة”.

وأوضح الصديق أن تلك الاستراتيجية ما زالت بعيدة من التفعيل بسبب ضعف الانخراط العملي للوزراء والمسؤولين الكبار في الإدارات، ما عدا بعض الاستثناءات، وبسبب شبه غياب لاجتماعات اللجنة الوطنية المخول لها متابعة الاستراتيجية، وعدم تجريم الإثراء غير المشروع، الذي يعتبر أحد الأسباب الرئيسة في تبذير المال العام. مضيفاً أن هناك أيضاً غياباً لقانون يجرم حالات تضارب المصالح التي يتم رصدها بشكل يومي، لا سيما في الصفقات العمومية، إضافة إلى عدم توفير حماية فعالة للمبلغين عن الفساد.

 فقد خلَّف سحب الحكومة الجديدة مشروع تعديل القانون الجنائي، الذي كان يجرم الثراء غير المشروع، جدلاً واسعاً حول نيات الحكومة في مجال مكافحة الفساد، ويقول سمير بوزيد، نائب رئيس المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب، “لقد تابعنا بقلق كبير سحب مشروع القانون الجنائي 10.16، ذلك المشروع الذي جاء استجابة للمطالب والتوصيات الوجيهة للحركة الحقوقية الوطنية والدولية، إذ أصدرت العديد من التقارير التي حثت على تحديث وتطوير المنظومة الجنائية”، معتبراً أن تحديث المنظومة القانونية يتطلب نهج سياسة جنائية جديدة، وأن تطوير الطرق القضائية البديلة يتطلب المحافظة على التراكم الذي حققه المغرب على مستوى الإصلاحات الحقوقية والمؤسساتية.

من جانبه، أكد الصدقي أن “تجريم الإثراء غير المشروع أضحى ضرورة ملحة، إذ لم يعد من المقبول في بلد يتفشى فيه الفساد وتبذير المال العام بشكل مزمن ونسقي، أن يظل الاغتناء غير المشروع للموظفين وباقي المؤتمنين على تدبير الشأن العام من دون ردع جنائي”، مشدداً على ضرورة اقتران جميع العقوبات الجنائية بمصادرة الممتلكات المكتسبة بصفة غير شرعية، وذلك بهدف تأكيد الإرادة على توطيد النزاهة في تدبير الشأن العام وسيادة القانون.