حمداوي: “قرار الحكومة إغلاق المساجد في صلاتي العشاء والصبح استهداف مباشر للإسلام”

0
273

قال محمد حمداوي عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، إن “قرار الحكومة إغلاق المساجد في صلاتي العشاء والصبح استهداف مباشر للإسلام”.

واعتبر حمداوي في تسجيل على صفحته الرسمية على موقع التواصل الإجتماعي فايسبوك، أن استهداف الإسلام في قرار الإغلاق أمر ” واضح لا لبس فيه ولا يمكن لمتعذر أن يتعذر بكذا وكذا”.

وأشار قيادي الجماعة، إلى أنه “هناك من يرى في دين المغاربة، دين الوسطية والرحمة والألفة والثبات على مبادئ العقيدة والسنة الرسول، هناك من يرى ذلك هاجسا له ويتنكر لذلك ويريد أن يستغل هذا الوباء بشكل فج ومقرف وبشكل لا يتحمله عقل من أجل المس بشعيرة من الشعائر”.

وأضاف حمداوي، أن “هناك استهداف للدين مباشرة”، مشددا على ضرورة أن يعلم الناس “أن الأمر يتعلق باستهداف للدين وخرج عن دائرة الشك والظن أو التقدير إلى دائرة الاستهداف ومحاولة النيل بشكل غير مسبوق في التاريخ”.

وقررت الحكومة خلال شهر رمضان، فرض “حظر التنقل الليلي” يوميا ابتداء من فاتح الشهر، من الساعة السابعة مساء إلى الساعة الخامسة صباحا، ما فرض معه منع أداء صلاتي العشاء والصبح بالمساجد.

وأعلنت الحكومة، في 8 أبريل الجاري، تمديد حالة الطوارئ الصحية، وحظر التجوال الليلي من التاسعة مساء إلى السادسة صباحا، شهرا إضافيا حتى 10 مايو/أيار المقبل، مما يعني إقامة صلاة العشاء والتراويح في المنازل. 

اعتزال المساجد والتغيّب عن حضور صلوات الجماعة والجمعة

على المستوى الفردي للشخص المسلم؛ ذكرت كتب الفقه كثيرًا من الأحوال التي يصحُّ فيها اعتزال المساجد والتغيّب عن حضور صلوات الجماعة والجمعة، إن خاف المسلم ضررًا على نفسه أو غيره، سواء كان منشأ ذلك الضرر مرضًا أو مخاوف أمنية أو كارثة بيئية أو حتى حرجًا نفسيًّا.

وقد توسّعت في تفاصيل ذلك كتب الفقه في جميع المذاهب؛ ومن أقدم من بينه الإمام الشافعيُّ (ت 204هـ) الذي ذكر صورًا عديدةً للأعذار الشرعية المغيِّبة عن الجمعة، فعدّ في مقدمتها الأمراض. ولعل أطرف ما ذكره منها هو التغيّب عن صلاة الجماعة خوفًا من المطاردة السياسية من قبل السلطة، فقال في كتابه ‘الأمّ‘: “إن كان خائفا إذا خرج إلى الجمعة أن يحبسه السلطان بغير حق كان له التخلف عن الجمعة”.

وألطفُ من ذلك بذل العذر للمصلي في ترك الجمعة لمن كان مدينًا مُعسِرًا لا يجدُ مالا لسداد دينه ويخافُ أن يباغته الدائن فيُحبَس بذلك؛ فقال الشافعي في ‘الأم‘ أيضا: “وإن كان تغيّبه عن غريم (= الدائن) لعُسرة وَسِعَه التخلّف عن الجمعة”. وبالعكس؛ أجاز فقهاء لصاحب الدين التغيب عن الجماعة إذا خشي اختفاء مدينه وفوات حقه، فقد استنبط الإمام بدر الدين العيني (ت 855هـ) -في ‘عمدة القاري شرح صحيح البخاري‘- من أحد أحاديث البخاري “جواز التخلف عن الجماعة [لـ]ـخوف فوات الغريم (= المدين)”.

وقد استجاز غير واحد من الأئمة الاعتزال خشية الفتنة عند حصول اضطرابٍ سياسيّ أو غيره، كما نقل الإمام الذهبيّ (ت 748هـ) -في ‘سير أعلام النبلاء‘- عن الإمام التابعي مُطرّف بن عبد الله بن الشخّير (ت 95هـ) أنه كان إذا “هاج الناسُ (= اقتتلوا) يلزمُ قعر بيته، ولا يقرب لهم جمعة ولا جماعة حتى تنجلي [الفتنة]”.

ولعلّ صنيع هذا الإمام الكبير في ترك الجمعة والجماعة -إذا خاف من ذلك ضررًا أكبر- أصلٌ في تركها لكلّ ما يمكن أن تترتب عليه مفسدةٌ عظيمة، وقد ورد عن الإمام مالك (ت 179هـ) شيءٌ يشبه هذا حين اعتكف في بيته “آخرَ عمره… [فـ]ـأقام ثماني عشرة سنة لم يخرج إلى المسجد” النبوي؛ حسب ما أورده القرطبيّ (ت 672هـ) في كتابه ‘التذكرة‘.

وكذلك فعل بعض العلماء احتجاجا على إجبار السلطة العباسية أيام المأمون (ت 218هـ) للناس في مسألة ‘خلق القرآن‘؛ فابن أيبك الدَّوَاداري (ت بعد 736هـ) يقول -في ‘كنز الدرر وجامع الغرر‘- إنه في سنة 218هـ “كان ابتداء المحنة العظيمة وإظهار القول بخلق القرآن…، وقـُتل من خالف، واختفت العلماء والأئمة في منازلهم وامتنعوا من الصلوات في الجوامع، وقتل منهم خلق كثير”.

وعلى كلّ؛ فإن ترك الفرد الواحد أو العدد اليسير من الناس للجمعة والجماعة مختلفٌ كثيرًا عن إغلاق المساجد وتعطيل الناس كلهم للجمعة والجماعات، على أن هذا التعطيل الجماعي للمساجد -وإن لم يتناوله الفقهاء تناولهم للاعتزال الفردي- وقع مرارًا في التاريخ الإسلاميّ بدواع قهرية؛ وهذا ما نحاول تتبع أبرز وقائعه وأسبابه في الفقرات التالية.

أوبئة مهلكة “طاعون عمواس”

وقعت الفاجعة الكبيرة في “طاعون عمواس” (= قرية فلسطينية كانت تقع على نحو 28 كم جنوب شرق يافا وهدمها المحتلون اليهود 1967م) الذي عمّ بلاد الشام سنة 18هـ، وأدى إلى وفاة عدد لا بأس به من الصحابة وأعيان التابعين فيها، واشتد البلاء بأهل الشام حتى “أقسم [الخليفة] عمر (ت 23هـ) ألا يذوق سمنا ولا لبنا ولا لحما حتى يحيا الناس”؛ وفقا لرواية المؤرخ ابن الأثير (ت 630هـ) في كتابه ‘الكامل‘. ورغم ذلك فإن الأخبار عن تفاصيل الحياة اليومية –بما فيها إقامة صلوات الجُمَع والجماعات- شحيحةٌ جدًّا، لكنني وجدتُّ خبرًا مثيرًا بشأن نهاية تلك الفاجعة بـ”ارتفاع الطاعون”، وفق التعبير الدارج في الكتب التراثية.

فقد روى الإمام أحمد (ت 241هـ) -في مسنده- من حديث شهر بن حوشب (ت 112هـ) عن رابِّهِ (= زوج أمّه) أنّه كان قد شهد طاعون عمواس، فكان على قيادة الناس أبو عبيدة بن الجراح فمات بالطاعون، ثم معاذ بن جبل فمات به أيضًا؛ “فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص (ت 43هـ) فقام فينا خطيبا فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبّلوا منه في الجبال [وفي روايات أخرى: فتفرّقوا منه في رؤوس الجبال وبطون الأودية]. قال: فقال له أبو واثلة الهذلي: كذبتَ والله، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت شرٌّ من حماري هذا (يُعيّر عَمْرًا بتأخر إسلامه). قال [عمرو]: والله ما أرد عليك ما تقول، وأيْمُ الله لا نُقيم عليه! ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا عنه، ودفعه الله عنهم. قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو فوالله ما كرهه”.والحقيقة أن الروايات متضاربة بشأن ما إن كان الناس أخذوا برأي عمرو بن العاص أم تركوه، لكن انتهاء الطاعون به منطقيٌّ جدًّا، والقول بـ”التفرّق في رؤوس الجبال والشِّعاب وبطون الأودية” متواترٌ عن عمرو بن العاص، وقد أخرجه من طرق كثيرة أبو جعفر الطبري (ت 310هـ) في ‘تهذيب الآثار‘، وابن خزيمة (ت 311هـ) وابن حبان (ت 354هـ) في صحيحيهما.

وبهذا يكون عمرو بن العاص -وفق علمنا- أوّل من نادى بالعزل (التفرّق/ التباعد) الجماعي لمواجهة الأوبئة، والتفرّق في رؤوس الجبال وبطون الأودية يحول -بلا شكّ- دون إقامة صلاة الجمعة والجماعات؛ إذ لا تجبُ شرعا إلا على أهل الأحياء والقرى والمدن والحواضر.

جائحة بمكة وبالأندلس المغربية

وقد ذكرت كتب التاريخ الإسلاميّ تعطيل المساجد بسبب الأوبئة مرارًا، ولم يسلم من ذلك مكة المكرّمة نفسها والبيت الحرام؛ فمن ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر (ت 852هـ) -في كتابه ‘إنباء الغُمْر بأبناء العمر‘- ضمن وقائع سنة 827هـ، فقال: “وفي أوائل هذه السنة وقع بمكة وباء عظيم بحيث مات في كل يوم أربعون نفساً، وحصر من مات في ربيع الأول ألفاً وسبعمئة، ويقال إن إمام المقام (= مقام إبراهيم وكان أتباع المذهب الشافعي يقيمون عنده صلواتهم) لم يصل معه في تلك الأيام إلا اثنان، وبقية الأئمة [من المذاهب الأخرى] بطلوا [الصلاة] لعدم من يصلي معهم”.

وقبل ذلك بقرون؛ يخبرنا ابن عذاري المراكشي (ت 695هـ) -في ‘البيان المُغرب في أخبار الأندلس والمغرب‘- أنه وقع في تونس وباءٌ عظيم سنة 395هـ، فتسبب في “شدة عظيمة انكشف فيها الستور…، وغلت الأسعار، وعُدِم القوات…، وهلك فيه أكثر الناس من غني ومحتاج، فلا ترى متصرفا إلا في علاج أو عيادة مريض أو آخذا في جهاز ميت…، وخلت المساجد بمدينة القيروان”.

وبالأندلس وقع شبيهٌ بهذا؛ فقد ذكر الإمام الذهبيّ -في ‘تاريخ الإسلام‘- أحداث سنة 448هـ فقال: “وفيها كان القحط العظيم بالأندلس والوباء، ومات الخلق بإشبيلية بحيث إن المساجد بقيت مُغلقة ما لها من يصلي بها”. وذكر أيضا -في ‘سير أعلام النبلاء‘- أنه في هذه السنة “كان القحط عظيما.. بالأندلس، وما عُهد قحط ولا وباء مثله بقرطبة، حتى بقيت المساجد مغلقة بلا مُصَلِّ، وسُمي عام الجوع الكبير”.

وفي السنة الموالية (سنة 449هـ)؛ يقدم لنا ابن الجوزي تفاصيل فظيعة عن وباء عظيم سريع الانتشار والقتل، تفشى فيما يعرف اليوم بآسيا الوسطى وأفنى فيها نحو مليونين من البشر، ثم انتشر غربا حتى قارب أرض العراق؛ فيقول: “وفي جمادى الآخرة (سنة 449هـ) ورد كتاب من تجار ما وراء النهر [بأنه] قد وقع في هذه الديار وباء عظيم مسرف زائد عن الحد، حتى إنه خرج من هذا الإقليم في يوم واحد ثمانية عشر ألف جنازة، وأحصي من مات -إلى أن كُتب هذا الكتاب- فكانوا ألف ألف وستمئة ألف وخمسين ألفا”!!

ويضيف هذا الإمام المؤرخ وكأنه يصف لنا أجواء عالمنا اليوم وقد خيّم عليه رعب “كورونا” فقضى عليه بالجمود والركود: “والناس يمرون في هذه البلاد فلا يرون إلا أسواقا فارغة، وطرقات خالية، وأبوابا مغلقة…، وطويت التجارات وأمور الدنيا، وليس للناس شغل في الليل والنهار إلا غسل الأموات والتجهيز والدفن…، وخلت أكثر المساجد من الجماعات”!!