حين يفقد الشباب الإحساس بالحياة: تقرير عالمي يكشف هشاشة معنوية في المغرب

0
190

جيل بلا بوصلة: الشباب المغربي في دائرة المعنوية الهشة… من المسؤول؟

وسط عالم يتسارع في تحوّلاته السياسية والاقتصادية والتقنية، يكشف تقرير YMI-2024-25“مؤشر الشباب للمعنوية 2024–2025” عن واقع صادم وصامت: المغرب في ذيل الترتيب بين سبع دول شملها البحث، بأدنى معدل لمؤشر “المعنوية” بين الشباب: 6.82 من أصل 10.

أرقام باردة، نعم. لكنها تخفي جحيماً هادئاً يُغلي في دواخل جيل يبحث عن المعنى، الانتماء، والاتجاه.

فهل نعيش في مغرب يفتقر شبابه للشعور بالحياة ذاتها؟

وهل أصبحنا ننتج شبابًا يعيشون جسدًا… ويتلاشون رمزيًا؟

حين يبدأ التآكل مبكرًا: من الطفولة إلى المراهقة

من الطفولة المبكرة (7 سنوات) وحتى عتبة 17، ترصد الدراسة تراجعًا تدريجيًا في الشعور بالمعنى والانتماء، حيث ينخفض المعدل من 7.85 لدى الأطفال إلى 7.69 في المراهقة، ثم ينحدر لاحقاً مع الدخول في مرحلة الشباب.

هذا التآكل النفسي والمعنوي لا يحدث فجأة، بل هو نتاج تراكمي لتجارب التهميش، والتوترات داخل المدرسة، وانعدام الأمن الاجتماعي، وسط افتقار فادح لبرامج دعم سيكولوجي منظم.

ما هي الآليات التي يتوفر عليها النظام التربوي المغربي لمواكبة التحولات النفسية والوجدانية للمراهقين؟ وهل لدينا سياسة وطنية مهيكلة للصحة النفسية في المدارس والجامعات؟

“الرعاية الذاتية” في القاع: مؤشر انهيار ثقافة العناية بالذات؟

أخطر ما في نتائج التقرير أن أدنى المحركات الأربعة للمعنوية هو “الرعاية الذاتية” (7.79).
هذا ليس رقماً فقط، بل إعلان فشل صريح لمنظومات التربية، الأسرة، الإعلام، والمنظمات الشبابية.

كيف يُمكن أن نبني جيلاً يواجه الضغوط الرقمية، والعزلة الاجتماعية، وتحديات الهوية، بدون مهارات عناية بالنفس، بدون لغة للتعبير عن الألم، وبدون ثقافة للتنفيس الصحي؟

وهل يُعقل أن يكون الحديث عن العناية النفسية لا يزال في الهامش، في زمن يتصدر فيه “القلق” و”الاكتئاب” عناوين الصحة العامة عالمياً؟

بين القدوة الغائبة والمسؤولية الاجتماعية المعطلة: الفجوة القاتلة

من المثير للقلق أن الشباب المغربي رغم شعوره بالدعم الاجتماعي (معدل 8.68 في بند “لدي أشخاص يهتمون بي”)، يسجل معدلات متدنية في المبادرة المجتمعية والتفاعل مع القضايا العامة (6.83 في بند “أفضل القيام بأمور تفيد من حولي”).

-هل فقد الشباب إيمانه بجدوى المشاركة في المجتمع؟

-أين المؤسسات الثقافية التي تحفز على العمل الجماعي والانخراط التطوعي؟

-وهل نموذج “القدوة” نفسه تآكل في نظرهم؟ وما علاقة ذلك بانهيار الثقة في السياسيين والنخب؟

هشاشة جندرية: حين لا يجد الفتى من يصغي لاضطرابه

يكشف التقرير عن فارق دالّ: الذكور أقل من الإناث في التعبير عن الاضطراب العاطفي، وفي المشاركة في الأنشطة الإبداعية.

هذه ليست مجرد فروقات نفسية، بل ترجمة لصورة الذكورة التي لا تزال، في اللاوعي الجمعي، مرتبطة بالقوة والكبت والانغلاق.

-كم من الفتيان يعيشون اضطرابات نفسية لا يُسمح لهم بالتعبير عنها؟
-وكم من المآسي الاجتماعية، من العنف، والتطرف، والهروب، هي في الحقيقة صرخات غير مسموعة؟

دول الساحل، أوكرانيا، كينيا… والمغرب؟ ضمن “المجموعة الهشة”!

يضع التقرير المغرب ضمن “المجموعة الهشة” إلى جانب دول تعاني من حروب، أزمات لجوء، انهيار اقتصادي أو صدمات جيوسياسية.

السؤال الكبير:كيف لدولة مستقرة نسبيًا، بحكومة مركزية وإصلاحات كبرى معلنة، أن تُصنّف ضمن دول الهشاشة المعنوية؟

أليس هذا التناقض مدعاة لمراجعة النموذج التنموي المغربي من زاويته الرمزية؟
أين هو “المعنى” في السياسات العمومية؟ أين هي خريطة طريق تعطي للناشئة الشعور بالكرامة، بالإنتاج، بالانتماء، بالمستقبل؟

ختامًا: ليس جيلًا ضائعًا… بل جيل لم نسمعه بعد

الأرقام لا تقول إن الشباب المغربي فاشل، بل تقول إنه يعيش في صمت ما لا نرى.

وربما حان الوقت لنفهم أن “الركود المعنوي” أخطر من الركود الاقتصادي، وأن جيل اليوم لا يريد فقط عملاً، بل يريد رؤية. لا يريد فقط خبزًا، بل معنى.