رسم رئيس الحكومة المغربية الحالي الملياردير”عزيز أخنوش ” ووزير الفلاحة السابق منذ 2007، طموحات كبرى تسعى لإعطاء وجه آخر للمغرب، مختلف تماما عما ألفه العالم، بشكل يتجاوز الصورة النمطية التي تختزل المملكة في محيطين وأسماك على نار وفي الفوسسفاط وثروات لا تعد ولا تحصى؟!. أخنوش يحلم بجعل الفلاحة المغربية بشكل يجعلها تستجيب لقواعد السوق، بشكل ينقلها إلى عالم ما بعد مخطط المغرب الأخضر الذي يمتد من 2009 إلى 2029، الذي استفاد من ميزاني تجاوزت 180 مليار درهم (حوالي200 مليون دولار)، غير أن الرياح لا تجري دائما بما تشتهيه السفن. 12 سنة بعد ذلك يجد الملياردير أخنوش نفسه أمام ما يشبه أضغاث أحلام. فقد انقلبت الأوضاع رأسا على عقب، فبدلا من بناء اقتصاد قوي وتأمين الغذائ لـ 40 مليون مغربي كما كان مخططا، وجد نفسه أمام خلل تاريخي “حلم أمة يتبخر”فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب، ونفس الخطوات، وانتظار نتائج مختلفة.
عزيز أخنوش، هو أحد مهندسي هذا المخطط، ما فتئ في كل سنة، أو في كل مناسبة خطابية، يزفّ للمغاربة البشرى تلو الأخرى، يعدهم ويمنّيهم بأن المغربَ سيقفز قفزةً نوعيةً بفضل ذلك المخططِ الأخضرِ، وأنه سيكون أهم البرامج التنموية في مغرب القرن الواحد والعشرين، وأحدَ أكبرِ المشاريع الشاهدة على التطورات والإصلاحاتِ التي سيعرفها المغرب مستقبلا.
في هذا السياق، أفاد عزيز غالي رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إن الأمن الغذائي من الحقوق الأساسية للمواطن، فعلى الدولة أن تعمل على ضمان الحق في الغذاء، ليس فقط عبر وفرة المنتوجات في السوق، ولكن مع تيسير القدرة على الوصول إليها واقتنائها من طرف المواطنين.
واعتبر غالي خلال ندوة نظمتها “الجبهة الاجتماعية المغربية” أن مخطط المغرب الأخضر أعطى الضربة القاضية للأمن الغذائي بالمغرب، بالتحول من إنتاج ما يحتاجه المغاربة في غذائهم إلى إنتاج المواد ذات القيمة العالية بهدف التصدير، تحت ذريعة توفير العملة الصعبة وعبرها استيراد المواد التي تدخل في الاستهلاك الغذائي للمغاربة.
وتوقف غالي على دعم الاستثمار الذي يبرز كيف أن الدولة تخلت عن إنتاج القمح الذي يعد المادة الأساسية بالمغرب، فدعم الاستثمار في هذه المادة لا يتجاوز 1,5 في المئة، مقابل 5 في المئة بالنسبة للزيتون، و18 في المئة للحوامض، وهو ما أدى إلى تراجع الأراضي المزروعة بالحبوب وارتفاع أراضي الحمضيات والزيتون.
وعلاقة بالارتفاع الكبير في أسعار الزيوت، أبرز غالي أن المغرب شهد تراجعا كبيرا في إنتاج هذه المادة، إذ تقلصت المساحات الفلاحية لإنتاج المواد الأولية التي تدخل في إنتاج الزيت، على حساب إنتاج مواد أخرى مثل الفراولة.
وأفاد أنه ما بين 2008 و2017 كان هناك تراجع ب50 في المئة في الإنتاج الفلاحي المتعلق بالزيت، وشهدت المساحة التي كان يزرع فيها عباد الشمش تراجعا بـ 67 في المئة.
كما أن المنتوجات الفلاحية المعدة للتصدير، يضيف غالي، تساهم في استنزاف المياه، حيث إن كيلوغرام واحد من الأفوكا يحتاج إلى ألف لتر من الماء.
وأكد المتحدث أن المغرب ليس من الدول الضامنة للأمن الغذائي لمواطنها، والسياسات المستقبلة لا تسير لتصحيح هذا الوضع، كما أن الميل نحو الفلاحة التصديرية على حساب إنتاج المواد التي تدخل في الاستهلاك المغربي يجعلنا معرضين للهزات بسبب الأزمات في الأسواق الدولية، وهو ما قد يؤدي إلى توفر المال لكن دون أن نجد من يبيعنا ما نستهلكه.
وعلاقة بما سبق، توقف غالي على صعوبة ولوج عدد كبير من المواطنين المغاربة إلى العديد من المواد الأساسية التي تدخل في الاستهلاك.
وأشار إلى أن كلفة سلة الغذاء لدى الأسر المغربية تتجاوز 40 في المئة من ميزانية الأسرة، وهو رقم مرتفع مقارنة مع دول أخرى كفرنسا التي تكلف التغذية الأسر 12 في المئة من ميزانيتها، وفي الولايات المتحدة 6,6 في المئة، وتونس 27 في المئة والجزائر 29 في المئة.
وربط رئيس الجمعية الحقوقية بين العلاقة السببية لسلة الغذاء والجانب الصحي للمغاربة، فارتفاع تكلفة الغذاء يمس بصحة المواطنين، سواء فيما يتعلق بفقر الدم أو سوء التغذية وغيرها.
بعد الإستراتيجية الزراعية “مخطط المغرب الأخضر” التي امتدت على مدى 12 عاما؛ أطلق المغرب إستراتيجية زراعية جديدة “الجيل الأخضر 2020-2030″، وأخرى باسم “غابات المغرب”.
وحسب وزير الفلاحة والصيد البحري عزيزِ أخنوش، في حكومة العدالة والتنمية، فإن الإستراتيجية الزراعية الجديدة تعتمد على ركيزتين: تتعلق الأولى بإعطاء الأولوية للعنصر البشري، في حين تتعلق الثانية بمواصلة دينامية التنمية الفلاحية في ارتباط بتحفيز التنمية البشرية والاجتماعية، ويضاف إليها إستراتيجية تطوير قطاع المياه والغابات.
ووعد حينها اخنوش بتمكين 350 ألف إلى 400 ألف أسرة جديدة من الانضمام إلى فئة الطبقة المتوسطة، وخلق جيل جديد من “المقاولين الشباب” بالقطاع الزراعي، وتوفير فرص عمل لـ350 ألف شاب.
وكان عزيز أخنوش أكد أن الرؤية الإستراتيجية الجديدة تهدف إلى مضاعفة الصادرات والناتج الخام الفلاحي ليبلغ بين 200 و250 مليار درهم (الدولار يساوي 9.7 دراهم مغربية) بحلول سنة 2030.
وتولى أخنوش منصب وزير الفلاحة والصيد البحري منذ سنة 2007، بالأغلبية رئيسا للتجمع الوطني للأحرار في 29 أكتوبر 2016.
وتشير معطيات نشرتها مؤسسات رسمية إلى “فشل” المخطط في تحقيق بعض أهدافه، وتعيب عليه تركيزه على رفع صادرات الخضر والفواكه وإهمال العمل على تحقيق اكتفاء ذاتي في حاجيات المملكة من المواد الأساسية كالحبوب والزيوت مما جعل السوق المحلية عرضة لتقلبات أسعار هذه المواد في السوق الدولية.
في المقابل، يدافع عزيز أخنوش، رئيس الحكومة والمشرف السابق على تنفيذ وتنزيل المخطط، على نجاح “المغرب الأخضر” في الرفع من الناتج الداخلي الخام من 65 مليار درهم (حوالي 6.8 مليار دولار) سنة إطلاقه إلى 125 مليار درهم (حوالي 13 مليار دولار) سنة 2018، وعلى نجاح الاستراتيجية في تحسين الإنتاجية وفي زيادة دخل المزارعين.
لم تأت سهام الانتقاد للمخطط الحكومي من الإعلام ومن جمعيات المجتمع المدني فحسب، بل أيضا من مؤسسات رسمية لم تخف انتقادها لحصيلة المخطط رغم كل الدعم العمومي المرصود له.
وتحت عنوان “أية آفاق للتبعية الغذائية للمغرب بحلول عام 2025؟” تساءلت المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية) عن حصيلة “المغرب الأخضر” وعن قدرته في تحقيق الأمن الغذائي للمملكة لارتباط جزء من أهدافه بالتساقطات المطرية.
وعكس ما ذهبت إليه حصيلة المخطط التي أعلنت عنها وزارة الفلاحة، قال التقرير إن أداء القطاع الفلاحي “ظل معتدلا بالمقارنة بالأهداف المسطرة في إطار مخطط المغرب الأخضر ولاسيما تلك المتعلقة بتحقيق 100 مليار درهم كثروة إضافية للقطاع في أفق 2020، حيث يقدر النقص الحاصل في القيمة المضافة الفلاحية بحوالي 31.7 مليار درهم بين عام 2013 و2018”.
وأضاف معدو التقرير أن مساهمة القطاع في سوق الشغل تراجعت هي الأخرى خلال السنوات الـ10 الأولى من من إطلاق المخطط، حيث انتقلت من 40 في المائة عام 2008 إلى 34 في المائة سنة 2018، وعلقوا على ذلك بالقول “كان يفترض أن يخلق المخطط حوالي 125 ألف منصب شغل سنويا”.
وتوقع التقرير حينها أن يستمر المغرب في استيراد كميات مهمة من الحبوب بحلول عام 2025، وتوقع أن تظل المملكة مرتبطة بالأسواق الخارجية لتأمين حاجياتها الأساسية بنسبة تصل إلى 63 في المائة.
من جانبه، قال المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة رسمية مغربية للرقابة المالية) في تقرير أصدره عام 2019، إن المخطط يعاني من نواقص ومن عيوب تحول دون تحقيق بعض أهدافه.
وأشار المجلس إلى أن الفلاحة المغربية تستنزف لوحدها 89 في المائة من المياه، وذلك في وقت توقع فيه التقرير أن يزداد ضعف المخزون المائي للمملكة بسبب تفاقم الظواهر المناخية.
مع ذلك، لاحظ المجلس أن الوزارة الوصية لم تسرع من تنفيذ برنامج توسيع الري ولم تتخذ تدابير لمراقبة وتتبع إنجازه، كما تطرق إلى ضعف مساهمة الوزارة الوصية في تكوين الجمعيات الفلاحية ودعاها إلى تقليص الفجوة بين المياه المعبأة في السدود وبين مشاريع التهيئة اليهدورفلاحية.
في المقابل، تصف وزارة الفلاحة المغربية حصيلة المخطط في الـ10 سنوات الأخيرة بـ”القياسية”، وتشير إحصائيات نشرها موقع “أش دارت فلاحتنا”، التابع للوزارة إلى نجاح المخطط في الزيادة من معدل الحبوب بـ41 في المائة في الفترة الممتدة بين 2015 و2018، وتشير أيضا إلى أن القطاع خلق 300 ألف منصب شغل منذ إطلاق المخطط وقلص بذلك نسبة الفقر في المناطق القروية إلى 9 في المائة.
سئل ألبرت أينشتاين عن الغباء، فقال: “الغباءُ هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب، ونفس الخطوات، وانتظار نتائج مختلفة” إنها حكمة ثمينة أطلقها عالم الفيزياء وأب النسبية العامة والخاصة، عليكم أن تتأملوها لاستخلاص الدروس والمواعظ منها، لعلكم تعقلون.