فوزي لقجع : “الطبقة المتوسطة” هي صمام الأمان في بناء المجتمعات الحديثة..من هي الطبقة الوسطى؟ هل تنقرض؟

0
318

في الوقت الذي تعتبر الطبقة المتوسطة في العديد من المجتمعات طبقة ميسورة نسبيا، فإن محللين في المغرب يرون أنها أقرب إلى الطبقة الفقيرة، في حين يرى آخرون أنها غير موجودة أصلا.

الرباط – أكد الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، أن الاستثمار في التعليم يعد الاستثمار الحقيقي في مستقبل الأجيال الصاعدة واللاحقة.

وأوضح لقجع، في معرض جوابه على تدخلات الفرق والمجموعات البرلمانية خلال المناقشة العامة للجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2024 بمجلس المستشارين، أن “البناء الاجتماعي الاستراتيجي، الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس، لا يمكن أن يكون بدون تعليم قوي يكوّن الأجيال الصاعدة واللاحقة”.

وشدد على أن “الظروف الصعبة والاستثنائية لن تمنعنا من تحسين دخل نساء ورجال التعليم، إيمانا بدورهم الأساسي”.

ولدى حديثه عن مشروع قانون المالية، أكد الوزير أن “معدلات النمو لا تحددها الفرضيات، بل السياسات الإنمائية الاقتصادية التي تعد الوسيلة الوحيدة لخلق فرص الشغل”.

وفي ما يتعلق بفرضية لجوء الحكومة إلى الاقتراض من أجل تمويل البرامج الاجتماعية، قال لقجع رجل (الاقتصاد والنالية وكرة القدم) إن “المشروع المجتمعي الذي يقوده جلالة الملك لديه مجموعة من الضمانات من بينها السيادة المالية لبلادنا”، مؤكدا أن “الحكومة جعلت من تجاوز المديونية والعجز خطا أحمر”.

وأضاف، في هذا الصدد، أنه “رغم توفر الحكومة على كل الظروف المناسبة للاقتراض، فإنها ترفض أن تثقل كاهل الميزانية بالديون، ولن تقبل أن تكون عاملا معرقلا للمشروع المجتمعي للمغرب، أو أن ترهن مستقبل الأجيال القادمة”.

وبعدما أكد أن الطبقة المتوسطة “هي صمام الأمان في بناء المجتمعات الحديثة”، سجل السيد لقجع أن الحكومة اتخذت مجموعة من الإجراءات لفائدتها، ومنها دعم السكن وحل مجموعة من الإشكالات المرتبطة بالأجور في بعض القطاعات، موضحا أن “تحسين الدخل للطبقة المتوسطة يتطلب مضاعفة الجهود ومواكبة حقيقية للقطاع الخاص”.

وخلال المناقشة العامة، أشادت فرق الأغلبية بمضامين مشروع قانون المالية لسنة 2024، معتبرة أنه “يتجه نحو تكريس الدولة الاجتماعية بمضمونها المغربي الجديد والمتفرد”، ويعتمد على “فرضيات واقعية تنسجم مع ما هو معمول به لدى مختلف المؤسسات الدولية ومبنية وفق منهجية علمية تراعي تركيبة الاقتصاد الوطني”.

اعتمدت المندوبية السامية للتخطيط في تحديدها للطبقات الوسطى بالمغرب على مقاربتين، تعتمد الأولى على الانتماء عن طريق التقييم الذاتي، التي تعكس نظرة السكان أنفسهم لوضعهم الاجتماعي، في حين تستند المقاربة الثانية إلى المعايير الموضوعية للدخل ومستوى المعيشة. وخلصت المندوبية إلى أن الطبقات الوسطى، تمثل 55.8 % من المجتمع، وفق المقاربة الأولى، و 53 في المائة من إجمالي السكان، بإدراجها ضمن هذه الفئات الأشخاص الذين يتراوح دخلهم بين 2800 درهم و6736 درهما. وأثارت المقاربة المعتمدة من قبل المندوبية انتقادات واسعة، إذ يرى منتقدوها أن دخل الطبقات الوسطى يجب أن يحدد بناء على احتياجاتها الخاصة.

بالمقابل، يستند بعض الاقتصاديين في تحديد الطبقات المتوسطة على تقييم الاحتياجات الخاصة بها، إذ أن أسرة متوسطة ستتطلب سكنا يليق بتطلعاتها، ما يجعلها تدفع قسطا شهريا لا يمكن أن يقل عن 3 آلاف درهم، كما سيكون عليها أداء حوالي ألفي درهم في الشهر، تضاف إليها تكاليف التمدرس في حدود 2000 درهم بالنسبة إلى أسرة لديها طفلان، وهناك تكاليف أخرى بقيمة 3 آلاف درهم. وهكذا يخلصون إلى تحديد سقف أدنى لدخل الطبقات الوسطى في حدود 10 آلاف درهم وسقف أعلى يصل إلى غاية 40 ألف درهم. وبناء على هذه المقاربة، فإن الطبقات المتوسطة لا تمثل سوى 15 % من المجتمع.

أشارت دراسة أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط حول نفقات الأسر على التعليم إلى أن رسوم التمدرس تعرف ارتفاعا متواصلا بمعدل نمو يصل، في المتوسط، إلى 3.4 في المائة.
وتضاعفت نفقات الأسر على التعليم بصنفيه الخاص والعام، إثر هذه الزيادات، مرتين في ظرف ثماني سنوات، إذ انتقلت من 8.9 ملايير درهم (890 مليار سنتيم) إلى 19.7 مليار درهم (1970 مليار سنتيم)، مسجلة معدل نمو سنوي في حدود 12.1 في المائة في المتوسط.

وتؤدي الأسر في المتوسط ما يناهز 8 آلاف درهم سنويا على تمدرس أطفالها، علما أن الكلفة ببعض مؤسسات التعليم الخاص، يمكن أن تصل إلى ضعف المبلغ، علما أن الكلفة الإجمالية، بما في ذلك نفقات الأدوات المدرسية والنقل إضافة إلى رسوم التسجيل والتمدرس، لا يمكن أن تقل عن 10 آلاف درهم في السنة، بمعدل ألف درهم في الشهر. وتعتبر الفئات متوسطة الدخل من أكثر الشرائح الاجتماعية إقبالا على التعليم الخاص، لضمان الحد الأدنى من جودة التعليم لأبنائها، خاصة مع تردي الأوضاع في مؤسسات التعليم بالقطاع العمومي.

وأصبحت التكاليف المالية للتمدرس تلتهم ما بين 20 % و 50 من دخل الأسر متوسطة الدخل، ما يتسبب في عجز دائم في ميزانيتها، ولا تجد مصادر تمويل لتغطية تمدرس أبنائها، خاصة بالنسبة إلى مستويات التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، إذ لا توجد عروض تمويلية، من قبل مؤسسات بنكية مخصصة لهذا الغرض.

وفي سياق متصل، يوضح الخبير الاقتصادي، نجيب أقصبي،في تصريح سابقة، أن هناك “معايير مختلفة ومتعددة” لتحديد من يمكن تصنيفهم في خانة الطبقة المتوسطة.

ويشر إلى نموذجين في هذا الصدد، أحدهما “اعتمدته المندوبية السامية للتخطيط قبل نحو 10 سنوات”، وهو معيار “متوسط النفقات”، والذي أدى، إلى نتيجة يصفها أقصبي بـ”الغريبة”، تقول إن “الطبقة الوسطى في المغرب تمثل نحو 54 في المئة من مجموع السكان”.

النموذج الثاني، حسب الخبير الاقتصادي، يتعلق بمعيار اعتمده البنك الدولي في تقرير أصدره 2019، والذي استند إلى حساب “يمكن اعتباره أكثر براغماتية”.

ويضيف أن الأخير تم على أساسه احتساب المتطلبات الأساسية لأسرة مغربية، من “أكل وشرب وسكن وتعليم وتطبيب وتنقل”، وتم الاشتغال على أساس فرضيتين كل منهما تنطلق من متوسط دخل معين، وهي العملية التي أفضت، يقول أقصبي، إلى أن “الطبقة الوسطى في المغرب تتراوح بين بين 15 في المئة و25 في المئة”.

بالنظر إلى الفرق الكبير بين النسب التي أشار إليها أقصبي والتي سبق لكل من المندوبية السامية للتخطيط والبنك الدولي تقديمها حول حجم الطبقة المتوسطة، يطرح سؤال، هل هذه الطبقة موجودة؟ وما هي النسبة التي تمثلها في المجتمع؟

أقصبي يجيب بالتأكيد على أن الطبقة المتوسطة في المغرب “محدودة” بل و”تتقلص”.

ويتابع أن المغرب “لم يعرف السيناريو الذي عرفته بعض البلدان المتقدمة حيث واكب تطور الاقتصاد توسع الطبقة الوسطى. نحن في مسار معاكس”.

وبالنسبة للخبير المغربي، فإن ما يؤكد الفكرة السالفة هو “التدهور الواضح للقدرة الشرائية للأسر المغربية، وهو الأمر يظهر بوضوح عند قياس تطور الأجور في مقابل تطور الأسعار”.

وإذا كان أقصبي يرى أن الطبقة المتوسطة في المغرب “تتقلص” فإن الكتاني، من جهته، يرى أن هذه الطبقة “تسير نحو الانقراض”.

و “من العلامات الدالة” حسب الكتاني، على تلك الفكرة، أن “الفئة التي كنا نسميها الطبقة المتوسطة صارت تقتني السكن الاقتصادي، لأنها لم تعد تتحمل تكاليف السكن المتوسط الذي كان في متناول فئة أوسع من السكان”.

ولكن هل هذا يعني بأن السكن هو المحدد الأساسي للانتماء الطبقي؟

الخبير المغربي يرد بالإيجاب، ويؤكد أن “الفضاء الذي يسكن فيه الإنسان هو الذي يحدد طبيعة الطبقة التي ينتمي إليها”.

الخطر الأول الذي يشير إليه الكتاني يتمثل في كون “طلب الطبقة المتوسطة سيقل، لأنها غرقت في الكلفة الاجتماعية وبالكاد تغطي النفقات الأساسية من تعليم وكراء أو أقساط شراء السكن وغيرها”.

وحسب الخبير المغربي، فإنه “بدل النهوض بالطبقة الدنيا، انضمت إليها الطبقة المتوسطة وتوسعت”.

ويضيف أن “انقراض الطبقة المتوسطة” لا تنتج عنه “كلفة اقتصادية” فقط بل أيضا “كلفة اجتماعية” تهدد استقرار المجتمع.

بدوره، يشير أقصبي إلى عدد من الأمور التي قد تنتج عن “تقلص” الطبقة المتوسطة، سواء على المستوى الاقتصادي أو المستوى الاجتماعي.

فمن الناحية الاقتصادية، يبرز الخبير المغربي أن “توسع الطبقة الوسطى هو الذي يكون القاعدة لما يسمى في الاقتصاد بتوسع السوق الداخلي”.

من ثمة يتابع أقصبي أن “توسيع السوق الداخلي يعني توسيع الطبقة الوسطى”، لأن “الفقراء وإن كانت أعدادهم كثيرة فإن قدرتهم الشرائية قليلة”، بينما “الأغنياء عددهم قليل وقدرتهم الشرائية كبيرة إلا أن جزءا كبيرا منها يتجه نحو الخارج”.

وحسب الخبير المغربي فإن “تطوير الاقتصاد مرتبط بتوسيع الطبقة الوسطى”. وإلى جانب الإشكال الاقتصادي، فإن المتحدث يشير أيضا إلى ما يخلفه تقلص تلك الطبقة على المستوى الاجتماعي، إذ إن تقلصها “يعني توسّع الطبقة الفقيرة”، كما يعني “تنامي وتقوي الفوارق الاجتماعية بطريقة خطيرة”.

من هي الطبقة الوسطى في المغرب؟

بخلاف الدول الغربية التي يسهل فيها تحديد الطبقة الوسطى عبر اعتماد نسبة معينة من الدخل المالي للأسر، فإن الأمر معقد في المغرب كحال بقية الدول العربية، التي تضم فرقاً شاسعاً بين حجم الغنى والفقر يصعب من خلاله تحديد الطبقة الوسطى. وفي محاولته لتحديد تلك الفئة في المغرب، قدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي المغربي (مؤسسة حكومية استشارية) دراسة أشار فيها إلى أن الطبقة الوسطى تتميز بقدرتها على أن تكون بمثابة ركيزة للاستقرار الاجتماعي والسياسي… فينبغي ألا يكون انشغالها منصباً فقط على توفير الاحتياجات الأساسية، بل ينبغي أن تكون الفئة الحاملة، أكثر من غيرها، لقيم الديمقراطية والمساواة والحداثة والكفاءة والاستحقاق. لذلك فإن الدخل أو مستوى الاستهلاك، لا يسمحان لوحدهما، بتحديد معالم طبقة اجتماعية بهذه المواصفات السوسيو-اقتصادية المنشودة، لا سيما وأن الدخل المتوسط منخفض جداً في المغرب، ولا يسعف بأن تتشكل على أساسه طبقة اجتماعية وسطى، بالتالي تشير الدراسة إلى أنه يجب الارتكاز في تعريف الطبقات الوسطى “على رصد الشرائح الاجتماعية التي تعيش ظروفاً اجتماعية واقتصادية مرضية، شرائح تتسم بديناميتهـا ويتولد عـن نشاطها تحقيق التقدم والتنمية لفائدة جميع مكونات المجتمع. واعتبرت الدراسة أنه “من الضروري اعتماد تحليل محلي معمق، متعدد الأبعاد وديناميكي، على أن يتم تعزيزه بدراسة مقارنة تسلط الضوء على تجربة الدول المتقدمة”، مضيفة أنه “يمكن اقتراح مقاربة تقوم على اعتبار أن الفئات ذات الظروف المعيشية المتوسـطة، التي تعد مواتية أكثر لخلق دينامية إيجابية من التقدم والتنمية في البلد، هي الفئة التي تضم رأسمالاً بشرياً مؤهلاً وذا كفاءة، أي بدءاً من الأطر الوسطى فـي القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب المهندسـين والأطباء والمدرسين والعاملين المؤهلين تأهيلاً عالياً، والأطر ذات الكفاءة المشتغلة في خدمة المجتمع على مستوى الوظيفة العمومية”.

كما توصي الدراسة في سبيل توسيع هـذه الطبقة الاجتماعية، بتحسـين مستوى معيشتها وظروف عملها من خلال سياسات عمومية تسمح للشرائح الفقيرة مـن السكان بالارتقاء نحو الطبقات الوسطى، وأن تهدف هـذه السياسات العمومية إلى إعادة إرساء آلية دائمة للارتقاء الاجتماعي، لتمكين الأفراد الموجودين فـي أدنى السـلَم الاجتماعي من الحركية والاستمرار في الارتقاء وتحسين أوضاعهم، بحسب الدراسة.

وسياق متصل ،اعتبرت فرق المعارضة في المغرب أن الفرضيات والمؤشرات التي بُنِيَ عليها مشروع قانون المالية لـ 2024 “متجاوزة وتقفز على الواقع الاقتصادي والاجتماعي”، منتقدة في الوقت ذاته “المبالغة في التفاؤل في ظل الإكراهات والتحديات التي يعرفها المحيط الجيو-سياسي”.

وفي هذا الإطار، اعتبر عضو الفريق الحركي بمجلس المستشارين، يحفظه بنمبارك، أن “أرقام وفرضيات مشروع قانون المالية غير واقعية وصعبة التحقق، لكونها بالغت في التفاؤل ولم تستحضر السياق الوطني والدولي الاستثنائي الذي يطبعه اللايقين”، مؤكدا أن مشروع قانون المالية “يحكمه هاجس الحفاظ على التوازنات الماكر-واقتصادية على حساب التوازنات الاجتماعية، ويعتمد في موارده، بالأساس، على الضرائب دون تملك فلسفة ورؤية بنفس جديد لإنتاج الثروة وخلق موارد جديدة”.

وفي الاتجاه ذاته، أكد رئيس الفريق الاشتراكي ـ المعارضة الاتحاديةـ بمجلس المستشارين، يوسف ايذي، أن الفرضيات الأساسية التي اعتمدها مشروع قانون المالية تفرط في التفاؤل “وهو ما يطرح التساؤل حول مدى صدقيتها وقابليتها للتحقق”، منبها إلى تحدي استدامة تمويل البرامج والأوراش الاجتماعية.