تسير المخرجة المغربية صوفيا العلوي بخطوات ثابتة في التأسيس لتجربتها السينمائية لكنها خطوات مختلفة جعلتها رغم قلة إنتاجها، مؤهلة رسميا من المغرب لجوائز أوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي، بفيلمها “أنيماليا”. عن هذا الفيلم ونظرتها للسينما كان لنا معها هذا الحوار.
الرباط- صوفيا علوي، كاتبة سيناريو ومخرجة مغربية فرنسية. وُلدت في مدينة الدار البيضاء وتربت بين المغرب والصين. وجهت العديد من الأفلام الوثائقية، وكان فيلمها القصير “لا يهم إذا نفقت البهائم” قد فاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان “صندانس” لعام 2020، وحاز جائزة سيزار لأفضل فيلم قصير في عام 2021.
وتتناول قصة الفيلم الشابة “إيتوا”، التي تأتي من أسرة متواضعة وتتزوج ب”أمين”، ابن أحد الأعيان الأثرياء في المنطقة، ويتعين عليها العيش مع عائلة زوجها أثناء فترة حملها. في يوم ما تجتاح ظواهر خارقة البلاد وتجد” إيتو” نفسها وحيدة في البيت، وتنطلق سلسلة من الأحداث الغريبة أثناء محاولتها الانضمام إلى زوجها في المدينة المجاورة.
والحبكة تتناول ترابط كل شيء في الكون. إنها تتحدى فكرة أن النساء يجب أن يلتزمن بمجموعة من القواعد لكي يتم قبولهن أو ينظر إليهن على أنهن جيدات، وفكرة أن لدى الرجال دورا معينا يجب أن يقوموا به ليتم قبولهم في المجتمع.
وتظهر لنا صوفيا علوي أنه بغض النظر عن مدى التصنيف الاجتماعي لنا، سواء كان ذلك استنادا إلى الثروة أو الدخل أو التوجه الجنسي أو المعتقدات أو غيرها، في النهاية، نحن جميعا مصنوعون من القماش نفسه. إنها تبني برفق فكرة أن جميع الكائنات الحية، بما في ذلك البشر وغير البشر، متصلة بالكون.
والفيلم مليء بأفكار فلسفية حول الزمن ومكاننا في الكون دون تقديم أي إجابات. تدور القصة حول “إيتو” الذي جسدته أميمة باريد، امرأة حامل تجد نفسها وحيدة بعد مغادرة زوجها في رحلة عمل. خلال غيابه تعرض المجتمع ككل لوجود كيان خارق أو كائن علوي يعطل الأمور. ينهار البلد بأكمله. تتوجه الجماهير نحو أماكن العبادة، حيث تحاول بشدة العثور على الراحة والسلام. ومع مواجهة العالم لحقيقة أننا لسنا وحدنا، تنطلق “إيتو” في رحلة وجدانية تجعلها تسأل عن السرد المنهجي الذي أحاط بها منذ ولادتها.
الرحلة السريالية “لإيتو” عبر المشاهد العالمية والأخرى في المغرب هي رمز لرحلاتنا عبر الزمن بحثا عن الحقيقة والمعنى، وبعض الصور في هذا الفيلم روحانية ومخيفة بأفضل الطرق، ذكرتني بالشعور الذي تشعر به عندما تنظر إلى الفراغ الأسود للفضاء الكوني. كلما حاولت أن تفهم وسعها، كلما أدركت مدى تفاهتك.
هناك مشهد جميل بشدة في “أنيماليا” عندما تواجه إيتو ظاهرة جوية فضائية، بعد دخولها إلى العاصفة السماوية، تختبر ولادة روحية، وينهار نظام معتقداتها بأكمله. من خلال هذه النظرة إلى المناظر الخالدة في الكون، تتعلم “إيتو” أن الكون متعدد الجوانب وأن العالم الجسدي هو جزء واحد فقط من مجموعة أكبر.
ويبرز الفيلم قدرتنا على استخلاص المعنى من بيئتنا من خلال الوعي الغرضي والعمل التأملي. تتجرأ الشخصيات على تغيير جذري في فهمها للوجود وكيف ترتبط الوكالة البشرية دائما بالوكالة غير البشرية نظرا إلى القوى البيئية المحيطة بنا. السينما نادرا ما تتناول ترابط الإنسان وكائنات غير الإنسان، ولكن العمل يتبنى على نحو استثنائي منهجا تأويليا في تصويب الإنسان كجزء من العالم الطبيعي. إنها تستخدم جماليات خلابة لتمنحنا رؤية أفضل لمكاننا ضمن الكون. “أنيماليا” يهدف إلى رؤية شاملة للعالم، ووحدة الأشياء جميعها.
ربما ما وجدته أكثر إعجابا في فيلم صوفيا علوي هو أنه ينجح في النظر إلى الخارج والداخل في الوقت ذاته. ينشئ العمل اتصالا متوازنا بين المناظر الخارجية، مثل الكون والمشاهد الداخلية للوعي البشري. تمر الشخصية الرئيسية بتحول روحي بينما العالم من حولها يتغير. الحدث الكوني المحيط بها هو مجرد انعكاس لحالتها الداخلية.
وتستخدم المخرجة تأثيرات بصرية دقيقة بالحد الأدنى، ومع ذلك، يبدو أن الفيلم يُشعر بالواقعية أكثر من معظم أفلام الخيال العلمي ذات الميزانية الكبيرة. كما تساعد كيفية استخدام العلوي لنمط التصوير الوثائقي في تعزيز عالمها السينمائي. في الواقع، معظم أفراد الطاقم هم ممثلون غير محترفون، فوجود هؤلاء من غير محترفي التمثيل مهم، وخاصة في خلق الصدق والانسجام مع الخلفية في أي مشهد. وقدمت أميمة باريد ومهدي دهبي أداء مميزا كروحين ضائعتين تجدان بعضهما البعض في ظروف غير عادية.
من الرائع رؤية مخرجة في أول فيلم طويل لها تعبر عن أعمق أفكارها الداخلية بجرأة وحساسية، إذ تمزج الصور بسلاسة بين الواقع والسريالية، وبين الطبيعي والخارق، وبين المادي والروحي، والنتيجة النهائية لا تقل عن فيلم تجاوزي.