قضية المرأة الحامل في تطوان تُشعل الجدل السياسي… والمعارضة تُحاكم واقع الصحة العمومية

0
130

في فجر يومٍ بارد من أبريل 2025، لم تكن صرخة “أم تزروت” مجرّد استغاثة عابرة لامرأة حامل تُركت تتنقّل بين الطرقات الوعرة شمال المغرب، بل تحوّلت إلى لحظة فاصلة في النقاش الوطني حول مصير المنظومة الصحية، عندما رفض مستشفى سانية الرمل الإقليمي بتطوان استقبالها وهي في حالة مخاض.

الصورة المؤلمة للواقعة، التي انتشرت بشكل فيروسي على وسائل التواصل، لم تمر مرور الكرام على الشارع ولا على المعارضة داخل قبة البرلمان.

محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، كان أول من خرج ببيان قوي النبرة، مطالبًا وزير الصحة خالد آيت الطالب بتحمل مسؤوليته السياسية، متسائلًا: “أين ذهبت شعارات الحماية الاجتماعية الشاملة؟ وأين هو الالتزام السياسي اتجاه ساكنة المغرب العميق؟”

“حادثة فردية؟ أم تجلٍ لمنظومة تحتضر؟”

المعارضة، وعلى رأسها حزب الحركة الشعبية، ترفض توصيف ما جرى في تطوان بأنه حادث معزول. أوزين اعتبر الواقعة ناقوس خطر يفضح اختلالات هيكلية عمرها عقود، تُعري فشل السياسات الحكومية المتعاقبة، وتضع الحكومة الحالية في مواجهة امتحان “الإنصاف المجالي” و”كرامة المواطن”.

“ما فائدة الميزانيات والتقارير الوزارية إن كانت امرأة في القرن 21 تموت على عتبات مستشفى عمومي؟”، تساءل أوزين في جلسة رقابية استثنائية، ملوحًا بمقترح تشكيل لجنة تقصي برلمانية حول وضعية وحدات التوليد في المناطق النائية.

تشريح الأزمة: بين الأرقام والتجاهل السياسي

وفق تقرير سابق لوزارة الصحة، يسجّل المغرب عجزًا يفوق 40% في أقسام الولادة، خاصة في المناطق القروية والجبلية. غير أن تخصيص الموارد لا يواكب الحاجيات، بل يسير في اتجاه تقليص تدريجي لموازنات الصحة، من 6.2% إلى 5.8% من الناتج المحلي في 2024، حسب ما أكده أوزين في مداخلته.

فما الذي يمنع إطلاق وحدات توليد متنقلة في المناطق المحرومة كما فعلت دول أقل موارد كـتونس أو السنغال؟ ولماذا لا تُنشر تقارير شفافة حول وفيات الأمهات بسبب رفض الاستقبال أو انعدام التغطية الصحية؟

“بين الوزير وآيت الطالب”: تسييس الصمت وذكاء المعارضة

محمد أوزين لم يفوّت الفرصة ليربط بين الحادثة وفشل التصور الحكومي للحماية الاجتماعية. فبالنسبة له، الأزمة لم تعد تقنية، بل أصبحت سياسية وأخلاقية. فبينما يُروّج وزير الصحة لمكاسب رقمية تتعلق بتعميم “AMO” وتوسيع قاعدة المستفيدين من “راميد”، يواجه الواقع مقاومة مريرة من قِبل البنيات التحتية شبه المنهارة.

“الوزير  لا يمكنه أن يُصلح المنظومة بنفس الذهنيات القديمة. نحن بحاجة إلى إعلان طوارئ صحية في المغرب غير النافع”، ختم أوزين مداخلته.

الكرامة على المحك: المغرب القروي بين التهميش واللاعدالة الصحية

من جماعة تزروت إلى مستشفى سانية الرمل، قطع الجنين الذي لم يولد بعد عشرات الكيلومترات بلا اسم، بلا ملف طبي، بلا ضمان صحي، وربما بلا حق في الحياة. في المقابل، تستمر الخطب الوزارية في الحديث عن الرقمنة، والمراكز الصحية الجهوية، والتحول الهيكلي، دون أثر حقيقي على الأرض.

هل نحن أمام خلل إداري؟ أم أمام فلسفة حكم تنظر إلى مواطني الهامش كأرقام لا أكثر؟

أوزين كصوت معارض… أم كقائد بديل؟

الملف الصحي، الذي ظل إلى وقت قريب هامشيًا في النقاش السياسي المغربي، قد يتحول إلى سلاح انتخابي حاسم. محمد أوزين، بشعبيته في العالم القروي وحنكته في توجيه الخطاب السياسي بلغة المواطن البسيط، يُقدّم نفسه اليوم كزعيم يضع “الكرامة” في صلب المعارضة.

فهل تكون “أم تزروت” وقودًا لتغيير جذري؟ وهل تصنع صرخة سيدة مجهولة هوية التحول السياسي القادم؟

الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة، بين حكومة تدافع عن “الممكن”، ومعارضة تقرع جرس “المستحيل”.