“مدونة الأسرة بين تحديث القوانين ومخاوف تجاوز الشريعة: أي مستقبل للأسرة المغربية؟”

0
178

مع إعلان وزير العدل عبد اللطيف وهبي التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة، فتح الباب لنقاش واسع حول مدى توافق هذه التعديلات مع أحكام الشريعة الإسلامية من جهة، واستجابتها للتحديات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة من جهة أخرى.




القضايا المطروحة، من الطلاق والتعدد إلى النفقة والحضانة، تلقي الضوء على محاولة الدولة تحقيق التوازن بين التطور التشريعي ومتطلبات الشرع.

الزواج: هل تواكب التعديلات مستجدات العصر؟

توثيق الخطبة والزواج عن بُعد

التعديل المقترح: السماح بتوثيق الخطبة وتسهيل إجراءات الزواج بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، بما يشمل إمكانية عقد الزواج دون الحاجة إلى شاهدين مسلمين في بعض الحالات.
القراءة الشرعية:

  • الشرع يشترط وجود شاهدين عدلين في عقد الزواج لضمان علنيته، وهو ما أشار إليه الحديث الشريف: “لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل” (رواه الترمذي).

  • التعديل يُثير التساؤلات حول مدى ضمان هذه التسهيلات للشفافية وحماية الحقوق، خاصةً في المجتمعات التي تختلف فيها القوانين المحلية عن الأحكام الشرعية.

إلزامية رأي الزوجة في التعدد

التعديل المقترح: اشتراط موافقة الزوجة الأولى كتابةً في حالة التعدد، مع حصر الحالات في العقم أو المرض المانع من المعاشرة الزوجية.
القراءة الشرعية:

  • الإسلام أباح التعدد ضمن شروط، أهمها العدل، دون اشتراط موافقة الزوجة الأولى. قال الله تعالى: “فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً…” (النساء: 3).

  • التعديل قد يُفسر كتقييد لحق شرعي، مما يُثير تساؤلًا حول كيفية الموازنة بين النصوص الشرعية وحماية الحقوق الاجتماعية.

تحديد سن الزواج

التعديل المقترح: تحديد السن الأدنى للزواج بـ18 عامًا، مع استثناء خاص للقاصرين بعمر 17 عامًا تحت شروط صارمة.
القراءة الشرعية:

  • الشريعة لم تُحدد سنًا معينًا للزواج، بل اعتمدت على البلوغ والنضج.

  • هذا التحديد القانوني يُعدّ محاولة لحماية القاصرين من الزواج المبكر، لكنه قد يُثير جدلًا في المجتمعات التي ترى في التقييد تعارضًا مع النصوص الشرعية.

الطلاق والنفقة: تسهيل الإجراءات أم تقويض الأسرة؟

الطلاق الاتفاقي خارج القضاء

التعديل المقترح: السماح للزوجين بتوثيق الطلاق باتفاق مباشر دون الحاجة إلى سلوك مسطرة قضائية.
القراءة الشرعية:

  • الشرع يُجيز الطلاق ولكنه يُشدد على الإصلاح قبل وقوعه: “فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ…” (البقرة: 229).

  • التسريع في إجراءات الطلاق قد يُقلل من فرص الإصلاح، مما يستدعي وضع آليات صارمة لضمان استقرار الأسرة.

الحضانة والنفقة المشتركة

التعديل المقترح: اعتبار الحضانة حقًا مشتركًا بين الوالدين، مع تعزيز الحق في سكن المحضون ووضع ضوابط واضحة للزيارة والسفر.
القراءة الشرعية:

  • الحضانة في الشرع تُعطى للأم ما لم تتزوج، مع مراعاة مصلحة الطفل أولًا.

  • التعديل يُظهر توجهًا لتوسيع مفهوم الحضانة المشتركة، مما قد يُثير تساؤلات حول كيفية التوفيق بين التشريع الإسلامي ومتطلبات العدالة الاجتماعية.

تأطير الأموال المكتسبة خلال الزواج

التعديل المقترح: اعتبار عمل الزوجة في المنزل مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة أثناء الزواج.
القراءة الشرعية:

  • الشرع يُقر بحق المرأة في الاحتفاظ بأموالها الشخصية: “لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ…” (النساء: 32).

  • التعديل يُعزز مكانة الزوجة القانونية لكنه يتطلب آليات لضمان عدالة التقييم والتطبيق.

أسئلة مفتوحة للنقاش

  1. كيف تُحقق التعديلات المقترحة التوازن بين النصوص الشرعية والتطور التشريعي؟

  2. هل يُمكن اعتبار هذه التعديلات بداية حقيقية لإصلاح مدونة الأسرة؟ أم أنها محاولة للتوفيق بين مطالب داخلية وضغوط دولية؟

  3. كيف يُمكن للإعلام والمجتمع المدني المساهمة في توضيح الإشكالات المطروحة وطرح بدائل تحقق الإنصاف للجميع؟

خاتمة: إصلاح مدونة الأسرة.. خطوة إلى الأمام؟

تُعد التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة محاولة جادة لتحديث التشريعات ومواكبة المتغيرات الاجتماعية. ومع ذلك، فإنها تُثير تساؤلات عميقة حول مدى احترامها للأحكام الشرعية وقدرتها على تحقيق العدالة الاجتماعية.

النقاش يظل مفتوحًا حول كيفية تحويل هذه التعديلات إلى خطوات عملية تُحافظ على استقرار الأسرة وتُحقق تطلعات المجتمع المغربي.