مصطفى بنعلي يثير جدلاً واسعاً بالمغرب بسبب حديثه عن الانتقال من “مشروع دولة إسلامية إلى ليبرالية”..هل المغرب دولة إسلامية أم علمانية؟

0
297

أثارت تصريحات الأمين العام لحزب “جبهة القوى الديمقراطية”، مصطفى بنعلي، أثناء استقباله من قبل رئيس الحكومة المكلف، عزيز أخنوش، أمس الأربعاء، جدلاً واسعاً في الأوساط المغربية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بعد حديثه عن انتقال المملكة المغربية الشريفة من “مشروع دولة إسلامية” إلى “مشروع دولة مجتمعية ليبرالية”.

وكان أمين عام حزب “جبهة القوى الديمقراطية”، قد قال في تصريح صحافي، يوم أمس، مباشرة بعد استقباله من طرف عزيز أخنوش في إطار مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة: “نحن كحزب وكحساسية سياسية نعبر عن دعمنا لكل التوجهات التي تخدم مصلحة الناخبين في هذه المرحلة الدقيقة التي انتقل من خلالها المغرب من مشروع دولة إسلامية إلى مشروع دولة مجتمعية ليبرالية ديمقراطية”.




 

وقال بنعلي “نحن كحزب وكحساسية سياسية نعبر عن دعمنا لكل التوجهات التي تخدم مصلحة الناخبين في هذه المرحلة الدقيقة التي انتقل من خلالها المغرب من مشروع دولة إسلامية إلى مشروع دولة مجتمعية ليبرالية ديمقراطية”.

ولفت إلى أن هذا المشروع يحتاج لدعم كل الفئات الاجتماعية والسياسية، باعتبار أن “المغرب يعيش في مرحلة تحول لقوة إقليمية صاعدة”.

التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها زعيم جبهة القوى الديمقراطية، تفاعل معها رواد مواقع التواصل، من خلال طرح تساؤلات ذات دلالات متعلقة بتوقيت طرحها، مبدين استغرابهم من إقدامه على ذلك، معتبرين أنها تتنافى مع قيم المغاربة الدينية ومضمون دستور 2011 وهوية الدولة، فيما أشاد آخرون بهذه التصريحات.

وفي هذا السياق، المقرئ المغربي، عمر القزابري: “إن كل من يعزف على وتر إبعاد الناس عن دينهم الذي ارتضاه لهم ربهم، إنما هو واهم منبث عن الواقع، مقطوع عن حقائق الأمور، يهرف بما لا يعرف ويتمنى ما لن يكون”.

وتابع: “إن مناوشة الناس في دينهم هو ضرب من الجنون ونوع من الخبال، وهو مع ذلك تطاول على مقدسات وثوابت تعارف عليها الناس واختلطت بلحمهم ودمهم”.

من جهته، علّق الصحافي المغربي جمال اسطيفي في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على “فيسبوك”: “نتائج الانتخابات التشريعية نقلت المغرب من مشروع الدولة الإسلامية إلى دولة ليبرالية!!! هذا التصريح من قبيل المضحكات المبكيات، وهو عنوان على أننا نعيش زمن الانحطاط والتردي السياسي”.

كما اتهمه البعض بأنه لم يقرأ الدستور، وتحديداً الفصل الثالث الذي يقر على أن الإسلام دين الدولة وأن الدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية.

وكتب أستاذ الدراسات السياسية والدولية، ورئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، عبد الرحيم منار السليمي، على حسابه عبر”فيسبوك”: “نحتاج إلى توضيح من أين آتى بهذا الكلام؟ وما هي دلالة هذا الكلام بعد خروجه من جلسة مع رئيس الحكومة المُعين، وهل يعرف زعيم حزب المرحوم التهامي الخياري خطورة هذا الكلام؟”.

واستهجن الناشط عبد العزيز أبو سفيان في مقال بعنوان”إسلامية الدولة المغربية وتدليس بنعلي”، أن يدلي الزعيم المغربي بمثل هذه التصريحات أمام رئيس الحكومة المكلف أخنوش، مشيرا إلى أنه بذلك يحاول إفراغ الدولة المغربية من إسلاميتها والسعي  لذلك بكل “تدليس وتلبيس”، على حد تعبيره.

وأوضح أن أحدا لا يستطيع أن ينفي صفة الإسلامية عن الدولة المغربية، تاريخياً وواقعياً، قائلاً: “عبر قرون من الزمن وأغلب المغاربة يدينون بالإسلام، ولو كان منهم عصاة أو مخالفون للشريعة أو كانت أقليات غير مسلمة، فهذا معروف معلوم لكنه لا ينفي إسلامية الدولة، لأن الاستثناء لا يلغي الحكم”.

كما طالب بإصدار فتوى تبين ما أسماه “الانحراف” الذي يقع فيه بنعلي، الذي يزعم أن المغرب انتقل من مشروع دولة إسلامية إلى مشروع دولة علمانية ليبرالية.

من جهته، اعتبر الناشط السياسي، محمد الإدريسي، إن أمين عام “جبهة القوى الديمقراطية” كشف ضعف تكوينه، ويصدق فيه قول سقراط: تكلم حتى أراك”، لافتاً في تدوينة له إلى أن طبيعة الدولة ومرجعياتها يحددها الدستور، وليس مخرجات الانتخابات.

هل المغرب دولة إسلامية أم علمانية؟

رحم الله الأستاذ التهامي الخياري الرجل الوطني الذي أسس حزب جبهة القوى أصلا دفاعا عن دستور 1992 ، والذي يحكى أن آخر كلامه قبل وفاته ، أن قال لشخصية نافذة اتصلت به ” أتمنى فقط أن تكون البلاد بخير ” .

يجيبُ أحمد الخنبوبي أن النّموذج المغربي يبرزُ كون البلد علمانيا، لكنها علمانية غير مكتملة، حتى لو أنّ الدّستور يوحي من النّاحية الشّكلية بأن المملكة المغربية دولة دينية، على اعتبار أن الإسلام دين الدّولة والملك هو أمير المؤمنين.

إذ ينص تصدير دستور المملكة المغربية على أن ” المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة…” كما أن الفصل السادس ينص على أن “الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية” كما أن الفصل التاسع عشر ينص على كون ” الملك أمير المؤمنين … وهو حامي حمى الدين…” من خلال بنود الدستور السالفة الذكر يتبين أن أسمى وثيقة قانونية في البلاد أي الدستور تنص على دينية الدولة المغربية، عكس الدستور الفرنسي مثلا الذي ينص صراحة على فصل الدين عن الدولة، وعن علمانية الجمهورية الفرنسية.

قال الكاتب أحمد الخنبوبي ، تنصيص الدستور المغربي على أن الدولة إسلامية يعني أن، جميع القوانين التي سيشرعها المشرع المغربي يجب أن تحترم تدرج القوانين، وأن تكون دستورية بما أن الدستور هو أسمى وثيقة قانونية أي أن تكون كل القواعد القانونية المنظمة للعلاقات بين المواطنين (القانون الخاص) وتلك المنظمة للعلاقات بين المواطنين والدولة (القانون العام) محترمة للإسلام والشريعة الإسلامية.

لو عدنا إلى المنظومة القانونية المغربية، سواء القانون الجنائي أو قانون الأعمال أو قانون التّجارة، فكلّها تُعبّر عن التوجه العلماني للدّولة. ويظهرُ لنا أنّ هذه الترسانات علمانية، بل دنيوية ووضعية، لكن الواقع القانوني واليومي المغربي الآن يفندان ما يتضمنه الدستور من كون المغرب دولة إسلامية وبالتالي يمكن القول بعدم دستورية القوانين، والتشريعات المغربية،حيث يتبين أن كل القوانين المغربية الحالية لا تمت لشريعة الإسلامية بأية صلة بل هي مبنية في الحقيقة على القواعد القانونية المستمدة أساسا من القانون الفرنسي الوضعي . لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما سر هذه الازدواجية بين واقعنا الدستوري، وواقعنا القانوني والحياتي؟

ويعتقد ، الكاتب أحمد الخنبوبي ، أن هذه الازدواجية ترجع بالأساس إلى مسألة المشروعية السياسية ، فكلنا نعلم أن النظام السياسي المغربي ينبني على ثلاث مشروعيات أهمها وأولها المشروعية الدينية إذ يعتبر الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الدين وبالتالي توفره على حماية دينية تخوله ممارسة الحكم ثم المشروعية التاريخية المستمدة من النسب الشريف، والمشروعية التعاقدية بين الملك والرعايا التي تجسدها البيعة والولاء، يتبين إذن اعتماد المشروعية الملكية في المغرب على هرم ثلاثي الأبعاد أساسه المشروعية الدينية مما يحتم إدراجها في الدستور.

يضيف الخنبوبي، أما المسألة الثانية التي تفسر هذه الازدواجية هي طبيعة المجتمع المغربي المتبنى للعلمانية كقيمة اجتماعية تجسدها الأعراف الأمازيغية بالمغرب منذ الآلاف السنين حيث لم يلجأ المغاربة قط إلى إدراج الدين في دهاليز السياسة، إيمانا بقدسية وحرمة الأديان واعترافا بحرية الاعتقاد والممارسة الدينية، فالعمل السياسي حسب الفيلسوف الإيطالي “ميكافيلي” يقتضي التمويه والمواجهة والمماطلة، وممارسة العنف المادي والمعنوي، وإدراج الدين في هذه المسائل يجرده من قيمه الأخلاقية والانسانية النبيلة التي جاء لغرسها في النفوس، وتتجلى بوضوح علمانية المجتمع الأمازيغي في طريقة تسيير شؤون القبيلة الأمازيغية على مر العصور وطريقة التشريع وإصدار القوانين من طرف ” انفلاس” ومجلس القبيلة حيث لا يحق لرجل الدين أو الفقيه التدخل في مداولات المجلس وإنما يتجلى دوره في مهام ذات دلالات رمزية حيث يتولى مهام التوثيق والتقرير في ألواح القبيلة. ولهذا كانت الحركة الأمازيغية بالمغرب منذ نشأتها سباقة إلى الدعوة بإقرار علمانية الدولة المغربية وترى الحركة الأمازيغية أنه لتحقيق مجتمع مغربي حداثي ومتقدم ومعترف بحق الاختلاف الديني والثقافي لابد من إقرار مبدأ العلمانية بالدستور المغربي.

الحقوقي عبد الحميد أمين، يعتبر في أحد تصريحاته الصحافية أنّه، “في المغرب حاليًا، نظرًا إلى أن دين الدولة دستوريًا هو الإسلام ونظرًا إلى سيادة المذهب السني المالكي، لا يحق للشخص الذي يولد في عائلة مسلمة أن يعتنق ديانة أخرى أو حتى مذهبًا إسلاميًا آخر. بل إن الإقرار بإسلامية الدولة يفرض تطبيق الشريعة في عدد من المجالات، كالأحوال الشخصية، ما يضع قيودًا على حرية المرأة وحقوقها المتعارف عليها كونيًا، ويعرقل إقرار المساواة بين الرجل والمرأة”.

يبقى “قانون الأحوال الشّخصية هو الوحيد الذي يستمدّ مبادئه من الدّين، لكون مدوّنة الأسرة شأنا دينيّا وكذلك المواريث، فتحتكم إلى الشّرع عملياً”. 

ببساطة، لو كان المغرب علمانياً، لما كان المسلمون، في بعض المناطق بالمملكة، يدعون على غير المسلمين كلّ خطبة جمعة، بقولهم: “اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين!”

من ناحية أخرى، يذهبُ بعض الحقوقيين إلى وجهة نظر مؤدّاها، أنّ “الفيتو” الذي يُرفع دائما ضد حقوق النساء في المغرب، وهن نصف المجتمع، هو فيتو الشريعة واستعمال الدّين في الدولة ومدونة الأحوال الشخصية. والعلمانية هي الوعاء العملي لإسقاط هذا “الفيتو”، وإفراغه من جدواه، لتحقيق المساواة بين الجنسين.

أيضاً، فإن من الأشياء الخطيرة التي يطالبُ العلمانيون المغاربة ببترها جذرياً، هي بعض فصول القانون الجنائي، التي يعتبرونها “رجعيةً”. سيما الفصل 490، الذي يجرّم العلاقات الرضائية خارج إطار الزّواج، ويعتبرها فساداً. وكذلك الفصل 222 الذي يعاقب بالسجن كل من “عرف بانتمائه للإسلام” وأفطر علنا خلال شهر رمضان، وغيرها من الفصول المجحفة في حق حريات الأفراد.