ملف دعم استيراد المواشي.. هل يتهرب رئيس الحكومة من المساءلة؟ ولماذا تثير المطالبة بالشفافية هذا التوتر السياسي؟

0
229

عندما تصف المعارضة ملف الدعم بـ”المشبوه”، ويرد رئيس الحكومة بتهمة “الكذب”.. فهل لجنة التقصي ضرورة أم صراع إرادات؟

في سياق سياسي واجتماعي مطبوع بتوتر خفي بين الحكومة والمعارضة، خرج حزب التقدم والاشتراكية، عبر أمينه العام نبيل بنعبد الله، بمطالبة صريحة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش بضرورة قبول تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق حول ملف الدعم الموجه لاستيراد المواشي، والذي أثار جدلاً واسعاً خلال السنتين الأخيرتين، خاصة قبيل عيد الأضحى.

فلماذا كل هذا التوجس من فتح تحقيق برلماني؟ وهل في الشفافية ما يزعج السلطة التنفيذية؟ وهل تتحول الأداة الرقابية الدستورية إلى اختبار حقيقي لنزاهة القرار العمومي؟

بين لجنة التقصي و”المهمة الاستطلاعية”.. معركة المفاهيم أم تغليب للتكتيك السياسي؟

بينما ترى المعارضة في لجنة تقصي الحقائق خياراً دستورياً له طابع إلزامي ومسؤول، تفضل الحكومة، ومعها بعض مكونات الأغلبية، الاكتفاء بـ”مهمة استطلاعية”، وهو ما تعتبره المعارضة تحايلاً على جوهر الرقابة.

وهنا يطرح السؤال نفسه:ما الذي تخشاه الحكومة من لجنة تقصي تتمتع بصلاحيات واسعة؟

هل هو غياب معطيات دقيقة؟ أم خشية من كشف تضارب مصالح محتمل بين الفاعلين الحكوميين وبعض المستوردين؟

ما حجم المال العام الذي صرف؟ ومن استفاد فعلاً؟

تشير المعطيات المتوفرة إلى أن الدعم الحكومي شمل إعفاءات ضريبية وجمركية، إضافة إلى دعم مالي مباشر لمستوردي الأغنام المخصصة للذبح خلال عيد الأضحى لسنتي 2023 و2024، بتكلفة تقدر بـ مليارات الدراهم.

لكن:

  • من هم المستفيدون الحقيقيون من هذه الإجراءات؟

  • هل تم احترام شروط الشفافية وتكافؤ الفرص؟

  • ما مدى انعكاس هذا الدعم على أسعار اللحوم في الأسواق؟

  • هل استفادت الفئات الهشة فعلاً أم كانت هناك فئة محظوظة استأثرت بالدعم؟

تجاذب سياسي أم دفاع عن المال العام؟

في بلاغها، اعتبرت فرق المعارضة (التقدم والاشتراكية، الحركة الشعبية، والعدالة والتنمية) أن دعم استيراد المواشي تحوّل إلى نقطة سوداء في التدبير العمومي، يستوجب تسليط الضوء عليه لتنوير الرأي العام.

وإن كانت الحكومة ترد بوصف المبادرة بأنها مجرد “مزايدة سياسية”، فالمعارضة ترى أن الرد الحقيقي لا يكون بالخطابات، بل عبر القبول بالآلية الدستورية الأرقى للرقابة: لجنة التقصي.

أزمة ثقة أم صراع شرعية؟

ما بين الاتهام بـ”الكذب” والدعوة لـ”كشف الحقيقة”، يبدو المشهد وكأنه يعكس أزمة ثقة أعمق في العلاقة بين المؤسسات، وفي الطريقة التي تُدار بها ملفات ذات طابع حساس كالأمن الغذائي والدعم الاجتماعي.

فهل تملك الأغلبية الجرأة للقبول بلجنة تحقق نيابية مستقلة؟
أم أن الحسابات السياسية والحزبية ستظل تعرقل أدوات الرقابة، وتزيد من تفاقم فجوة الثقة بين المواطن والدولة؟

خلاصة: المعارضة، حين تطالب بالحقيقة، لا تملك أدوات تنفيذية، لكنها تملك ما هو أقوى: سلاح المصداقية أمام الرأي العام. والحكومة، إذا ما تهربت من لجنة تقصي الحقائق، قد تكون تضعف موقفها بنفسها، لأن التهرب من الشفافية يساوي الإقرار بالشك.