في مشهد يعكس أزمة التسيير الرياضي في المغرب، تتزايد الأصوات المطالبة بفتح تحقيق شامل في تدبير الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى. فبعد سنوات من السيطرة المطلقة لعبد السلام أحيزون على كرسي الرئاسة، بدأت تلوح في الأفق تساؤلات مشروعة حول أسباب استمرار هذا الجمود الإداري، خاصة بعد استبعاده من رئاسة شركة “اتصالات المغرب”. فهل الدور قادم على الجامعة؟ أم أن هناك جهات تحميه من المساءلة؟
فشل رياضي يفضح أزمة التسيير
تتزامن هذه المطالب مع فشل جديد للرياضة الوطنية، حيث لم يتمكن أي عداء مغربي من التأهل لبطولة العالم لألعاب القوى 2026 وفق المعايير الدولية، مما يعد سابقة خطيرة في تاريخ المغرب الرياضي. ورغم اقتصار المشاركة على ثلاثة عدائين فقط بناءً على التصنيف العالمي، إلا أن هذا الإنجاز الهزيل يثير العديد من التساؤلات حول استراتيجيات الإعداد، وبرامج التأهيل، وكيفية استثمار الموارد المالية المخصصة لتطوير هذه الرياضة.
إن هذا الإخفاق لم يكن مفاجئًا، بل هو نتيجة حتمية لغياب رؤية استراتيجية حقيقية داخل الجامعة. فرغم الإمكانيات الكبيرة التي تتوفر عليها ألعاب القوى المغربية، إلا أن غياب برامج فعالة وتأهيل مستدام جعل البلاد تفقد بريقها على الساحة الدولية.
فما الذي يمنع الجامعة من إحداث ثورة في التكوين والتدريب؟ ولماذا تُدار ألعاب القوى بعقلية تقليدية لا تستجيب لمتطلبات العصر؟
19 عامًا من السيطرة: أين الحكامة؟
منذ 2006، ظل عبد السلام أحيزون رئيسًا للجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى، في خرق واضح لمبدأ التداول على المسؤولية الذي يُعد أحد أسس الحكامة الجيدة. فرغم مرور 19 عامًا، لم تشهد ألعاب القوى أي قفزة نوعية، بل عاشت على إنجازات الماضي دون القدرة على إنتاج جيل جديد من الأبطال القادرين على المنافسة عالميًا.
تشير تقارير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في الرياضة إلى وجود اختلالات مالية وإدارية خطيرة داخل الجامعة، أبرزها غياب المحاسبة والشفافية في تدبير الموارد المالية، وهو ما يجعل التساؤل عن مآل هذه الأموال أمرًا مشروعًا.
لماذا لم تنعكس الميزانيات الضخمة على مستوى أداء العدائين؟ وهل هناك سوء تدبير أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى شبهة فساد؟
بين الإعفاء من “اتصالات المغرب” والمصير الغامض للجامعة
يأتي هذا الجدل في أعقاب الإعفاء المفاجئ لعبد السلام أحيزون من رئاسة “اتصالات المغرب”، وهو القرار الذي اعتبره البعض مؤشرًا على تراجع نفوذه داخل دوائر صنع القرار.
فهل ستظل جامعة ألعاب القوى حصنه الأخير، أم أن الرياح ستجرفه خارج أسوارها أيضًا؟
في ظل هذا الوضع، بات من الضروري فتح تحقيق مستقل حول طريقة تدبير الجامعة، خاصة على مستوى التسيير المالي والإداري، مع تفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
فالمغرب لا ينقصه المواهب، بل يحتاج إلى قيادة رياضية تؤمن بالتطوير الحقيقي بدلًا من تكريس المصالح الشخصية.
هل تتحرك الجهات المعنية؟
إن بقاء عبد السلام أحيزون على رأس الجامعة رغم كل هذه الإخفاقات يطرح تساؤلًا كبيرًا: هل هناك جهات تحميه من المحاسبة؟ ولماذا لم يتم تفعيل القوانين التي تفرض تحديد مدة الرئاسة داخل الجامعات الرياضية؟
الكرة الآن في ملعب وزارة التربية الوطنية والتعليمي الأولي الرياضة، واللجنة الأولمبية الوطنية، وأجهزة الرقابة المالية. فإما أن تتحرك الدولة لضمان عدالة التسيير الرياضي، أو أن يستمر هذا الواقع الذي يهدد مستقبل ألعاب القوى المغربية.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: متى يدرك المسؤولون أن الرياضة ليست مجرد مقاعد تدبيرية، بل هي مشروع وطني يحتاج إلى رجال يؤمنون بالتغيير والتطوير؟