هروب مصارعين مغاربة بمجرد الوصول إلى أوروبا.. هل يصلح العطّار ما أفسده الدّهر ..؟

0
189

محاوَلة إصلاح ما أفسده الدهر.. تبدو المهمَّة المستحيلة هذه الأيام؛ فالنفوس كلما كبرت – ولا أعني هنا بكبر النفوس ترفُّعها عن سفاسف الأمور، بل كبرها العُمري وتصلبها على شاكلة تجعل منها شيئًا معقَّدًا – مِن الصعب جدًّا إقناعها بخطأ ما أو أن تتراجَع عن قرار. 

فقد أكد فؤاد مسكوت، رئيس الجامعة الملكية المغربية للمصارعة، هروب لاعبين اثنين من المنتخب الوطني لأقل من 23 سنة، مباشرة بعد وصولهما إلى صربيا، من أجل المشاركة في بطولة العالم للعبة، التي تحتضنها العاصمة بلغراد منذ الفاتح من نونبر وإلى غاية السابع، بعد أن خرجا من الفندق أمس الاثنين، وغابا عن حضور التداريب.

وقال مسكوت،رئيس الجامعة الملكية المغربية للمصارعة المماثلة ورئيس الاتحاد الأفريقي للمصارعة، أن “هروب المصارعين في صربيا أعقبته تفاعلات من المدير التقني ورئيس الوفد الذين بادرا إلى تسجيل شكاية لدى المنظمين ولدى الأمن حول عملية خروج من الفندق وعدم الحضور إلى التداريب وقدموا الوقائع بتفاصيلها بكل مصداقية”.

وأوضح مسكوت، أن “مثل هذه المآلات المؤسفة ومثل هذا النزوح الاضطراري كانت الجامعة في السابق ومنذ أربع سنوات تضع فيها شكاية ضد مجهول لكن اليوم الأمر مختلف، فهناك مغررون وجهات تقف وراء هذه العمليات”، مضيفا أنه “تم وضع شكاية أيضا في المغرب لمواجهة كل من تبث أو سيثبت تورطه في هذا العمل الشنيع، عبر التغرير وتنظيم الاتجار في البشر”.

وبشأن الإجراءات التي اتخذتها الجامعة مع باقي المصارعين، ذكر مسكوت أنه “عندما وصل الخبر وتفاعلت معه الجامعة وجدنا أنه من الضروري أن يتم توقيف العناصر الأخرى القادمة من المغرب وهو قرار اتخذه المدير التقني بشكل عاجل من أجل الرفع من اليقظة ودرجة الحذر والاحتياط”، مشيرا إلى أن “المشاركة المغربية ستقتصر على الحضور النسوي”.

وعزا المتحدث ذاته، هروب المصارعين إلى “استهداف من عصابة مختصة في التغرير وفي عملية الاتجار بالبشر”، مؤكدا أن الجامعة ستفتح تحقيقا دقيقا وقانونيا لفضح كل من ثبت تورطه في العملية لينال جزاءه”، وقال “هذه العملية تتعلق بخيانة الأمانة وهي إضرار بحقوق الجامعة كجهاز مشرف على اللعبة”.

ففي أكتوبر/تشرين الأول 2019، اكتفى مسكوت رئيس الجامعة الملكية للمصارعة باختيار أربعة مصارعين لتمثيل المغرب في بطولة العالم ببودابست الهنغارية، إذ حرص على انتقاء رياضيين “غير مرشحين للهجرة السرية”، ينتمون إلى السلك العسكري، رفقة فريق نادي الجيش الملكي، أو لديهم جنسية أوروبية، وهو ما يعني استحالة هروبهم.

وبات اختيار الرياضيين الذين يمثلون المغرب في البطولات الدولية التي تقام في دول أوروبا ضمن منطقة “شينغين” لا يستند فقط على المستوى الرياضي، بل يستند كذلك على “فرضية الهجرة غير النظامية”، التي أساءت إلى سمعة الرياضة المغربية.

وجرى، أمس الاثنين، إعادة انتخاب فؤاد مسكوت في عضوية المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي للمصارعة، عقب مؤتمر احتضنته بلغراد، إلى جانب انتخاب الرئيس وخمسة أعضاء آخرين من المكتب التنفيذي الذي يضم 18 عضوا يمثلون القارات الخمس.

وبات تكرار وقائع هروب الرياضيين في المغرب مع توالي السنوات يعطي المؤسسات المعنية “الحق” في الإحجام عن الخروج بتوضيحات حول ملابساتها، مادام أن الرياضي “اختفى وسره معه”، ولم يكل الاتهامات لمسؤولي القطاع الرياضي، الذين فشلوا في وقف “النزيف”، ولا في وضع منظومة رياضية سليمة، لا تدفع رياضيي المستوى العالي إلى اقتحام المجهول. 

فقبل 6 سنوات اختفى 5 ملاكمين مغاربة من فندق إقامة وفد المنتخب لـ”الكيك بوكسينغ والمواي طاي”، بالعاصمة الصربية بلغراد، أثناء مشاركتهم في بطولة العالم، وعادت البعثة الرسمية للمنتخب المغربي دون خمسة من رياضييها فضلوا الهجرة غير الشرعية، ويتعلق الأمر بكل من حميد باعراب، ومحمد الموخ، وكمال أوسطي، ورياض أزواغ، وطه الصغير.

الهجرة غير النظامية لدى الرياضيين المغاربة لا تقتصر على نوع رياضي محدد، بل تكاد تشمل جميع الأصناف الفردية منها والجماعية، ففي العام 2018 اختفى العداء المغربي أيوب سنيبة، المختص في سباق 1500 متر، وحمل القميص البلجيكي، بعدما مثل المغرب في بطولة العالم للشباب، التي أُجريت ببيداغوست البولونية في السنة نفسها، إذ لم يتردد العداء في قبول عرض التجنيس من قبل وكلاء الاتحاد البلجيكي لألعاب القوى، في ظل الأجواء السيئة التي رافقت رحلة بطولة العالم التي اشتكى العداؤون خلالها من ضعف الاهتمام، و”التقشف” غير المفهوم.

وشهدت السنة ذاتها هروب هشام بولعسل، لاعب منتخب المغرب للكرة الحديدية، في أبريل/نيسان، إذ توارى عن الأنظار مباشرة بعد إسدال الستار على الدوري الدولي لمدينة ريزون البلجيكية، إذ أبلغت البعثة المغربية اللجنة المنظمة والدائرة الأمنية بالمدينة باختفائه، وشدت الرحال للعودة إلى المغرب من دونه.

وسجل العام 2017 هجرة ثلاثة رياضيين مغاربة بطريقة غير شرعية، حيث أبت مريم بوحيد، لاعبة المنتخب الوطني لكرة القدم النسوية إلا أن تدون هروباً رياضياً جديداً بصيغة المؤنث، بعد اختفائها عن البعثة في اليوم نفسه الذي كانت ستعود فيه من الديار الإسبانية، بعد مشاركتها في الدوري الدولي لـ”كوتيف”. 

قبل ثلاثة سنوات، صرّح الطالبي العلمي، وزير الشباب والرياضة المغربي السابق، أن “وزارته تُعد مشروعاً للحد من هجرة الرياضيين المغاربة، وذلك بأوامر من الملك، غير أن تواصل هروب الرياضيين بعد ذلك التاريخ كشف فشل المشروع، الأمر الذي دفع الاتحادات الرياضية إلى اتخاذ إجراءات “ترقيعية”، للحد من الظاهرة، بعيدة كل البعد عن معالجة الأسباب من جذورها، وتحسين وضعية الرياضي وتأمين مستقبله.




لا أدري ما هو السرُّ الكامن وراء تعصُّب البعض لآرائهم التي تَحتمِل المراجعة والخطأ؟ فالبعض منهم يرى في نفسه من الحكمة والخِبرة ما لا يَراه الآخَرون فيه، فتراه جاهدًا يشدُّ اللحاف إلى طرفه، ويريد التحكُّم في آراء الآخرين، ولو بأسلوب العنف والصراخ الذي ينتهي عادةً بنفور المقرَّبين منه قبل البعيدين، أو محاولة إسكاته بهزِّ الرؤوس تجنُّبًا للمزيد من التجريح والخطأ، وتفاديًا للجلطة المحتمَل حدوثها له جراء ارتفاع الضغط والسكَّر لديه، مردِّدين المقولة الشهيرة: “لن يصلح العطار ما أفسده الدهر”.

لم نسمع في كتب التاريخ عن سيرة عظيم من العظماء إلا زادته سنو عمرِه خبرةً وحِكمةً وقربًا من الناس، وكان الشباب يَقصدونه من أقاصي البلاد للتزوُّد مِن علمه وتدوينه أو مُعايَشة واقعِه ونقلِه للبشرية، ولم تكن عدد السنين في دينِنا هاجسًا يدفع كبار الصحابة رضوان عليهم إلى رفْض إمارة أسامة بن زيد رضي الله عنه وسماع أوامره في معركة مصيرية قد تُنهي الحياة بأسرِها، وليس حوارًا قد لا ينفع ولا يضرُّ أحدًا.

إلى متى تبقى هذه النماذج عاجزةً عن تقبُّل الواقع الجديد، وأننا لسنا في زمن الرأي الواحد الذي لا لبس فيه، وأن سنَّ الطفولة قَصُرَ لدرجة أن الصغار بإمكانهم تقليب العالم بين أيديهم بكل سهولة للحصول على أية معلومة أرادوا ومن مصادر شتى!

إلى متى يظل هؤلاء يؤمنون بقانون السيطرة، وأنَّ الغلبة للصوت الأعلى، وأن السكوت علامة الرضا، وإلى متى تظل الدائرة المحيطة بهم على صمتِها المُطبق والمطبٍّق لم تجلب الطواغيت، والمزيد من الآلام، والمزيد من التخلُّف؟!