هل نسي أخنوش أن أمن المغاربة يبدأ من بطونهم؟ قراءة تحليلية في خلفيات الخطاب الحكومي حول الذكاء الاصطناعي

0
188

في افتتاح معرض “جيتكس إفريقيا – المغرب 2025” بمراكش، عاد رئيس الحكومة عزيز أخنوش للحديث عن طموح المملكة في أن تكون فاعلاً دولياً في مجال الذكاء الاصطناعي. حديث يحمل رهانات استراتيجية، لكنّه يثير في المقابل تساؤلات ملحّة حول ترتيب الأولويات الوطنية، خاصة في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يواجهها المواطن المغربي اليوم.

أخنوش أشار في كلمته إلى أن المغرب يدافع عن نموذج لذكاء اصطناعي “أخلاقي ومنظّم وشامل” يحترم حقوق الإنسان ويحمي سرية البيانات. كما أكد على أهمية الأمن السيبراني في مواجهة الهجمات الإلكترونية، داعياً إلى تفكير جماعي لتعزيز هذا الجانب الحيوي.

غير أن الخطاب الرسمي، رغم وجاهته من الناحية التقنية، بدا بعيداً عن نبض الشارع وأسئلة المواطن اليومية، وعلى رأسها الأمن الغذائي. كيف يمكن للحديث عن ذكاء اصطناعي متطور أن يجد صدى في أوساط فئات اجتماعية ما زالت تكافح من أجل الخبز والسكر والماء؟ هل الأولوية اليوم لتوسيع شبكات الجيل الخامس أم لضمان أسعار معقولة في الأسواق؟ وماذا عن العالم القروي الذي لم يصل بعد إلى الحد الأدنى من البنية التحتية والخدمات الأساسية؟

المغرب تبنّى استراتيجية وطنية تحت عنوان “المغرب الرقمي 2030″، ترتكز على رقمنة الإدارة من جهة، وخلق اقتصاد رقمي من جهة أخرى. لكن غياب مقاربة شمولية تجمع بين الرقمنة والتنمية الاجتماعية والعدالة المجالية، يطرح تساؤلات حول مدى واقعية هذا المشروع. هل يمكن أن تتحول الرقمنة إلى قاطرة للتنمية دون ربطها بمنظومة متماسكة تضمن المساواة في الولوج إلى الخدمات والبنيات الأساسية؟

تحدث رئيس الحكومة عن مبادرات لتعزيز الاستثمار في التكنولوجيا، وتكوين الكفاءات، وربط المناطق القروية بالإنترنت، غير أن هذا الخطاب يتطلب تفعيلًا حقيقيًا على الأرض. فلا معنى للحديث عن “المواهب في الذكاء الاصطناعي” في ظل تفشي البطالة بين خريجي الجامعات، وتراجع جودة التعليم العمومي، وهشاشة بنيات التكوين المهني.

الرهان على الرقمنة ينبغي أن يُرافقه وعي بأن التكنولوجيا ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي. بناء “سيادة رقمية” لا يكتمل إلا في ظل سيادة غذائية وصحية وتعليمية. في غياب ذلك، يصبح الذكاء الاصطناعي ترفاً نخبوياً لا يلمس حياة المواطن البسيط، بل يزيد من تعميق الفجوة بين مراكز القرار والقاعدة الشعبية.

تحدث أخنوش أيضاً عن ضرورة جعل إفريقيا فاعلاً وليس مجرد ساحة تجارب. طرح مهم ومشروع، لكنه يظل خطاباً إنشائياً ما لم يصاحبه استثمار في الإنسان الإفريقي وتعليم الأجيال الصاعدة. إفريقيا بحاجة إلى بنى تحتية، نعم، ولكنها بحاجة أكبر إلى فكر استراتيجي يربط بين السيادة الرقمية والتحرر الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.

في الختام، يبقى السؤال مفتوحاً: هل تستطيع الحكومة المغربية أن تجعل من الذكاء الاصطناعي وسيلة لتحقيق التنمية الشاملة؟ أم أن الحديث عن البيانات والبرمجيات سيظل بعيداً عن اهتمامات المواطن العادي الذي يسأل ببساطة: من يؤمن قوت يومه؟ ومن يضمن له كرامته في ظل غلاء الأسعار واحتكار الأسواق؟

الذكاء الاصطناعي مهم، لكن الذكاء السياسي في ترتيب الأولويات أكثر أهمية.