“أتوووووت”.. عندما يصبح الضحك مرآة مغرب اليوم ومسرح باسو مساحة لمواجهة الواقع بلا قفازات

0
200

من باريس إلى مراكش، ثم الدار البيضاء… لا يتعلق الأمر بجولة فنية عادية، بل بـرحلة سردية ساخرة يقدّمها الكوميدي باسو بصوته المختلف وحضوره الهادئ والمربك في الآن نفسه.

“أتوووووت” ليس مجرد عرض فكاهي جديد، بل امتداد طبيعي لمشروع فني يقوم على طرح الأسئلة قبل صناعة القهقهات، وعلى تحويل خشبة المسرح إلى فضاء نقدي اجتماعي بلسان ساخر وضمير يقظ.

من “ماندارين” إلى “أتوووووت”: الكوميديا كخيط رفيع بين السخرية والمكاشفة

بعد نجاح عرضه السابق “ماندارين”، الذي جاب به مدناً مغربية وأوروبية، يعود باسو ليرفع سقف التحدي، ويؤكد مجددًا أنه ليس مجرّد “فكاهي شعبي” بل مثقف بحسّ مسرحي، يحمل على كتفيه حكايات مجتمع يتقلّب بين التحايل والتمسك بالأمل.

عرضه الجديد، الذي خرج من ورشات Work Event، ليس مناسبة للتسلية فقط، بل هو تفكيك فكاهي ناعم لمتواليات التناقض المغربي: من هشاشة الحياة اليومية إلى مفارقات العلاقات الاجتماعية، من السلطة إلى السلوك الاستهلاكي، من ضيق العيش إلى اتساع الحيلة، مرورًا بتلك التفاصيل التي يعرفها كل مغربي ويضحك منها وفيها… وربما عليها.

Casablanca.. ليس مجرد جمهور جديد، بل امتحان شعبي لصدق النَفَس الفني

الدار البيضاء، هذه المدينة التي تُشبه الضحك حين يختلط بالتأفف، كانت محطة حاسمة في جولة “أتوووووت”، ليس فقط لأنها عاصمة اقتصادية، بل لأنها تمتحن كل فنان في مدى قربه من وجدان الناس وصراحتهم الخامّة. أن يُضحِك باسو البيضاء بعد باريس ومراكش، فذلك علامة على مشروعية طرحه وقوة تواصله الإنساني، القائم على تلك الخيوط اللامرئية بين الفنان وجمهور يعرف تمامًا متى يضحك، ولماذا.

“أتوووووت”: ليس عنوانًا عبثيًا.. بل تعبيرًا عن لحظة الانفجار المغربي الصامت

الصرخة التي يحملها عنوان العرض “أتوووووت”، ليست مجرد محاكاة ساخرة، بل يمكن قراءتها كـرمز لانفعال مكبوت في أعماق المجتمع. هي صرخة من فرط التكرار تحوّلت إلى ضحكة، ومن شدة الاعتياد تحوّلت إلى طقس جماعي.

في “أتوووووت”، الضحك ليس تمرينًا على الخفة، بل فعل مقاومة للثقل اليومي. باسو.. صوت مختلف وسط مشهد فُكاهي اختلطت فيه الكوميديا بـ”الكليشيه”

في زمن تتكاثر فيه عروض “الضحك السريع”، واختزل فيه بعض “الفكاهيين” الإبداع في الحركات الجسدية والنُّكت المُستهلكة، يواصل باسو طريقًا آخر، حيث يكتب عروضه بلغة الجمهور، لكنه يرفعها إلى مستوى التفكير، دون أن يتخلّى عن دُوزاج الترفيه.

إنه ينتمي إلى فئة نادرة من الكوميديين المغاربة الذين يفهمون أن المسرح ليس فقط فضاءً للتنفيس، بل لحظة وعي جماعي، تفتح أحيانًا باب النقد الذاتي بطريقة ساخرة لكنها موجعة.

في الخلاصة: “أتوووووت” هو عرض يحتاج أن يُشاهَد، لا فقط لأن باسو يُضحك، بل لأنه يجعلنا نبتسم ثم نتساءل.. ثم ننتبه أن وراء النكتة مرآة، وأن وراء الضحك فكرة.