“أرقام متضاربة.. هل تُخفي الحكومة المغربية أزمة البطالة الحقيقية وراء تفاؤل أخنوش؟”

0
57

في جلسة المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين، تحدث رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، بحماسة عن إنجازات حكومته في مجال التشغيل، مؤكدًا أن معدلات البطالة شهدت تراجعًا ملحوظًا بنسبة 13% خلال الأشهر الأخيرة من عام 2024، مستندًا إلى ما وصفه بـ”خارطة طريق واضحة” خصصت لها الحكومة 14 مليار درهم في قانون مالية 2025. ومع ذلك، جاءت تصريحاته في توقيت غريب، إذ صدرت قبلها بيوم واحد فقط مذكرة للمندوبية السامية للتخطيط تُظهر ارتفاعًا في معدل البطالة بنحو 0.3% مقارنة بالعام الماضي. هذا التناقض بين تصريحات أخنوش ومعطيات المندوبية يطرح تساؤلات حول مصداقية الأرقام المقدمة، ويدفع إلى تحليل أعمق لأبعاد هذه القضية.

أرقام متفائلة أم محاولة للتغطية؟

أخنوش، في حديثه أمام البرلمان، أكد أن معدل البطالة تراجع بنسبة 13% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2024، مشيرًا إلى تخصيص 14 مليار درهم في قانون مالية 2025 لتفعيل “خارطة الطريق الجديدة للتشغيل”. ووصف هذه الخطوة بأنها تعكس أولوية قصوى للحكومة في معالجة البطالة، مؤكدًا امتلاكها لاستراتيجية متكاملة في هذا المجال. كما استند إلى ارتفاع عدد الأجراء المصرح بهم، وإلى نسبة تشغيل أصحاب الدبلومات التي بلغت 50% في 2023، بالإضافة إلى زيادة في مناصب الشغل المنتظمة والمدفوعة الأجر بنسبة 5% ما بين 2018 و2023.

لكن هذه الأرقام المتفائلة تصطدم بتقرير المندوبية السامية للتخطيط، الذي أشار إلى ارتفاع معدل البطالة من 13% في 2023 إلى 13.3% في 2024، مع زيادة عدد العاطلين عن العمل بـ58 ألف شخص خلال عام واحد. هذه الفجوة بين تصريحات رئيس الحكومة ومعطيات المندوبية تثير تساؤلات حول مدى دقة الأرقام المقدمة من الجانبين، وما إذا كانت هناك محاولة لتضخيم الإنجازات الحكومية.

جواز الشباب للسكن: خطوة جادة نحو تمكين الشباب أم مجرد وعود انتخابية؟

أبعاد الأزمة: البطالة بين الواقع والإحصاءات

التقرير الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط يكشف عن تفاصيل أكثر إثارة للقلق. فبالإضافة إلى ارتفاع معدل البطالة بشكل عام، شهدت جميع الفئات العمرية زيادة في معدلات البطالة، خاصة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، حيث ارتفع المعدل من 35.8% إلى 36.7%. كما ارتفع معدل البطالة بين حاملي الشهادات إلى 19.6%، مما يعكس تحديات كبيرة في استيعاب الخريجين في سوق العمل.

هذه الأرقام تُظهر أن أزمة البطالة في المغرب ليست مجرد أرقام إحصائية، بل هي واقع يومي يعيشه مئات الآلاف من الشباب والعائلات. فهل يمكن أن تكون تصريحات أخنوش محاولة لتخفيف حدة الانتقادات الموجهة للحكومة، أم أنها تعكس رؤية متفائلة لا تستند إلى معطيات واقعية؟

حرب الأرقام: أخنوش ضد بنموسى

التناقض بين تصريحات أخنوش وتقرير المندوبية السامية للتخطيط يفتح الباب أمام تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين رئيس الحكومة والمندوب السامي للتخطيط، شكيب بنموسى. فبنموسى، الذي كان وزيرًا للتربية الوطنية قبل تعيينه في منصبه الحالي، لم يتردد في كشف معطيات غير مريحة للحكومة، مما يضع أخنوش في موقف دفاعي.

هذا الصراع الخفي بين الطرفين يثير تساؤلات حول مدى استقلالية المندوبية السامية للتخطيط، وما إذا كانت الأرقام التي تقدمها تخضع لاعتبارات سياسية. فهل يمكن أن تكون هذه الأرقام جزءًا من لعبة سياسية أوسع، أم أنها تعكس ببساطة اختلافًا في المنهجيات الإحصائية؟

السياق العام: تحديات اقتصادية واجتماعية

لا يمكن فصل أزمة البطالة في المغرب عن السياق الاقتصادي والاجتماعي الأوسع. فبالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة، تعيش 120 ألف أسرة مغربية في دور صفيح، 63% منها في مدينة الدار البيضاء. وعلى الرغم من الجهود الحكومية لتحسين ظروف عيش 347 ألف أسرة، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً للقضاء على هذه الظاهرة تمامًا.

هذه التحديات تضع الحكومة أمام اختبار حقيقي في قدرتها على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فهل يمكن أن تكون “خارطة الطريق الجديدة للتشغيل” التي أعلن عنها أخنوش جزءًا من الحل، أم أنها مجرد ترقيع مؤقت لأزمة عميقة تتطلب إصلاحات هيكلية؟

خاتمة: بين التفاؤل والواقع

تصريحات رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمام البرلمان تعكس رؤية متفائلة لإنجازات حكومته في مجال التشغيل، لكنها تصطدم بواقع إحصائي يظهر ارتفاعًا في معدلات البطالة. هذا التناقض يفتح الباب أمام تساؤلات حول مصداقية الأرقام المقدمة، ويدفع إلى تحليل أعمق لأبعاد أزمة البطالة في المغرب.

في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للحكومة أن تتحول من خطابات التفاؤل إلى إجراءات ملموسة تعالج أزمة البطالة بشكل جذري؟ أم أن حرب الأرقام بين أخنوش وبنموسى ستظل مجرد صراع إعلامي لا يعكس الواقع المرير الذي يعيشه مئات الآلاف من الشباب المغاربة؟

تناقض في الأرقام أم اختلاف في التفسير؟

يبدو أن حكومة أخنوش تسعى إلى تقديم صورة إيجابية عن أدائها الاقتصادي، لكن المعطيات المستقلة تشير إلى أن أزمة البطالة لا تزال قائمة، بل وتتفاقم في بعض القطاعات. وبين خطاب الحكومة المتفائل وتقرير المندوبية الواقعي، يبقى المواطن المغربي في انتظار إجراءات ملموسة تعكس تحسنًا حقيقيًا في سوق الشغل، وليس مجرد حرب أرقام بين المؤسسات الحكومية.

ويبقى السؤال الأهم: هل سنشهد في الأشهر القادمة تحسنًا حقيقيًا في التشغيل، أم أن هذه الأرقام ستظل مجرد “وعود سياسية” تسبق الانتخابات القادمة؟