أزمة أسعار الدواجن في المغرب: هل يكشف مجلس المنافسة خفايا الاحتكار؟

0
52

في ظل الارتفاع المتواصل لأسعار الدواجن في المغرب، أصبحت هذه السلعة الأساسية بعيدة المنال بالنسبة لفئة كبيرة من السكان. هذا الواقع دفع مجلس المنافسة إلى التدخل عبر فتح تحقيق ميداني شامل يركز على سلسلة توريد الأعلاف والمراحل المختلفة لإنتاج الدواجن. يهدف هذا التحقيق إلى كشف الاختلالات المحتملة في السوق وتحديد الممارسات التي قد تكون مناهضة للمنافسة. فما هي أبعاد هذه الأزمة؟ وما هي العوامل التي أدت إلى تفاقمها؟ وكيف يمكن لمجلس المنافسة أن يعيد التوازن إلى هذا القطاع الاستراتيجي؟

يعتبر قطاع الدواجن في المغرب أحد الركائز الأساسية لضمان الأمن الغذائي، حيث يوفر اللحوم البيضاء التي تشكل مصدرًا رئيسيًا للبروتين لملايين المغاربة. ومع ذلك، شهدت الأسعار ارتفاعًا كبيرًا في الأشهر الأخيرة، مما أثار قلقًا واسعًا بين المستهلكين والعاملين في القطاع على حد سواء.

يأتي هذا التحقيق في وقت تعاني فيه الأسر المغربية من ضغوط اقتصادية متزايدة بسبب ارتفاع الأسعار، مما جعل الدواجن، التي تُعتبر أحد أهم مصادر البروتين الرخيصة، أقل قدرة على التحمل بالنسبة للمستهلك العادي.

أحد المحاور الرئيسية التي يركز عليها مجلس المنافسة هو سلسلة توريد الأعلاف، التي تشكل ما يصل إلى 70% من تكاليف إنتاج الدواجن. شهدت أسعار الأعلاف ارتفاعًا كبيرًا، حيث وصلت في بعض الأحيان إلى 30 درهمًا للكيلوغرام، مما أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج بشكل ملحوظ.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تعكس هذه الزيادات تكاليف الإنتاج الحقيقية، أم أن هناك ممارسات احتكارية خفية تؤثر على السوق؟

لفهم ما يجري، لا بد من تحليل سلسلة التوريد الخاصة بإنتاج الدواجن، والتي تتضمن ثلاث مراحل أساسية:

  1. إنتاج الكتاكيت: تهيمن عليه شركات محددة تتحكم في العرض والأسعار.

  2. التسمين: يعتمد على توفر الأعلاف، التي تشهد ارتفاعًا مستمرًا في الأسعار.

  3. التسويق: يواجه تجار التجزئة صعوبة في امتصاص ارتفاع الأسعار دون التأثير على القدرة الشرائية للمستهلكين.

يشير خبراء اقتصاديون إلى أن هذه السوق تتميز بتركيز عالٍ، حيث تهيمن عليها حفنة من الفاعلين الكبار، الذين قد يكون لهم تأثير مباشر على مستويات الأسعار، سواء من خلال التحكم في العرض أو من خلال التنسيق غير المعلن في تحديد الأسعار.

فهل يمكن أن يكشف تحقيق مجلس المنافسة عن وجود ممارسات مناهضة للمنافسة، مثل الاحتكار أو التلاعب السعري؟

يهدف التحقيق إلى الإجابة على عدة أسئلة جوهرية:

  • هل يتم تحديد أسعار الأعلاف بطريقة تتوافق مع قواعد السوق الحر، أم أن هناك تواطؤًا بين الموردين الرئيسيين؟

  • هل تؤثر بنية السوق الحالية على حرية المنافسة، وما مدى تأثيرها على صغار المربين الذين يواجهون صعوبة في مجاراة الأسعار المرتفعة؟

  • هل هناك حاجة إلى تدخل تنظيمي لضبط الأسعار وحماية المستهلكين؟

من المتوقع أن يفضي التحقيق إلى توصيات قد تشمل فرض غرامات على الفاعلين المخالفين، أو اقتراح إصلاحات في قوانين السوق لضمان شفافية أكبر في تسعير الأعلاف واللحوم البيضاء.

ارتفاع أسعار الدواجن لا يؤثر فقط على ميزانية الأسر، بل يمتد ليشمل:

  • انخفاض الطلب: تشير التقارير إلى تراجع ملحوظ في استهلاك الدواجن، ما قد يؤدي إلى خسائر للمربين والتجار.

  • تأثير سلبي على الصناعات المرتبطة: مثل المطاعم ومتاجر الوجبات السريعة التي تعتمد على الدواجن كمكون رئيسي.

  • ارتفاع معدلات التضخم: إذ يُعد قطاع المواد الغذائية أحد المحركات الأساسية للتضخم في المغرب.

في ظل هذا الوضع، يتساءل المواطن المغربي: هل ستؤدي هذه التحقيقات إلى نتائج ملموسة تُعيد التوازن للسوق، أم أنها مجرد إجراء إداري لن يغير شيئًا في المعادلة الاقتصادية الحالية؟

بينما يواصل مجلس المنافسة تحقيقاته، تتجه الأنظار إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه الحكومة في ضبط السوق، سواء من خلال تعزيز المنافسة العادلة، أو دعم صغار المربين لمواجهة الضغوط الاقتصادية.

لكن يبقى السؤال الأهم: هل نحن أمام أزمة مؤقتة أم أن هناك حاجة لإصلاحات جذرية تضمن استقرار الأسعار في قطاع حساس مثل الدواجن؟ الإجابة ستتضح في الأسابيع القادمة، مع إعلان نتائج التحقيق، ولكن الأكيد هو أن المستهلك المغربي ينتظر بفارغ الصبر إجراءات تضمن له حقه في أسعار عادلة بعيدًا عن أي تلاعب أو احتكار. 

تحقيق مجلس المنافسة في قطاع الدواجن يعد خطوة مهمة نحو فهم أعمق للأزمة التي يعاني منها هذا القطاع الاستراتيجي. في ظل الارتفاع المستمر للأسعار، أصبحت الحاجة ملحة لإعادة التوازن إلى السوق وحماية مصالح المستهلكين. قد تكون الأشهر القادمة حاسمة في تحديد مستقبل قطاع الدواجن في المغرب، مع إمكانية أن يصبح هذا التحقيق نموذجًا لتدخلات مماثلة في قطاعات أخرى تعاني من اختلالات مماثلة.