بعد استنزاف كبار فلاحي الريع للفرشة المائية بمنطقة سوس جنوب المغرب ، وبدل أن تتعظ السلطات، تم توجيه الاعتمادات المالية للمغاربة لبناء سدود بالملايير لم ينتفع من معظمها سوى بعض الفلاحين الكبار الذين يصدرون المواد الغذائية الشافطة للماء، لأوربا على حساب تهجير القرويين، وتسمين العائلات الكبرى المالكة للأراضي، دون أن يتحمل هؤلاء المصدرون الكبار (من أصحاب الريع) أي كلفة في البناء، أو التجهيز، أو إعداد معامل تحلية ماء البحر.
شهد اليومان الماضيان بالمغرب تساقطات مطرية مهمة، بلغت 156 ميليمترا بحسب بيانات صادرة عن المديرية الجهوية للفلاحة للرباط سلا القنيطرة، لتنضاف هذه النتائج إلى مثيلاتها التي كانت قد شهدتها البلاد نهاية الشهر الماضي، وهو ما أنهى حالة الاستياء التي تسببت بها فترة الجفاف، والتي سيكون لها تأثير إيجابي على تحسين وضعية الموسم الفلاحي الحالي (2023 – 2024) على مستوى الجهة .
وذكرت المديرية في بلاغ حول وضعية الموسم الفلاحي 2023 – 2024 عقب التساقطات المطرية الأخيرة، أن هذه التساقطات ستساهم في تنمية الإنتاج النباتي والحيواني، خصوصا الحبوب الخريفية، والقطاني، والزراعات الكلئية، والخضروات الشتوية، والغطاء النباتي الرعوي، وكذا الأشجار المثمرة.
وأوضحت المديرية أن متوسط التساقطات المطرية الأخيرة المسجلة إلى حدود 23 فبراير الجاري بلغ 156 ملم مقارنة بـ 190 ملم المسجلة خلال الموسم الماضي في نفس التاريخ، مبرزة أن هذه التساقطات ستساهم في تحسين معدل ملء السدود.
وأكدت في هذا السياق، أنه على الرغم من العجز المائي المسجل في بداية الموسم الفلاحي، فقد تم تسجيل إنجازات مهمة لبرنامج الزراعات الخريفية والشتوية، تمثلت، على الخصوص، في إنجاز 489 ألف و800 هكتار من الحبوب الخريفية، أي بنسبة 92 في المائة من البرنامج المعتمد (530 ألف هكتار) و13 ألف و740 هكتار من تكثير البذور، وأكثر من 20 ألف و700 هكتار من القطاني أي بنسبة 93 في المائة من البرنامج، و8900 هكتار من الزراعات السكرية، و93 ألف و330 هكتار من الزراعات العلفية أي بنسبة 93 بالمائة من البرنامج المرتقب.
كما همت هذه الإنجازات، حسب المصدر ذاته، زرع 1590 هكتارا من الكولزا، أي بنسبة 132 بالمائة من البرنامج، وإنجاز 5150 هكتارا من الفواكه الحمراء، بنسبة 86 بالمائة مقارنة بالبرنامج المرتقب، وما يزيد عن 6200 هكتار من الخضراوات الشتوية، تشمل أساسا البطاطس (520 1 هكتار) والبصل (660 هكتار) والجزر (800 هكتار) والقرع (720 هكتار) والطماطم (75 هكتار) والبطيخ (85 هكتار).
وأوضح البلاغ أن برنامج تطوير البذر المباشر على مستوى الجهة، يهدف، كذلك، إلى الوصول إلى 60 ألف هكتار خلال الموسم الحالي، مشيرا إلى المساحة المزروعة بتقنية البذر المباشر، بلغت لحد الآن حوالي 34 ألف و500 هكتار، أي بنسبة 57 بالمائة من البرنامج، مقسمة إلى 30 ألف و600 هكتار من الحبوب والقطاني والزارعات العلفية، و000 3 هكتار من البذور المكثرة، و820 هكتار من النباتات الزيتية.
من جهة أخرى، أكدت المديرية أن صحة قطيع الماشية مرضية، مشيرة في هذا الإطار إلى أن الموسم الحالي يتميز بإنجاز حملات تلقيح همت 379 ألف و759 رأسا من الأبقار ضد الحمى القلاعية (بنسبة 84 بالمائة من الهدف)، وتلقيح 18 ألف و90 رأسا من الأغنام (90 بالمائة من الهدف) و159 ألف و618 رأسا من الماعز (80 بالمائة من الهدف)، فضلا عن توزيع 150 ألف جرعة لمعالجة خلايا النحل ضد مرض الفارواز لما يقارب 200 ألف خلية نحل.
وقال الباحث في السوسيولوجيا القروية والبحث الزراعي، محمد لعتيق، في تصريح صحفي سابق”، إن “المغرب فيه مناطق تتضرر دائما من أي موجة جفاف، وهناك مناطق أخرى لا تعاني هذا المشكل إطلاقا، مثل جهة الغرب التي يوجد مركزها في الرباط، وجهة دكالة الدائرة حول مدينة الجديدة، وجهة سوس الدائرة حول مدينة أكادير”، منبها إلى أن “تأثرها بالجفاف يكون من ناحية تراجع الفرشات المائية وتزايد عمق الآبار وكذا تراجع منسوب مياه السدود”.
وأضاف ذات المتحدث أن “تزايد الحديث عن آثار الجفاف تسببت فيه أيضا توجهات المغرب في السنوات الأخيرة إلى دعم المشاريع الفلاحية في مختلف مناطق المغرب، بما فيها توطين زراعات تحتاج الكثير من المياه في أراضي أقاليم وسط المغرب وضواحي مراكش”، وهو ما أعاد بحسب لعتيق معادلة الرهان على الأمطار وتوزيعها المعتدل بين بداية فصل الشتاء ونهايته ووسطه، “من أجل الوصول إلى إنتاج وفير ينعكس على مستوى دخل الفلاحين الصغار وقطيع الماشية وبالتالي وفرة البضائع الزراعية في السوق الوطنية، وبأسعار في متناول عموم المواطنين”.
ومع انطلاق مخطط المغرب الأخضر ( الأسود) عام 2009، ارتفعت الأصوات محذرة من مخاطر هذا البرنامج على السيادة المائية للبلاد وعلى الأمن الغذائي للمغرب، بحكم أن مخطط المغرب الأخضر( الأسود) يخدم كبار الفلاحين ويشجع زراعات تستهلك بإفراط المخزون المائي للمغاربة. وعوض أن تعمل الحكومة على الإنصات لصوت العقل، وحماية الأمن القومي للمغاربة، وعدم رهن سيادتهم الغذائية بالخارج، دفن المسؤولون المغاربة رؤوسهم في الرمال، وروجوا لبهتان عظيم يتمثل في إصدار الحكومة سنة 2009 لـ «استراتيجية وطنية للماء» على أمل إسكات الأصوات الرافضة لرهن سيادة المغرب واستنزاف موارده المائية.
للأسف، حتى الالتزامات الواردة في «الاستراتيجية الوطنية للماء» لم تحترمها أي حكومة من الحكومات المتعاقبة (من حكومة عباس الفاسي إلى حكومة أخنوش مرورا بحكومتي بنكيران والعثماني)، سواء تعلق الأمر بتحلية مياه البحر أو ترشيد مياه السقي أو تثمين الموارد المائية أو حماية المخزون الجوفي أو التضامن بين الأحواض المائية أو حماية 34 فرشة مائية. بالنظر إلى أن الاستراتيجة الوطنية حددت سقفا في عام 2030، لكن على أساس أن تكون كل البرامج المائية المسطرة منفذة بين 2010 و2020 لكي لا يعرف المغرب أزمة في الماء سواء الماء الشروب أو المخصص للسقي.