في الأشهر الأخيرة، تواجه الجامعات المغربية توترًا غير مسبوق مع آلاف طلبة الطب، الذين يرفعون شعارًا قويًا وملفتًا: “سنة بيضاء أرحم من مستقبل أسود”. هذا الشعار يعبر عن إحباطهم العميق من الوضع الراهن، وخاصة في ظل فشل الوساطة الأخيرة مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وهو ما دفع الطلبة إلى اتخاذ خطوات تصعيدية جديدة مثل الاعتصام الليلي أمام الكليات.
تأتي هذه الأزمة في وقت يعاني فيه القطاع الصحي المغربي من نقص حاد في عدد الأطباء، ما يضع النظام الصحي أمام تحديات جسيمة. إذًا، ما هي الجذور الحقيقية لهذه الأزمة؟ ولماذا لم تنجح حتى الآن جميع الجهود الرامية إلى تسويتها؟
سياق الأزمة: من الاحتجاج إلى الاعتصام
بدأت المشكلة في أكتوبر 2023، عندما قرر طلبة الطب والصيدلة الاحتجاج على ما يعتبرونه تجاهلًا لمطالبهم من قبل وزارتي التعليم العالي والصحة. تراوحت مطالبهم بين تحسين جودة التكوين، وإلغاء قرار تقليص سنوات الدراسة من سبع إلى ست سنوات. هل كان قرار تقليص سنوات الدراسة متسرعًا؟ وهل فُرض دون مراعاة للأبعاد التربوية والاحتياجات الفعلية لسوق العمل؟
تشمل قائمة المطالب أيضًا تحسين التعويضات عن التداريب، وضمان التغطية الصحية. بعد أشهر من الاحتجاجات والإضرابات المفتوحة، دخل الطلبة في مواجهة مباشرة مع الحكومة، ما أدى إلى تعميق الأزمة وتصاعد حدتها.
الوساطة والحوار: لماذا لم يفلحا؟
قادت وساطات متعددة بين الطلبة والوزارة، من بينها تدخل البرلمان ومؤسسة وسيط المملكة، لكنها لم تنجح في الوصول إلى تسوية. السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي أدى إلى فشل هذه الوساطات؟ وهل كانت المطالب الطلابية معقولة أم أن تشدد الأطراف المعنية حال دون التوصل إلى حل وسط؟
يعتقد بعض المراقبين أن الحكومة، رغم محاولاتها المتكررة، أخفقت في تقديم حلول تستجيب بشكل فعلي لمطالب الطلبة. على سبيل المثال، لم يحظَ اقتراح الحكومة بتقليص سنوات الدراسة من سبع إلى ست سنوات بقبول من الطلبة، حيث يرون في هذا التعديل تهديدًا لجودة التكوين الطبي.
التداعيات على القطاع الصحي
في ظل استمرار الأزمة، تتزايد المخاوف بشأن مستقبل دفعة كاملة من طلبة الطب، يبلغ عددهم حوالي 17 ألف طالب، في وقت يشكو فيه النظام الصحي من نقص حاد في الموارد البشرية. هل يؤدي هذا الوضع إلى تأزم أكبر في القطاع الصحي؟ وهل يمكن أن تتسبب “السنة البيضاء” التي يلوح بها الطلبة في زيادة الخصاص الطبي على المدى القريب؟
الأسئلة المطروحة هنا تتعلق بتداعيات الأزمة على مستقبل هؤلاء الطلبة، وهل سيؤدي قرار الحكومة إلى خسارة طاقات بشرية هائلة في مجال الصحة؟ وهل يعتبر تجاهل الأصوات الطلابية قرارًا حكيمًا في ظل التحديات التي يواجهها النظام الصحي؟
المسؤولية السياسية والانتقادات الموجهة للحكومة
واجهت الحكومة، وخاصة وزير التعليم العالي عبد اللطيف ميراوي، انتقادات شديدة من المعارضة. في الجلسات البرلمانية، وُصفت طريقة إدارة الأزمة بـ”الارتجالية”، مشيرة إلى أن الحكومة كانت تتجاوب مع المطالب ولكن بطريقة غير مدروسة. هل تتحمل الحكومة وحدها مسؤولية تفاقم الأزمة؟ أم أن الطلبة بدورهم قد ساهموا في تعقيد الموقف بسبب تصلب مواقفهم؟
الجانب الآخر من القضية يتعلق بغياب الوضوح في التواصل بين الطرفين. رغم عقد 14 اجتماعًا بين الحكومة وممثلي الطلبة، إلا أن الجموع العامة للطلبة رفضت العرض الحكومي بشكل متكرر. هل يعكس ذلك فجوة في التواصل بين الطرفين؟ وهل كان بالإمكان تفادي هذا التصعيد لو أُدير الحوار بشكل مختلف؟
النهاية المحتملة: إلى أين تتجه الأزمة؟
مع استمرار الأزمة دون حلول واضحة في الأفق، والتصعيد المستمر من قبل الطلبة، تتزايد التساؤلات حول ما إذا كان هناك أفق للتوصل إلى تسوية. هل تستطيع الحكومة تقديم تنازلات جديدة؟ وهل سيدرك الطلبة في نهاية المطاف أن التشدد قد لا يكون الحل الأمثل؟
من ناحية أخرى، يبقى تساؤل مهم حول تداعيات هذه الأزمة على صورة النظام التعليمي في المغرب. هل ستؤثر هذه الأحداث على ثقة المجتمع في المؤسسات التعليمية والطبية؟ وهل يمكن أن تكون هذه الأزمة بداية لمراجعة شاملة لنظام التكوين الطبي في البلاد؟