في حقول الفراولة الإسبانية، حيث يُفترض أن يكون العمل فرصة لتحسين الأوضاع المعيشية، تختبئ مأساة إنسانية تُروى في صمت. عاملات مغربيات، أغلبهن أمهات وأرامل، هاجرن بحثًا عن لقمة العيش، ليجدن أنفسهن في دوامة الاستغلال، بل وأسوأ من ذلك، في مواجهة واقع قاسٍ لم يكن في الحسبان.
خديجة تكشف المستور: من العمل إلى الاستغلال
خديجة، امرأة مغربية في الثلاثين من عمرها، قررت كسر حاجز الصمت عبر فيديو صادم انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي. كانت تحلم بالهجرة لكسب قوت يومها وإعالة أطفالها الصغار، لكن ما وجدته في إسبانيا لم يكن سوى الاستغلال والتحرش والإهانة.
تروي خديجة بحسرة كيف جُردت من وثائقها فور وصولها، وكيف وجدت نفسها مضطرة للعيش في ظروف قاسية، تُراودها كوابيس العوز والجوع. تقول: “لم أكن أتصور أنني سأتحول إلى متشردة في شوارع إسبانيا، أطلب لقمة العيش بعد أن تخلى الجميع عني”.
حقول الفراولة: وجهان لعملة واحدة
لطالما اعتُبرت إسبانيا وجهةً للعاملات المغربيات الموسميات، لكن خلف الأرقام والإحصائيات، هناك قصص مخفية من العبودية الحديثة. فالعاملات يُجبرن على العمل لساعات طويلة في ظروف غير إنسانية، بأجور زهيدة، بينما يتعرضن لتحرشات ممنهجة من قبل أرباب العمل أو الوسطاء.
لكن الأزمة لا تتوقف عند هذا الحد، فالبعض منهن، تحت ضغط الحاجة وانعدام الحماية، يقعن في شباك الفساد والانحراف القسري، حيث يتحول الجسد إلى وسيلة للبقاء. شهادة خديجة ليست الوحيدة، بل هي واحدة من مئات القصص التي لا تصل إلى العلن، إما خوفًا أو عجزًا عن إيصال الصوت.
الحكومة المغربية: أين الحماية؟
هنا يُطرح السؤال الأكبر: أين الحكومة المغربية من كل هذا؟ لماذا يُترك هؤلاء النسوة لمصيرهن المجهول في بلدان أجنبية دون أي شكل من أشكال الحماية القانونية أو الاجتماعية؟
بينما توفر بعض الدول الأوروبية إعانات شهرية للنساء في وضعية هشاشة، يجد المغربيات أنفسهن مجبرات على الهجرة القسرية، بلا سند ولا حماية. ألا يستحقن دعمًا حكوميًا يمنع وقوعهن في براثن العوز والاستغلال؟ أم أن مصيرهن لا يُنظر إليه إلا كأرقام في سوق العمل الخارجي؟
الوجه الآخر للمعاناة: مجتمع يُدين الضحية
بدلًا من احتضان هؤلاء النساء وتقديم المساعدة لهن، يجدن أنفسهن عرضةً للوصم المجتمعي. بدلًا من مساءلة الجهات المسؤولة عن تركهن في مواجهة هذا المصير، يتم إلقاء اللوم عليهن وكأنهن اخترن هذا الطريق بإرادتهن.
هل نحتاج إلى المزيد من خديجات ليُكشف المستور؟ أم أن الوقت قد حان لنُعيد النظر في السياسات الاجتماعية التي تدفع نساءً مغربيات إلى البحث عن الحياة في المجهول؟
خاتمة: نداء عاجل قبل فوات الأوان
ما حدث لخديجة وغيرها ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو انعكاس لواقع مُرّ يستوجب تحركًا جادًا. يجب فتح تحقيقات شفافة حول أوضاع العاملات المغربيات في الخارج، وتفعيل آليات الحماية لضمان حقوقهن وصون كرامتهن. فالحل لا يكمن في الصمت أو التستر، بل في مواجهة الحقيقة وإيجاد بدائل تحفظ لنساء المغرب حقهن في العيش بكرامة.