أثارت فكرة فريق حسنية أكادير المغربي لكرة القدم دخول الملعب بأقمصة جديدة تحمل أسماء اللاعبين بحروف تيفيناغ الأمازيغية، أمس الأحد، أثناء استضافته لفريق الوداد الرياضي بملعب أدرار في أكادير، برسم الدورة 19 من البطولة المغربية الاحترافية، إعجاب الكثيرين من مرتادي وزوار مواقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” و”تويتر”.. لكن المتأمل في التجربة المغربية، يتأكد أن مكاسب “تيفيناغ” قليلة جدّاً رغم وجود الأمازيغية في دستور المملكة، فما هي الأسباب؟
وعبر نشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، عن إعجابهم بهذه المبادرة التي “تكرس للهوية الأمازيغية للمغرب”، وفق تأكيدهم، ولكونه، من جهة ثانية، الفريق الوحيد الذي يمثل منطقة ذات انتماء أمازيغي في القسم الأول من البطولة.
وهذه هي المرة الأولى التي تستعمل فيها اللغة الأمازيغية بحروفها في كتابة أسماء اللاعبين على الأقمصة وبخط كبير وواضح.
https://twitter.com/ZeroualLou/status/1404141090366763016
تسع سنوات تقريبًا بعد تصويت المغاربة (يوم الأول من يوليو/تموز) على دستور نصّ على كون الأمازيغية لغة رسمية في المملكة، بيدَ أن استخدام هذه اللغة لا يزال ضعيفًا في الكثير من نواحي الحياة اليومية بالمغرب، خاصةً فيما يتعلّق بالوثائق الرسمية التي يعتمد جلها على الحرف العربي و/أو الحرف اللاتيني، وتحديدا اللغة الفرنسية، فيما لا يزال حرف “تيفيناغ” الذي تُكتب به الأمازيغية، غائباً بشكل كبير.
وتعرّض المشروع الذي تقدمت به وزارة الداخلية إلى انتقادات واسعة من هيئات سياسية وحقوقية، وطالب عدد من النواب بتعديله حتى يتضمن حرف تيفيناغ. وصادقت لجنة في مجلس النواب، أمس الخميس (26 يونيو/حزيران) على إحالة المشروع على “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” لأجل مراجعته من الجانب الحقوقي، في وقت يراهن فيه الكثير من الفاعلين على البرلمان لمنع تمرير المشروع بصيغته الحكومية.
“وتيرة إدماج الأمازيغية في الحياة العامة عرفت تعثرًا لعدة أسباب، جزء منها يرجع إلى بطء عملية التشريع، فالقانون التنظيمي للأمازيغية لم يُصادق عليه إلا عام 2019، ما ترك قطاعات وزارية تتحجج منذ مدة بانتظار صدور هذا القانون”، تقول ابتسام عزاوي، نائبة عن حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، متابعة أن الحكومة “تخاذلت كذلك في إنصاف الأمازيغية بما أنها لا تتوفر على أطر قادرة على خلق تصورات لتنفيذ القانون التنظيمي في الحياة العامة”.
استهداف للأمازيغية؟
“الأمر يتعلق بعقلية تُبقي القوانين حبرًا على ورق. هناك عادة سيئة في المغرب هي إحداث القوانين ثم عدم الاكتراث بها، وهو من الأسباب التي تعيق التنمية في المغرب، فالنصوص تتغير لكن لم تتغير العقليات” يقول الناشط الأمازيغي أحمد عصيد لـDW عربية، مشيرًا إلى أن مشروع تعديل البطاقة الوطنية يعود لعام 2007، ولم يتم المصادقة الحكومية عليه إلّا عام 2020، دون استحضار وجود دستور جديد.
كان المغرب أوّل دولة في شمال إفريقيا تؤكد أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية. انتصار حققته الحركة الأمازيغية عام 2011 لثقافة من الأقدم في التاريخ، إذ احتفل الأمازيغ قبل أشهر بالعام 2970 من التقويم الأمازيغي (يُعرف كذلك بالسنة الفلاحية)،كما تتحدث العديد من المصادر أن حرف “تيفيناغ” ظهر في عهد مملكة نوميديا التي حكمت أجزاء كبيرة من شمال إفريقيا قرنين قبل الميلاد.
وبدأ المغرب تجربة التدريس بالأمازيغية منذ 2003 في المدارس الابتدائية، غير أن الحصيلة بعد 17 عاما كانت مخجلة، إذ اعترفت وزارة التعليم، عام 2017، أن 20 بالمائة فقط من تلاميذ الابتدائي يدرسون هذه اللغة، وأنه سيصعب تعميمها في جميع المدارس. ويؤكد عصيد أن أساتذة الأمازيغية صار يعهد لهم بتدريس لغات أخرى إلى جانب الأمازيغية، ما يعدّ تراجعًا حقيقيًا وفق قوله.
غير أن هناك من يرى أن المشكل داخلي في طريقة كتابة الأمازيغية. فداخل الحركة الأمازيغية هناك من يطالب بكتابتها بالحرف اللاتيني كمؤرخ المملكة السابق حسن أوريد، وهناك من يطالب بكتابتها بالحرف العربي، ومبرّرات الطرفين أن الحرفين يساهمان في انتشار الأمازيغية بشكل أكبر. ورغم أن بدايات هذا النقاش تعود إلى سنوات خلت، إلّا أن التراجع الحاصل في انتشار تدريس الأمازيغية، والمشاكل التقنية في إدخال “تيفيناغ” إلى الأنظمة البرمجية قد يحييانه من جديد.
كما لا تزال الحركة الأمازيغية في عمومها تنشر وثائقها وبلاغاتها باللغة العربية وأحيانًا الفرنسية، بينما لا يزيد حضور حرف “تيفنياغ” عن الحضور سوى في العبارات الثابتة كأسماء المنظمات. إلّا أن عصيد يقول إن الدولة هي من تنشر اللغة وليس الأشخاص أو التنظيمات، معطيًا المثال بالعربية، إذ “كان من يكتب الفصحى قليل جدًا، لكن بعد تعميم العربية في التعليم، أضحى لدينا مواطنون كثر يكتبون بها، والأمر ذاته مع الفرنسية قبل وبعد فرض الحماية على المغرب (1912-1955)، أما الأشخاص فهم يستخدمون اللغة لأجل التواصل مع جمهور متعدد ومتنوع”.