أسود الشان ونجاحات الكرة المغربية: الإنجاز الذي يعكس ثقافة الفوز والتنمية الوطنية

0
143

في العاصمة الكينية، خطف المنتخب الوطني المغربي للمحليين الأنظار بعد تتويجه بكأس إفريقيا للاعبين المحليين (الشان) للمرة الثالثة في تاريخه. ليس مجرد فوز عابر، بل محطة تعكس التراكم الاستراتيجي لجهود كرة القدم المغربية على المستويين المحلي والقاري، وتترجم سياسة متكاملة لتعزيز الثقافة الرياضية الوطنية. الانتصار الذي أطلق عليه المحللون “أسود البطولة”، لم يكن مفاجئًا في ظل الإرث الكبير الذي خلفه المنتخب الوطني الأول بعد الوصول إلى نصف نهائي كأس العالم في قطر 2022، والانتصارات المتكررة للأندية المغربية في البطولات القارية.

هذا الإنجاز لم يمر مرور الكرام في أروقة السلطة العليا، حيث تلقى المنتخب التهاني الملكية، مؤكدًا الدور الأساسي للجهود الوطنية لجميع مكونات كرة القدم، من لاعبين وأطر فنية وإدارية وطبية. في برقية الملك محمد السادس، أشار إلى أن هذا التتويج “يشكل حافزًا قويًا لمختلف المنتخبات والأندية الوطنية للسير قدما، متشبعين بثقافة الانتصار، للظفر بالمزيد من الألقاب”. كلمات الملك لم تكن مجرد تحية، بل رسالة ضمنية عن أهمية ترسيخ النجاح المستمر كأساس لتطوير كرة القدم المغربية في المستقبل.

كرة القدم المغربية: أكثر من مجرد مباريات

خبراء الرياضة يرون أن كرة القدم هي مرآة المجتمع. هشام رمرام، محلل رياضي، أكد أن “تكرار الفوز يساعد في ترسيخ ثقافة التفوق لدى الجيل الحالي والأجيال المقبلة”. في هذا السياق، يُعتبر تتويج منتخب المحليين نموذجًا حقيقيًا لتجربة استراتيجية شاملة، حيث تتضافر الجهود بين تكوين اللاعبين، تطوير الأكاديميات، وتدريب الأطر الوطنية، مع تعزيز الثقافة الرياضية بين الجماهير.

كما يشير رمرام إلى أن “كرة القدم تعكس ثقافة المجتمع”، مستدلاً بأمثلة دولية: ألمانيا، حيث الانضباط والدقة والصلابة تتجلى في أسلوب اللعب، وإنجلترا، التي تمثل اللعب المباشر والأداء البدني المكثف. المنطق نفسه ينطبق على المغرب، إذ يسعى المنتخب الوطني لتعزيز الانضباط والروح التنافسية والتميز، بينما تعمل الأكاديميات على ترسيخ هذه القيم منذ المراحل الأولى لتكوين اللاعبين.

الاستثمار في الاستمرارية: التكوين والبنية التحتية

النجاحات المتكررة للمغرب لم تأتِ بالصدفة. وفق عبد المجيد الخال، مدرب وطني ومحلل رياضي، فإن التتويج الثالث للشان يعكس “نضج السياسة التي تنتهجها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، تماشياً مع التوجيهات الملكية السامية”. تشمل هذه السياسة بناء ملاعب حديثة، إنشاء أكاديميات ومراكز تكوين، وتطوير البنية التحتية الرياضية، بهدف إنتاج جيل مستدام من المواهب القادرة على المنافسة قاريًا وعالميًا.

ويضيف الخال أن الاستثمار لم يقتصر على المنتخبات الوطنية، بل شمل الأندية الكبرى مثل الوداد الرياضي والرجاء الرياضي ونهضة بركان، ما يعكس استراتيجية شاملة تجمع بين الأداء المحلي، البطولات القارية، وتطوير المواهب. هذه السياسة المتكاملة تضع المغرب ضمن الدول القليلة التي حققت استمرارية واضحة في نتائجها الرياضية، بما يتجاوز النجاحات المؤقتة.

أبعاد اقتصادية واجتماعية للإنجاز

وراء كل انتصار رياضي، هناك استثمار مالي كبير. إعداد المنتخب المحلي، السفر، التجهيزات، تكوين اللاعبين، ودعم الأندية، كلها نفقات يمكن أن تتجاوز الملايير من الدراهم على مدار السنوات. لكن السؤال الذي يطرحه المحللون: هل كرة القدم المغربية تحقق مردودًا اقتصاديًا مباشرًا؟

الجواب يكمن في عدة مؤشرات:

  • الاستثمار في البنية التحتية: الملاعب الحديثة والمراكز التدريبية تعزز فرص تنظيم البطولات الكبرى، بما يدر عوائد سياحية ومردود اقتصادي.

  • حقوق النقل التلفزيوني والرعاية: نجاح المنتخبات يرفع قيمة بث المباريات ويجذب رعاة كبار، ما يعزز الاقتصاد الرياضي.

  • السياحة الرياضية: البطولات والنهائيات تستقطب جماهير من مختلف البلدان، ما يساهم في تنشيط قطاع الفندقة والخدمات.

  • تنمية الشباب والعمالة: الاستثمار في الأكاديميات يخلق فرص عمل، ويهيئ جيلًا مؤهلًا من اللاعبين والأطر الفنية، ما يرفع الإنتاجية الوطنية.

باختصار، كرة القدم ليست ترفًا، بل أداة للتنمية المستدامة، تربط بين الإنجازات الرياضية والنمو الاقتصادي والاجتماعي.

مقارنة دولية: المغرب نموذج ناجح

تجارب دولية مشابهة تدعم هذا الرأي. ألمانيا وإنجلترا وفرنسا استثمرت في البنية التحتية والتكوين، مما جعل نجاحاتها الرياضية مستدامة، وأدى إلى عوائد اقتصادية واجتماعية ملموسة. المغرب، رغم البداية المتأخرة في بعض المجالات، نجح في تبني هذا النموذج الاستراتيجي: استثمار مستمر، تهيئة اللاعبين، تطوير الأندية، واستغلال البطولات الكبرى لتعزيز مكانة البلاد.

المقارنة مع هذه الدول تظهر أن الفارق ليس في الإمكانات الطبيعية أو الاقتصادية فقط، بل في التخطيط الطويل المدى، وضمان الاستمرارية، والالتزام بثقافة الفوز والتميز.

استدامة الإنجازات: نحو أجيال جديدة

المهدي كسوة، محلل رياضي، يرى أن تتويج المنتخب المحلي للمرة الثالثة “يعكس ثمار جهود كبرى بذلتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ويؤكد استمرارية النجاح بدلاً من الاعتماد على إنجاز ظرفي”. يشير كسوة إلى أن المغرب خاض 29 نهائيًا في مختلف المنافسات القارية والعالمية خلال السنوات التسع الأخيرة، وتوج في 20 منها، ما يعكس تراكم الخبرات والانضباط المؤسسي.

هذه الاستمرارية تعزز ثقافة الانتصار، وتحفز اللاعبين والأطر التقنية على تجاوز المشاركة فقط، والسعي دائمًا نحو التتويج والتميز. كما أن النجاح في مونديال قطر 2022 كان محطة فارقة أطلقت دينامية جديدة، رفعت سقف التوقعات لدى الجماهير، وجعلت الطلب على التفوق متأصلًا في المجتمع الرياضي المغربي.

الانتصارات كرافعة للهوية الوطنية والتنمية

تتجاوز كرة القدم دورها الرياضي لتصبح أداة قوية لتعزيز الهوية الوطنية. الانتصارات المستمرة تعكس الانتماء للوطن، وتعزز روح الفخر بين الجماهير. كما أن الربط بين الرياضة والسياسات الملكية لتطوير البنية التحتية والرياضة الوطنية، يخلق بيئة شاملة لتنمية المواهب، وتأسيس قاعدة اقتصادية واجتماعية قوية، مترافقة مع تعزيز صورة المغرب قارياً ودولياً.

مع استضافة المغرب لكأس إفريقيا المقبلة وتنظيم كأس العالم 2030، تتضح الرؤية: ترسيخ “ثقافة الفوز” و”هوية البطل” كأساس للاستدامة، وجعل التجربة المغربية نموذجًا يحتذى به في القارة الأفريقية والعالم.

خاتمة: الرياضة ليست مجرد ألقاب

إن تتويج المنتخب الوطني المحلي بكأس “الشان” للمرة الثالثة ليس مجرد فوز على أرض الملعب، بل رمز لنجاح سياسة متكاملة، تجمع بين الاستثمار في التكوين، تطوير البنية التحتية، وتعزيز الثقافة الرياضية الوطنية. هذه النجاحات، حين تُستغل بشكل استراتيجي، تتحول إلى أدوات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وترسيخ الهوية الوطنية، وجعل المغرب قوة صاعدة في الرياضة القارية والدولية.

في النهاية، كرة القدم المغربية أثبتت أن النجاح ليس لحظيًا، بل نتيجة تراكمية لجهود متواصلة، رؤية طويلة المدى، واستثمار في الإنسان والمجتمع، ليصبح الإنجاز الرياضي محركًا للتنمية الشاملة والتميز المستدام.