مؤاخذات مجلس المنافسة تشمل كل موزعي الوقود في البلاد والذين يواجهون في السنوات الأخيرة اتهامات بالتواطؤ” للتوافق على الأسعار وبتحديد هوامش أرباح مرتفعة حتى عندما تنخفض أسعار المحروقات في الخارج، الذي يطبعه استفحال ارتفاع معدلات التضخم والغلاء الكبير في الأسعار، التي أهلكت القدرة الشرائية للأغلبية العظمى من الأسر المغربية, بمن فيهم عموم موظفي الدولة المجمدة أجورهم الهزيلة أصلا. وفي مقدمتهم نساء ورجال التربية والتعليم.
“إن الشعور بالفقر والوعي بالتفاوت الطبقي هو أخطر من الفقر نفسه، إذ نصبح أقل صحة وأكثر غضبًا، وأيضا أكثر مجازفةً في اتخاذ قراراتنا”
قال عبد العزيز أفتاتي القيادي في حزب “العدالة والتنمية” إن مجلس المنافسة يحاول إخفاء وضعية واضحة وفاقعة يجري فيها افتراس المحروقات، وفرض زيادات فاحشة لمضاعفة هامش ربح شركات المحروقات وعلى رأسها شركة “الكمبرادور”، في إشارة منه إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش.
واعتبر أفتاتي في تصريحات صحفية نشرها موقع حزب “العادالة والتنمية” (معارضة ضعيفة)، أن تقرير مجلس المنافسة الأخير، هو “عمل بهلواني للتمطيط وربح الوقت”.
وأضاف أن أول جهة تكلمت في موضوع عدم عكس أسعار شركات المحروقات لأسعار البترول على المستوى الدولي خاصة عند انخفاض ثمن البترول هي بنك المغرب سنة 2016.
واتهم أفتاتي شركات المحروقات بشفط أرباح غير مستحقة على حساب جيوب المغاربة المحترقة أساسا بارتفاع صاروخي للأسعار.
وسجل أن الشفط بدأ بتعطيل مجلس المنافسة واستغلال تحرير أسعار المحروقات بعد نهاية 2015 وبعد أن لم تبق هناك مؤشرات تبين الأسعار الحقيقية لعموم المواطنين وبالتالي دخلنا مرحلة الضباب.
وأشار أنه إذا تم ترك المجال لمجلس المنافسة ليقول الحقيقة فإنه سيدين المفترس، وبالتالي سنكون أمام فضيحة سياسية كبيرة، ومشكلة مؤسساتية خطيرة ستطيح بمخرجات انتخابات شتنبر 2021 المفبركة على مقاس الاستبداد والفساد والافتراس.
كانت حملة المقاطعة شهد المغرب أكبر حملة مقاطعة اقتصادية عرفها البلد في الألفية الجديدة، بمثابة ناقوس خطر لوصول أسعار عديد المواد الاستهلاكية من المواد الغذائية إلى المحروقات والأدوية، إلى مستويات قياسية، بشكل يفوق الدول شديدة الثراء نفسها. فكما بيّنت مقاطع الفيديو التي بثها الناشطون والتي تعقد مقارنات لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية بالبلاد، مقارنة مع نظيرتها في الأسواق الأوروبية والأمريكية؛ يَظهر البون الواسع وفداحة الغلاء الذي يكتوي به المستهلكون المغاربة، رغم الفارق الكبير في مستوى الدخل الفردي.
وتحت ضغط الرأي العام، أخرج البرلمان، آنذاك، تقريرًا يفيد بأن الشركات الكبرى للمحروقات، تحصلت على أرباح إضافية تعادل 17 مليار درهم (1.7 مليار دولار)، بطريقة غير معقولة وغير أخلاقية.
ليتبين أن الأسواق المغربية يحكمها “الاحتكار المتوحش” من قبل مجموعة من اللوبيات الاقتصادية التي تحدد السعر الذي تريد، في غياب تام لدور الحكومة في حماية المستهلكين المواطنين من تغول لوبيات القطاع الخاص، المتحمسة لجني الأرباح الطائلة على حساب حقوق الناس، بدون مراعاة قواعد المنافسة الحرة وحقوق المستهلكين والعمال.
في نفس السياق، الثلاثاء الماضي، وجهت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، سؤالا كتابيا، إلى وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، حول الارتفاعات المتكرّرة لأسعار البنزين والغازوال بمحطات الوقود وانعكاسها على القدرة الشرائية للمغاربة، موضحة أن محطات الوقود بكل مناطق المملكة، شهدت ارتفاعا حادًا في أسعار بيع الغازوال والبنزين بالتقسيط منذ بداية شهر غشت الجاري.
وأكدت البرلمانية على أن الزيادات في أثمنة المحروقات لا شك أنها ستؤثر، مرة أخرى، بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين، من خلال مفاقمة الأزمة بالزيادة في المواد الأساسية، بالإضافة لأثمنة وسائل النقل، مشيرة إلى أنه بالرغم من انخفاض الأثمنة في السوق الدولية، إلا أن ذلك لا ينعكس على السوق المحلية، وهو ما شاهدناه في عدة مناسبات.
وتساءلت التامني عن الآليات والتدابير والإجراءات التي تعتزم الوزارة القيام بها من أجل حماية المواطنين من هذا الارتفاع المتواصل لأثمنة المحروقات وتقلبات الأسعار وتجاوب شركات المحروقات مع الارتفاع الدولي دون التجاوب معه في جانب الانخفاض ونزول ثمن برميل البرنت في السوق الدولية.
بداية غشت الجاري ، وجه مجلس المنافسة في المغرب “مؤاخذات” حول ممارسات منافية لقواعد المنافسة إلى تسع شركات لتوزيع المحروقات، معيدا فتح ملف يثير الكثير من الجدل في المملكة خلال الأعوام الأخيرة فيما تبذل الحكومة المغربية جهودا لدعم الشفافية والتنافسية ومكافحة الفساد.
وقالت الهيئة الرقابية الرسمية في بيان “تم تبليغ مؤاخذات متعلقة بممارسات منافية للمنافسة إلى تسع شركات تنشط في الأسواق الوطنية للتموين والتخزين وتوزيع البنزين والغازوال”.
جاء هذا القرار بعدما “خلصت مصالح التحقيق إلى وجود حجج وقرائن كافية تفيد ارتكاب الشركات المعنية بالمؤاخذات لأفعال منافية لقواعد المنافسة”، على ما أوضح المجلس.
لكنه نبه إلى أن توجيه هذه المؤاخذات “لا يخل بالقرار النهائي الذي سيتخذه المجلس في ظل الاحترام التام لحقوق الدفاع المخولة للأطراف المعنية، وبعد عقد جلسة لمناقشة القضية والتداول بشأنها”.
ولم يعلن البيان عن أسماء الشركات المعنية. لكنه يرجح أن الإجراء يشمل كل موزعي الوقود في المملكة، والذين يواجهون في السنوات الأخيرة اتهامات “بالتواطؤ” للتوافق على الأسعار، وبتحديد هوامش أرباح مرتفعة حتى عندما تنخفض أسعار المحروقات في الخارج.
رئيس نقابة المحروقات في المغرب: “توضيح حول حبكة القناة الثانية 2M”
وتعود وقائع هذه القضية إلى شباط/فبراير 2020 حين خلص تحقيق لمجلس المنافسة إلى توقيع عقوبات مالية ثقيلة على شركات توزيع المحروقات بسبب الإخلال بشروط المنافسة، لكن القرار بقي مجمدا بسبب خلاف بين أعضاء المجلس حول قيمة العقوبات وعدد الشركات المعنية بها.
واتخذت القضية بعدا سياسيا نظرا لكون شركة “أفريقيا غاز” التي تعود ملكيتها إلى رئيس الوزراء الحالي عزيز أخنوش من بين المعنيين به لكن ذلك لا يمنع من ان الرباط تسعى لتطبيق القانون على الجميع على أساس المساواة والعدل.
وتسيطر الأخيرة، إلى جانب “توتال” و”شل”، على الحصة الأكبر من سوق الوقود في البلاد.
وتعليقا على القرار قالت شركة “توتال” في بيان إنها “تتعاون بشكل تام مع مصالح التحقيق في مجلس المنافسة وتحضر عناصر الإجابات الملائمة”.
وظلت أسعار بيع المحروقات في المغرب مدعومة من الدولة لسنوات، قبل أن تصبح خاضعة لقانون السوق ابتداء من أواخر 2015.
وأثيرت منذ ذلك الحين شبهة وجود تواطؤ بين الموزعين لتحديد أسعار تضمن هامش ربح كبيرا على حساب المستهلكين.
وكان تقرير للجنة تحقيق برلمانية أكد في 2018 أن ارتفاع أسعار البيع بمحطات الوقود لا يوازي انخفاض أسعار الاستيراد من الخارج، مسجلا “تأثيرا مباشرا لارتفاع أسعار المحروقات على القدرة الشرائية للمواطنين”.
وتقوم السلطات المغربية بجهود كبيرة لتحقيق الشفافية ومكافحة الفساد والبيروقراطية وهو ما ساهم في تحقيق تقدم اقتصادي غير مسبوق ودفع الاستثمارات الداخلية والخارجية.
وفي مارس/ آذار الماضي، قرر البنك المركزي المغربي، رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس إلى 3 بالمئة، صعودا من 2.5 بالمئة، في محاولة لكبح التضخم المرتفع الناجم عن تداعيات الحرب في أوكرانيا.
وتسارع معدل التضخم السنوي في المغرب إلى 10.1 بالمئة في فبراير/ شباط الماضي، مقارنة مع 8.9 بالمئة في يناير/كانون الثاني السابق له.
حكومة رجل الأعمال تصرف” 600 دولار” عن كل بقرة حلوب! بينما يتخبط حوالي ثلاثة ملايين مغربي في الفقر!!
الوعي بالتفاوت الطبقي
لا شك أن هناك فقرًا وفوارق طبقية صارخة في المغرب. على سبيل المثال تشير المعطيات الرسمية إلى أن كبار المسؤولين في مؤسسات الدولة، من وزراء وبرلمانيين ومدراء هيئات، يتقاضون رواتب تضاعف الحد الأدنى للأجور حوالي 16 مرة، بينما لا يزال يعيش 3.8 مليون مغربي في مستنقع الفقر المدقع، منهم 2.4 مليون من سكان القرى والبوادي، هناك يعيش الناس هناك بدون مستشفيات أو بنية تحتية أو حتى صرف صحي.
ومع ذلك، فإن الوضع كلما تراجعنا إلى الوراء، كان أسوأ، فمثلًا في سنة 2007، كانت نسبة الفرق بين أجر الموظفين الكبار والحد الأدنى للأجور تصل إلى 26 مرة، وعدد الفقراء المحرومين كان يقارب ستة ملايين نسمة سنة 1998، حسب بيانات البنك الدولي. فما الذي إذًا يجعل المواطنين المغاربة اليوم أكثر سخطًا واحتجاجًا ضد الأوضاع الاقتصادية.
الجواب يكمن في أن كثيرًا من المغاربة، مع انتشار الإنترنت والسوشيل ميديا، أصبحوا يعون التفاوت الطبقي الحاصل في البلاد، وبالتالي صاروا يطالبون بحقهم في الثروة، إذ كما يقول الباحثون في علم النفس الاجتماعي، “إن الشعور بالفقر والوعي بالتفاوت الطبقي هو أخطر من الفقر نفسه، إذ نصبح أقل صحة وأكثر غضبًا، وأيضا أكثر مجازفةً في اتخاذ قراراتنا”.