أكادير تُدشّن أول حكم بالعقوبات البديلة: بين حريّة الفرد وواقع القدرة على الدفع

0
194

في خطوة وُصفت بالتاريخية، أصدرت المحكمة الابتدائية بأكادير يوم الجمعة 22 غشت 2025 أول حكم بالعقوبات البديلة، بعد دخول القانون الجديد حيّز التنفيذ. القضية تتعلق بمشارك في الاتجار بالخمور، حُكم عليه بشهرين حبسا نافذا وغرامة قدرها 500 درهم، لكن المحكمة منحت المتهم خياراً آخر: دفع 300 درهم عن كل يوم سجن، بما مجموعه 18 ألف درهم، مقابل استعادة حريته.

القانون يدخل حيز التطبيق

القانون الجديد للعقوبات البديلة، الذي طالما انتظرته الأوساط الحقوقية والمهتمون بالعدالة الجنائية، يسمح باستبدال بعض العقوبات السالبة للحرية بتدابير أخرى، في مقدمتها الغرامة اليومية. المشرّع حدد نطاقها بين 100 و2000 درهم لليوم الواحد، مع إلزام القضاة بمراعاة الوضعية المادية للمحكومين وتحملاتهم الأسرية.

صوت الشارع: “الحرية لمن يملك الثمن”؟

خارج أسوار المحكمة، لم يخفِ كثير من المواطنين في أكادير دهشتهم من المبلغ الذي فُرض على المتهم. أحد الحرفيين في سوق الأحد علّق قائلاً:

“18 ألف درهم في شهرين؟ هادي ما يقدرش عليها حتى موظف قاري وقافز، فبالأحرى واحد من الناس البسطاء. هاد العقوبة غادي تولّي امتياز للي عندو الفلوس”.

بينما اعتبر آخر، وهو سائق طاكسي، أن الفكرة “مزيانة” لأنها تُخفّف الضغط على السجون، لكنها تحتاج إلى عدالة اجتماعية:

“إيلا المحكمة خدات بعين الاعتبار الحالة المادية ديال كل واحد، غادي تكون منصفة. وإلا غادي تبان غير كامتياز للأغنياء”.

بين الإصلاح والجدل

الفاعلون الحقوقيون يرون أن دخول العقوبات البديلة حيز التنفيذ لحظة مهمة في مسار إصلاح العدالة الجنائية. فهي تفتح الباب أمام تخفيف الاكتظاظ في السجون وإعطاء معنى إصلاحي للعقوبة. لكن في المقابل، يحذر خبراء من أن تطبيقها بلا معايير دقيقة قد يُكرس الفوارق الاجتماعية، ويجعل “القدرة على الدفع” معياراً لتحديد من يسجن ومن يظل حراً.

سؤال الميدان: هل تُراعي المحكمة فعلاً القدرة المالية؟

النص القانوني ينص صراحة على ضرورة مراعاة الوضعية المالية، لكن الحكم الأول في أكادير يفتح نقاشاً حول كيفية تنزيل ذلك عملياً. هل لدى القضاة معطيات دقيقة حول دخل المحكومين وأسرهم؟ وهل هناك آليات لمراقبة هذا التقدير حتى لا يتحول النص إلى مجرد ورق؟

خاتمة مفتوحة

بين الحماس لعدالة أكثر إنسانية والخوف من أن تتحول العقوبات البديلة إلى امتياز طبقي، يبقى الحكم الأول في أكادير بداية لمسار طويل من الأسئلة. فالمجتمع المغربي، بتنوعه وطبقاته، يترقب كيف سيتعايش مع هذه الصيغة الجديدة من العدالة: هل ستكون أداة للإنصاف الاجتماعي أم مرآة جديدة للهوة بين من يملك ومن لا يملك؟