«أم وطفلها في مواجهة البحر… عبور الموت بحثًا عن حلم أوروبا»

0
112

في مشهد يختزل مأساة الهجرة غير النظامية، التقطت كاميرات صحيفة الفارو دي سيوتا الإسبانية صورًا مؤثرة لأم مغربية ترافق ابنها القاصر، لا يتجاوز عمره عشر سنوات، في محاولة يائسة لعبور البحر سباحة نحو سبتة المحتلة. الأم، ممسكة بيد طفلها، استعانت بعوامة صغيرة لمواجهة الأمواج العاتية، فيما قدم عناصر الحرس المدني الإسباني المساعدة، مُنقذين حياة الاثنين في لحظة تتجاوز وصف الحدث لتصبح رمزًا للمعاناة الإنسانية.

هذا المشهد ليس مجرد حادث فردي، بل نافذة على أزمة اجتماعية أعمق تحيط بالهجرة في المغرب. ففي كل سنة، ومع تحسّن الأحوال الجوية وتخفيف المراقبة الأمنية في بعض الفترات، تتكرر محاولات العبور الخطيرة، لتكشف عن واقع يضغط على الأسر المغربية، خصوصًا الفئات الهشة، دفعًا نحو المخاطرة بحياة أبنائها بحثًا عن مستقبل أفضل.

لكن وراء هذه المحاولات المأساوية، ثمة أسئلة أساسية: ما الذي يدفع أمهات مثل هذه إلى اتخاذ قرار محفوف بالمخاطر مع أطفالهم؟ هل هي اليأس الاقتصادي، أم ضعف السياسات الاجتماعية، أم تأثير الخطاب التحريضي الذي يصل عبر الشاشات؟

يشير خالد مونة، الباحث في شؤون الهجرة، إلى أن سياق كل سنة له خصوصيته، وأن تحرك “جيل زد” في الفضاءات الرقمية يعكس عنفًا واحتجاجًا على هشاشة الواقع الاجتماعي. ويضيف مونة أن “العنف الذي شهدته بعض المناطق في احتجاجات جيل زد يقدم صورة واضحة عن معاناة الفئات الشعبية”، مؤكدًا أن المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي، وأن الهشاشة الاجتماعية والغياب شبه التام للرد الرسمي المباشر يضخّم الطموح للهجرة في أوساط الشباب.

وفي هذا الإطار، يربط مونة الهجرة الجماعية بمعدلات الهدر المدرسي التي تصل سنويًا إلى نحو 30%، وبارتفاع نسبة البطالة بين الشباب من 15 إلى 25 سنة إلى 35%، حيث تتحول الهجرة أحيانًا إلى الخيار الوحيد للهرب من الواقع اليومي القاسي. ويضيف: “المغرب لا يعيش أزمة مجالية فقط، بل أزمة بنيوية في قطاعات حيوية، التعليم والصحة والشغل، ما يجعل الشباب، خاصة في المدن الكبرى، عرضة للاختيار المأساوي للهجرة غير النظامية.”

من زاوية أخرى، يرى المحلل السياسي عبد الله أبو عوض أن المغرب يواجه محاولات استهداف خارجي تُحاول ربط صورته بالهجرة الجماعية، مُشيرًا إلى أن الدعوات الأخيرة للهجرة غير النظامية ليست محلية فحسب، بل جزء من حملات إعلامية تستغل منصات التواصل الاجتماعي، ويؤكد أن “المملكة مطالبة بمقاربات استباقية، وبرد رسمي يعتمد على معطيات علمية دقيقة وليس مجرد افتراضات، لتفكيك الروايات المغلوطة التي تروج لها بعض الجهات الخارجية.”

القصة الإنسانية التي رصدتها الفارو، إذن، ليست حادثًا عابرًا، بل انعكاس لأزمة أوسع: أزمة التعليم والبطالة والهشاشة الاجتماعية، وضغوط الخارج الإعلامية، والتحريض على الهجرة الجماعية. وهي تطرح سؤالًا أساسيًا لكل متابع: كيف يمكن لمجتمع أن يوازن بين حماية أفراده، وبناء مستقبل اقتصادي واجتماعي حقيقي، وبين التحديات الأمنية والضغط الإعلامي الخارجي؟

إنها لحظة للتأمل في حدود الحرية، وعمق المسؤولية، وضرورة التفاعل الإنساني والواقعي مع قضية شديدة التعقيد، حيث تتحول كل حياة مُخاطرة إلى مرآة للمجتمع كله، تعكس أبعاده الأخلاقية والسياسية والاقتصادية في آن واحد.