أنباء عن وساطة بين زعيم الإشتراكيين “لشكر” وقائد الإسلاميين”بنكيران “

0
511

بعد حالة “الجمود” التي تعيشها الأحزاب اليسارية المغربية منذ سنوات جعلت مستقبلها على المحك، وذلك في ضوء تمثيليتها الضعيفة في البرلمان بعد هيمنة اليبراليين المغاربة الجدد.

ورغم ذلك، اليسار موجود، واليساريون موجودون. تنطلق حجّتنا من هذا اليقين الهش بأن اليسار، تماما مثل الإسلام السياسي، لا يزال مؤثرا في الفضاء السياسي المغربي، بأشكال خفية حينًا وبوضوح أحيانا. يتجلى هذا التأثير في الأوساط الرافضة للأوضاع السائدة سواء بخطابها الاحتجاجي، أو بإبداعاتها الفنية والثقافية مختلفة الأشكال.

في هذا السياق اشار موقع “لكم” المغربي، إلى تحركات يقوم بها الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، للوساطة بين زعيم الإسلاميين عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وقائد الاشترامكيين في المغرب إدربس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وذلك بهدف تقريب وجهات النظر بينهما، في أفق بناء تحالف حزبي، يضم الاحزاب الثلاثة، استعدادا للاستحقاقات السياسية والانتخابية المقبلة.

وحسب قيادي في أحد الأحزاب المذكورة، فإن بنعبد الله، عرض فكرة التحالف الثلاثي، على بنكيران، فلم يرفض، غير أنه ذكره بالدور الذي لعبه لشكر في بلوكاج ما بعد انتخابات أكتوبر 2016، وأنه شخص غير موثوق بتعبير بنكيران.

ويضيف مصدر “لكم2” أن بنعبد الله يلعب حاليا دور الوسيط لتذليل صعوبات إبرام التحالف السياسي بين الاحزاب الثلاثة، خاصة مع توقيع وثيقة التحالف الثنائي بين التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي، والشروع في تكثيف اللقاءات بين الحزبين وبين مختلف هيآتهما.

ويقول المصدر ذاته، إن بنعبد الله يطلع بنكيران على كل مستجد في سياق إعداد شروط إبرام التحالف الحزبي الثلاثي، وفي هذا الإطار، عقد رؤساء فرق الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية بمجلس النواب، لقاءا تنسيقيا، الأسبوع الماضي، حضره رئيس الفريق الحركي كذلك.

وبحسب المصدر القيادي الذي تحدث للموقع، فان التنسيق على مستوى البرلمان سيمهد الطريق نحو الإعلان عن تحالف سياسي يجمع بنكيران بنعبد الله ولشكر، وذلك بناء على ما ستعرفه الساحة السياسية من مستجدات وتغيرات خلال منتصف الولاية التشريعية الحالية.

ومنذ ستينيات القرن الماضي، شكل اليسار قوة سياسية وازنة في البلاد، قادت المعارضة لعقود ثم حكومة التناوب سنة 1998.

وقاد عبد الرحمن اليوسفي حزب “الاتحاد الاشتراكي”، وشارك في انتخابات عام 1997 حيث تصدر الحزب الانتخابات.

وقاد اليوسفي الحكومة التي سميت بـ”حكومة التناوب” (أحزاب المعارضة تقود الحكومة في إطار التناوب الديمقارطي) في مارس/آذار 1998.

غير أن العقد الأخير، عرف أفول نجم الأحزاب اليسارية كرسه تجرعها هزائم تلو الأخرى في الانتخابات.

ويوجد عدد من الأحزاب اليسار بالمغرب، أبرزها حزب الاتحاد الاشتراكي (مشارك بالحكومة)، وحزب التقدم والاشتراكية (معارض) وفدرالية اليسار الديمقراطي (معارضة) هي تحالف 3 أحزاب هي: الاشتراكي الموحد والطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمؤتمر الوطني الاتحادي، وأحزاب يسارية أخرى غير ممثلة في البرلمان.

في المغرب بدأت تتصدّع، خلال السنوات الأخيرة، ثنائية اليسار واليمين بتحالفات بين الأحزاب والتنظيمات اليسارية والأحزاب والحركات اليمينية المتمثلة بالإسلام السياسي، وهي تحالفات قائمة على المصالح

يعتقد بعض المفكرين، مثل جان كلود ميشيا، أن هذا العجز يتجلّى في تخلّي اليسار عن تغيير العالم عن طريق تحالفه مع الليبرالية الاقتصادية والثقافية على حساب أولوية الدفاع عن الذين يعيشون ويعملون في ظروف تزداد تهميشاً وهشاشةً يوماً بعد يوم .فيما يرى بعض التقدميين الليبراليين، مثل نيكولا بوزو، أن العجز مرده إلى تشبث اليسار بمقاربة عفا عليها الزمن، مقاربة تقوم على اشتراكية الدولة ودولة العناية والرفاه .

والثّابت اليوم أن الرأيين يلتقيان في تشخيص أعراض الأدواء التي يعاني منها اليسار، فهي، وإن تعددت صيغها، لا تنأى عن الخيانة والتآكل، تحوم في معظمها بين التنكّر للأصول وبين “برمجية” ما عادت تستجيب للمستجدات التي أفرزتها العولمة والتطورات العميقة التي أحدثتها (أنظر: حفيظ الزهري، “تحالف الإسلاميين واليساريين: الماضي والمستقبل” موقع “لكم” الإلكتروني:http://www.lakome2.com 30/4/ 2016.

وفي المشهد السياسي المغربي تمكن الإشارة إلى تحالف اليسار الراديكالي مع جماعة العدل والإحسان، الذين أسسوا حركة 20 فبراير، لكن الحركة سرعان ما فشلت بسبب صعوبة تحقيق التوافق بين طرفيها المتناقضين، نظراً للتاريخ الدموي بينهما. وأيضاً إلى تحالف حزب التقدم والاشتراكية ذي التوجه اليساري وحزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلاموي. وهو تحالف يحيل إلى تجربتي تونس ومصر المتمثلتين في تحالف الإسلاميين واليسار لإسقاط نظامي بن علي ومبارك. وقد انتهى هذا التحالف بمجرد سقوط ذينك النظامين لتنطلق بعد ذلك مرحلة الصراع والتدافع حول المصلحة الخاصة لكل طرف.

ومنذ 2007، أخذ الاتحاد الاشتراكي كبرى الأحزاب اليسارية في التراجع عندما انتقل عدد مقاعده من 50 في 2002 إلى 38 مقعدا.

واستمر التراجع عندما نال الحزب 20 مقعدا فقط من أصل 395 في انتخابات 2016، بتراجع 19 مقعدا عن انتخابات 2011.

وفضلا عن الاتحاد الاشتراكي الذي يشكل اليوم القوة السابعة في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، يمثل اليسار أيضا كل من حزب التقدم والاشتراكية ب12 مقعدا (تراجع عن 2011 ب6 مقاعد)، وفدرالية اليسار الديمقراطي بمقعدين.

وفي 2019 غادر “التقدم والاشتراكية” الحكومة والتحق بصفوف المعارضة بعد أن شارك في حكومة بنكيران (الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية) والسنوات الأولى لحكومة سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية (والأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي).

وخلال أكتوبر 2019 قرر حزب التقدم والاشتراكية المغربي مغادرة الحكومة ، بسبب ما أسماه “الصراع بين مكوناتها”، حسب بيان للحزب.

اعتبر محمد مصباح مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات (غير حكومي)، أن “الأحزاب اليسارية بالمغرب عرفت تراجعا واضحا خلال الفترة بين 2002 و2007، واستمر منحى التراجع”.

وأضاف مصباح للأناضول، أن “التراجع بدأ مع قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الحكومة”.

وأوضح أن “التراجع يرتبط أساسا بعنصرين اثنين: أولهما القابلية للانقسام، حيث أن الأحزاب اليسارية بالمغرب ظاهرة انقسامية وتميل نحو التشتت؛ وثانيهما عدم تطور خطاب اليسار مع تطور المجتمع، إذ مازال يحافظ على خطاباته الكلاسيكية”.

ولفت أن “كل محاولات تجميع اليسار باءت بالفشل، رغم يقين الأحزاب اليسارية أن عدد الأصوات التي تحصل عليها مجتمعة تقترب أو تساوي ما يحصل عليه العدالة والتنمية (إسلامي/ قائد الائتلاف الحكومي منذ 2012)”.

وشدد على أن “أي محاولة للم شمل اليسار في المستقبل يكون مآلها الفشل، ولا أدل على ذلك مما حصل لفدرالية اليسار الديمقراطي التي لم تستطع أن تصمد دون مشاكل رغم أنها تحالف لثلاثة أحزاب يسارية فقط”.

وتابع: “اليسار لا يعيش مرحلة الموت السريري بل مرحلة نهاية فكرة اليسار، وهو ما يشكل خلخلة للتوازن السياسي في المغرب”.

وأردف: “في السابق كانت لدينا أحزاب يسارية قوية مقابل أحزاب إسلامية ثم أحزاب الإدارة، لكن اليوم لم يعد في الساحة سوى الإسلاميين وأحزاب الإدارة وأحزاب يسارية ضعيفة”.

وقال عباس بوغالم أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الأول (حكومية) بوجدة (شرق)، إن “الحديث عن وضعية اليسار بالمغرب على وجه الإجمال يطرح في حد ذاته صعوبات موضوعية ومنهجية، لذلك ونحن نتحدث ينبغي استحضار بعض التباينات والاختلافات التي تميز بعض مكونات الكتلة اليسارية، رغم أن القواسم المشتركة بينها غالبة”.

وأضاف بوغالم للأناضول، “تتمثل القواسم المشتركة أساسا في معاناة هذه الأحزاب من أعطاب بنيوية عميقة، تجعل الحديث عن الأحزاب اليسارية مقترنا بسمة الأزمة، وأصبحنا أمام متن خطابي تحليلي لأزمة اليسار المغربي وليس لليسار المغربي”.

وأوضح أن “أزمة اليسار مركبة، ترتبط بالجوهر والمضمون وليس بالأعراض، أي أن أزمة اليسار المغربي في اعتقادي أزمة فكرة وأزمة مشروع اليسار في حد ذاته”.

وبخصوص مستقبل أحزاب اليسار في ضوء انتخابات 2021، قال الأكاديمي المغربي، إن “حضور أحزاب اليسار سيظل محدودا في إطار المشهد السياسي والانتخابي”.

كما أن حجم تمثيليته في المؤسسة البرلمانية، يضيف بوغالم، “سيظل بالطبع محدودا في ظل واقع التشظي والانقسام للعائلة اليسارية وحالة الصراع الداخلي بين مختلف مكوناته، حيث بلغت مكونات اليسارية تسعة أحزاب سياسية في مرحلة من مراحل تطوره”.

وخلص: “أعتقد أن التيار السياسي اليساري في عمومه فاقد لأي تأثير سياسي وإيديولوجي، بل أصبح خارج دائرة الصراع حول السلطة، وهو ما يعكسه التراجع اللافت للحضور الانتخابي لمجموع الأحزاب اليسارية في انتخابات 2016 والتي لم تتجاوز 34 مقعدا، حصيلة أربع أحزاب يسارية إضافة إلى فدرالية اليسار الديمقراطي (3 أحزاب)”.