أصبحت مدينة القنيطرة معروفة بالغبار الأسود، ويشكل مصدر انشغال للمهتمين بالبيئة ، وتزداد وتيرة انبعاث الغبار الأسود في الفترة الليلية، حيث تتشح أسطح المنازل وشرفاتها بالسواد.
أطلق نشطاء و فعاليات حقوقية في القنيطرة (شمال غرب العاصمة)، حملة افتراضية لمطالبة السلطات باتخاذ “إجراءات فورية” للحد من الغبار الأسود الذي يجلبه الهواء الملوث، والذي يتطاير إلى أجساد الساكنة مثل تطايره في هواء المدينة، مخلفا آثاراً وخيمة على البيئة وصحة المواطنين وجميع الكائنات الحية الأخرى.
لهذا، راسلت جمعية أوكسجين للبيئة والصحة شهر ديسمبر/كانون الأول 2021، باعتباري رئيساً لجمعية “أوكسجين” للبيئة والصحة بالمغرب، كما راسلت كلاً من عمالة إقليم القنيطرة، والجماعة الترابية بالقنيطرة، ووزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، عبر مراسلات رسمية تطالب من خلالها بفتح تحقيق عاجل والحصول على المعلومات حول مصدر الغبار الأسود الذي أصبح يستشري في عدد من مناطق مدينة القنيطرة.
وجاءت مراسلات الجمعية بناءً على الفصول 31 – 35 – 71 و 136 من الدستور التي نصت على الحق في البيئة وفي التنمية المستدامة، والقانون الإطار رقم 99.12 الذي يعتبر بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، والقانون رقم 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء، والقانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، وعملاً بالتزامات المغرب الدولية تجاه البيئة والتنمية المستدامة المعبر عنها في اتفاقية “باريس” حول التغيرات المناخية.
كما عبّرت جمعية “أوكسجين” للبيئة والصحة عن قلقها الكبير من الانتشار الواسع للغبار الأسود في مختلف المناطق بالقنيطرة وما يحدثه من أضرار بيئية متعددة تؤثر سلباً على بيئة وصحة المواطنين، وناشدت المسؤولين بالتدخل العاجل من أجل الكشف عن النتائج الدقيقة التي ترصدها محطات القياس والكشف عن مصدر تلوث الهواء وأسبابه، وكذلك للوقوف على الإجراءات التي اتخذت بهدف إيقاف هذه الظاهرة، وتطبيق كل وسائل المراقبة، والحماية بصفة منتظمة واتخاذ كافة الإجراءات لحماية هواء المدينة من كل المخاطر المحدقة به.
وقالت الجمعية إن الغبار الأسود “قاتل خفي يتربص بنا، يفترس الصغار والكبار”، مشيرة إلى أن سكان المدينة والمناطق المحيطة بها، يعانون من غبار أسود “ينخر أجسادهم في صمت”.
ويعزو سكان المدينة سبب هذا الغبار إلى المحطات الحرارية والمصانع المحيطة بالمدينة، ودعا منظمو الحملة السكان إلى التوقيع على عريضة إلكترونية للفت انتباه مدبري الشأن العام في المدينة إلى خطورة الوضع البيئي في المنطقة.
وسبق لفعاليات مدنية أن انخرطت في أشكال احتجاجية منذ عام 2011 بعد رصد السكان لسحب سواء تغطي مدينتهم. ولاحظ السكان انتشار طبقات رقيقة من غبار أسود تغطي أسطح ونوافذ المنازل، خصوصا تلك القريبة من المناطق الصناعية.
وتفاعلا مع الحملة الرقمية، أصدرت وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة بيانا الخميس، أكدت فيه تعبئة وحدة متنقلة لرصد جودة الهواء في القنيطرة مجهزة بمعدات قياس خاصة بالغبار الأسود.
وأوضح البيان أن مؤشرات تقييم جودة الهواء لعام 2021، أظهرت أن هواء المدينة “جيد” و”جيد جدا”، مؤكدة في الوقت نفسه، أن تقييم شهري نوفمبر وديسمبر تراجع إلى “جيد” و”متوسط”.
وغير بعيد عن مدينة القنيطرة، ترفع أصوات حقوقية في مدينة المحمدية الواقعة على بعد 70 كيلومترا جنوبي العاصمة الرباط، المطالب نفسها، وتطالب ومنذ سنوات بإيجاد حل لمشكل الغبار الأسود الناجم عن مخلفات وحدات صناعية.
وتظاهر العشرات من النشطاء في نوفمبر الماضي للمطالبة بـ”حلول جذرية” لمشكل الغبار الأسود، وقالوا في تصريحات صحافية إنهم لاحظوا عودة هذه الجسيمات إلى سماء المدينة بعد اختفائها لأزيد من أربع سنوات.
وفي عام 2015، أوفدت وزارة الطاقة والمعادن وحدة متنقلة إلى المدينة للتقصي في أسباب الغبار الأسود وقياس مدى ملاءمة جودة هواء المدينة للمعايير المعمول به دوليا.
وفي السنة نفسها، أظهرت دراسة أنجزتها الوزارة بدعم من البنك الدولي أن تلوث الهواء يكلف المغرب سنويا 1.05 من الناتج الوطني الخام، كما أنه يتسبب في عدد كبير من الوفيات يتراوح بين 2200 و6000 وفاة.
تبعا لذلك، نسقت الوزارة مع عدد من المصالح الحكومية لوضع شبكة وطنية لمراقبة جودة الهواء تتكون من 29 محطة في عدد من المدن المغربية، حيث تعمل هذه المحطات على قياس وتتبع العوامل المؤثرة في تلوث هواء المدن.