قال الكاتب والروائي الدكتور حسن أوريد إن هناك مدا عالميا للتضييق على الحريات أو ما يسمى بعودة السلطوية، بما فيها السلطوية الاقتصادية. وبالدرجة الأولى الولايات المتحدة الأمريكية وما عرفته من تغيرات في سياستها خاصة بعد تنصيب الرئيس “جو بايدن” أو ما بعد مرحلة “ترامب”، وتأثير جائحة كورونا على المجتمع وعلى السياسة الخارجية للبلاد، والصين التي أصبحت فاعلا سياسيا وليس اقتصاديا فقط، حيث تريد أن تغير قواعد الاقتصاد والمنظومة الاقتصادية التي بزغت منذ الحرب العالمية الثانية، ثم روسيا التي كانت غائبة ومغيبة، إلا أنها سعت إلى أخذ ثأرها بالأخص من خلال حدث مهم سنة 2007 أعاد خطاب الحرب الباردة، فكان من الضروري الوقوف على التطورات التي عرفتها روسيا وبالأخص عند منظر هاته الرؤية وهو بريماكوف” والذي كان مسؤولا في الخارجية الروسية وكان يتقن اللغة العربية واشتغل في العراق وسوريا ومصر وهو ما يفسر اهتمام روسيا بالعالم العربي اليوم.
وأكد أوريد خلال محاضرة “عالم بلا معالم: مفاتيح جديدة لفهم واقعنا المعاصر” نظمتها منظمة “التجديد الطلابي”بالمقر المركزي لحركة التوحيد والإصلاح، أمس الخميس، بأن كتاب صدر في الولايات المتحدة الأمريكية يشير إلى أن هناك سلطوية تمارس باسم الفعالية الاقتصادية مسنودة بما يسمى حكم التكنوقراط”.
وأضاف المفكر المغربي : ” أنا لا أجادل في ضرورة وجود تقنيين ولكن أجادل فيما أسميه انتحال الصفة، فالتكنوقراطي رجل الأجوبة له معرفة في ميادين تقنية دقيقة في العالم البنكي والمنجمي والمالي والأمني أيضا، وهذا أمر مفهوم لكن المجتمعات تحتاج إلى من يطرح الأسئلة”.
وتابع ” والحال أن هؤلاء الذين لهم أجوبة يخطئون ونرى بالملموس أنهم أخطأوا، إذن من الضروري أن نسائلهم وأنا هنا لا أقول إنه يجب أن نستغني عنهم”. يضيف ” أنا ضد انتحال الصفة وأن يصبح التكنوقراطي هو صاحب الأسئلة والأجوبة والذاكرة، ويقولب هذه الذاكرة”.
مؤكداً على أنه يجب أن نرى الجوانب الإيجابية للثورة الرقمية، مضيفا ” أنا كنت في منزلي بالحجر الصحي وأقرأ آخر ما صدر في المكتبات الأمريكية وهذا لم يكن متاحا من قبل، كما أن التطور الرقمي فضح الكثير من الجرائم، فقد وقعت جريمة في قنصلية السعودية في إسطنبول وعلم بها العالم أجمع، في حين أننا لا تعرف شيئا عن جريمة اغتيال المهدي بنبركة التي حدثت في الستينات”.
وشدد على أن الثورة الرقمية يجب أن تكون أداة لكن ينبغي أن لا تعفينا من ضرورة التفكير، خاصة في كيفية التعامل مع هذه الأداة.
واستشهد بأزمة الهيئات الوسيطة عالميا، واستئثار التقنيين بالقرار، يضاف إليها الهندسة القانونية الدولية التي تعطي الأسبقية للمعاهدات الدولية على القوانين.
تابع بأن هناك حزمة من الأمور تحد عمليا من ما يسمى بالسيادة الشعبية، حيث تصبح هذه الأخيرة بما فيها في الغرب مجرد يافطة، مضيفا ” على كل حال الديمقراطية في أزمة وهذا ما أشار إليه أيضا الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال تتويجه”. يضيف أوريد بأن الغرب خان قيمه فقد دعا إلى تحرير الإنسان لكنه استعبده، نادى بحرية التعبير واليوم هناك تطويق لها.
كما شدد على أن الانتقال الديمقراطي بالمغرب فشل، وهذا ما يجب أن يفضي إلى أصحاب الفكر ومن يشتغلون بالأفكار كي يطرحوا السؤال لماذا؟ وهل المسألة عارضة أم بنيوية؟.
وأضاف ” رغم هذا هناك دينامية مجتمعية مغربية لها شرعية لأنها ضحت من أجل الاستقلال، وأدت الثمن من أجل الدمقرطة في الستينات وفي السبعينات”.
وأشار أنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار العوامل الخارجية التي تلعب دورا كبيرا وقد تكون إما محفزا أو كابحا، فسياق الحرب العالمية الثانية كان مشجعا للمغاربة من أجل المطالبة بالاستقلال، وتغير السياق الدولي مع الحرب الباردة وأصبح كابحا. يضيف أوريد ” سقط حائط برلين فأصبح السياق الدولي مشجعا وظهر خطاب حقوق الإنسان والدمقرطة والتناوب، ثم جاءت أحداث 11 شتنبر فأصبح السياق الدولي كابحا، والربيع العربي كان حافزا لكن فشله أصبح كابحا”.
وأكد أوريد أنه لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم بدون فكر، والحال أن الغائب الأكبر في مجتمعاتنا هو الفكر.
ونبّه إلى أن لدينا خلط بين المعتقدات وهي شيء أساسي، حيث لا يمكن أن نتصور مجتمعا ما دون معتقدات، سواء أكانت وضعية أو غير وضعية، لكن هناك أشياء أخرى أساسية للمجتمعات هي الفكر، الذي يمكن المجتمعات من صياغة ذكائها من أجل تجاوز معضلات ما.
ولفت إلى أن هذه المعضلات قد ترتبط بمشاكل اجتماعية مثل العدالة الاجتماعية مثلا، فهل يمكن أن نحل هذا المشكل من خلال المعتقدات أو سنسعى لقراءة الواقع والتفاعل من أجل تجاوز التناقض؟. واعتبر أوريد أن الغائب الأكبر في العالم العربي هو الفكر، حيث عاش في العشر سنوات الماضية هبة كبيرة، لكنها تحولت إلى خيبة كبيرة.
وختم بالحديث عن ظاهرة الهجرة، وهي قضية بنوية، حيث اعتبر أنه إن لم يتم التفكير فيها بعمق فيمكن توقع كل شيء، والتفكير فيها بناء على مقتضيات اقتصادية دون ان نحرم البلدان الفقيرة من عقولها، وألا نتصدى للظاهرة من خلال مقاربات أمنية أو إنسانية فقط وإنما في شموليتها.
مرشح للرئاسيات الفرنسية يتوعد بمنع دخول الجزائريين إلى البلاد و”لن أطلب الاعتذار عن جرائم فرنسا”