أوزين غاضب من تفكك جبهة الرقابة: من اختلال التنسيق إلى اتهامات “الاختلاس”.. ماذا يحدث داخل المعارضة؟

0
258

في لحظة سياسية تتسم بتزايد الاحتقان الاجتماعي وتراكم الانتقادات لسياسات الحكومة المغربية، جاء الإعلان المفاجئ عن انسحاب حزب الاتحاد الاشتراكي من التنسيق حول ملتمس الرقابة كصفعة لمكونات المعارضة البرلمانية. هذا الانسحاب، الذي تم دون بلاغ مشترك أو تبرير مقنع، فتح الباب أمام موجة من التساؤلات، ليس فقط حول دوافعه، ولكن أيضًا حول ما إذا كان يعكس خللاً بنيويًا داخل المعارضة المغربية.

فهل نحن أمام “حادث عرضي” ناجم عن اختلافات تكتيكية؟ أم أن هناك ما هو أعمق: خلافات في الرؤية، أو صراع غير معلن حول الزعامة داخل المعارضة، أو حتى حسابات انتخابية باكرة بدأت تتشكل قبل الأوان؟

أوزين يتحدث بمرارة: المعارضة تفرّط في ورقة دستورية نادرة

محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، لم يخف استياءه، بل عبّر عنه صراحة خلال مشاركته في المؤتمر التأسيسي لهيئة المتصرفين الحركيين بالرباط، مستنكرا انسحاب الاتحاد الاشتراكي من التنسيق، دون سابق إشعار أو توضيح داخلي.

تصريحه حمل دلالات متعددة، حيث وصف ما حدث بـ”المقلق”، مشيرًا إلى أن التنسيق بين الأحزاب (الحركة الشعبية، التقدم والاشتراكية، العدالة والتنمية) كان قد بلغ مراحل متقدمة، وأن ملتمس الرقابة لم يكن مجرد فكرة عابرة بل مشروعًا ناضجًا ينتظر التفعيل. فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يُجهض بهذا الشكل؟

“اختلاس الملتمس”: دلالة لغوية أم اتهام سياسي مقنّع؟

أكثر ما أثار حفيظة أوزين هو ورود عبارة “اختلاس ملتمس الرقابة” في بلاغ الفريق الاتحادي، وهي عبارة لم تمر مرور الكرام. فهو يرى أن استعمال لفظ “الاختلاس”، الذي يرتبط قانونيًا وسوسيولوجيًا بمفهوم السرقة، يحمل إيحاءات خطيرة، قد توحي للرأي العام بوجود تلاعب أو خيانة داخلية.

وفي سياق يُفترض فيه أن يكون “ملتمس الرقابة” أداة جماعية للضغط السياسي، يبرز سؤال ملحّ: هل تحوّل التنسيق البرلماني إلى ساحة لتصفية الحسابات، واحتكار المبادرات، بدل توحيد الصفوف أمام حكومة يُجمع المنتقدون على أنها تعاني من ضعف في التواصل، وارتباك في السياسات الاجتماعية؟

المعارضة البرلمانية: تنسيق هش أم أزمة مشروع؟

يبدو من الواضح أن التنسيق بين مكونات المعارضة البرلمانية يعاني من الهشاشة. فالمسألة لا ترتبط فقط بانسحاب الاتحاد الاشتراكي، بل بغياب قاعدة صلبة لعمل مشترك مستدام، وهو ما يجعل كل مبادرة عرضة للتفكك عند أول منعطف.

هل تمتلك المعارضة في المغرب مشروعًا سياسيًا موحدًا قادرًا على تجاوز الحسابات الظرفية؟ أم أنها ما زالت رهينة لتوازنات ما قبل 2021، وترددات الخروج من النسخة السابقة من الحكومة؟

المفارقة أن ملتمس الرقابة، رغم محدودية حظوظه الدستورية في إسقاط الحكومة، يظل ورقة سياسية قوية من حيث الرمزية، وإشعار للرأي العام بأن هناك بديلاً ممكنًا. أما وقد سُحب من التداول بهذه الطريقة، فإن الرسالة التي تصله اليوم قد تكون معكوسة تمامًا: لا بديل، ولا حتى معارضة متماسكة.

من مؤتمر المتصرفين إلى مأزق التنسيق: سؤال حول مستقبل الحزب

الحدث التنظيمي الذي كان يُفترض أن يُسلّط الضوء على الدينامية الداخلية لحزب الحركة الشعبية، تحوّل إلى مناسبة لإبراز التصدعات داخل المعارضة. ورغم أن تأسيس “هيئة المتصرفين الحركيين” خطوة ترمي إلى تجديد نخبة الحزب وربط العمل الحزبي بالإدارة العمومية، إلا أن ذلك لا يخفي الحاجة إلى رؤية سياسية متماسكة داخل الحزب نفسه، تُجيب عن سؤال مركزي: كيف يمكن للحركة الشعبية أن تبني موقعًا مستقلًا ومؤثرًا في مشهد سياسي متغير، دون الوقوع في التبعية أو العزلة؟

في العمق: هل فشلت المعارضة المغربية في اقتناص لحظة سياسية مواتية؟

انسحاب الاتحاد الاشتراكي، وطريقة تدبيره، لا يكشف فقط خللاً في التنسيق، بل يُضيء جانبًا أعمق من الأزمة: غياب الثقة السياسية بين مكونات يفترض أنها تشترك في معارضة الحكومة.

فإذا لم تستطع المعارضة الاتفاق على “ملتمس رقابة”، فكيف لها أن تُقدّم بدائل مشتركة في ملفات كبرى مثل العدالة الاجتماعية، التعليم، الصحة، والنموذج التنموي؟

وإذا ما تكرّر هذا النوع من التصدعات، فإن القلق لن يكون فقط لدى قادة الأحزاب، بل لدى الرأي العام الذي يبحث عن خطاب صادق، متماسك، ويعكس فعلاً لا قولاً، موقع المعارضة كصمام أمان للديمقراطية.

خلاصة:

قد تكون واقعة انسحاب الاتحاد الاشتراكي مجرد حلقة في سلسلة، لكنها تكشف بوضوح أن المعارضة البرلمانية في المغرب تمرّ بمرحلة مفصلية، تحتاج فيها إلى أكثر من خطابات حزينة أو ردود فعل غاضبة. إنها تحتاج إلى مشروع، وإلى ثقة متبادلة، وإلى شجاعة سياسية حقيقية.

فهل ستتدارك المعارضة هذه الثغرات قبل فوات الأوان؟ أم أن “ملتمس الرقابة” سيكون شاهدًا جديدًا على عجز بنيوي في هندسة العمل السياسي المغربي؟