أوزين يواجه وزير الصحة تحت قبة البرلمان: هل تكفي الأرقام لإخماد غضب الشارع؟

0
224

خمسة أيام فقط بعد الاحتجاجات الدموية التي قادها شباب “جيل زد”، كان قبة البرلمان على موعد مع مواجهة ساخنة بين المعارضة والحكومة حول الوضع الصحي بالمغرب. مواجهة تجسدت في مداخلة محمد أوزين، الأمين العام للحركة الشعبية، الذي شنّ هجوماً حاداً على وزير الصحة والحماية الاجتماعية، متهماً الحكومة بالعجز عن مواكبة انتظارات المواطنين وبخاصة الشباب.

لكن خلف هذا الجدل، تطرح المساءلة سؤالاً أكبر: هل كان البرلمان مجرد فضاء لتصريف الغضب السياسي، أم بداية حقيقية لنقاش عمومي واسع حول مأزق المنظومة الصحية بالمغرب؟

أوزين… من الاحتجاج إلى البرلمان

في خطابه، لم يكتف أوزين بالانتقاد التقليدي، بل استحضر لغة الشارع، وحتى مقاطع من أغاني الراب التي يرددها الشباب: “بلادي لا دراميد، لا سبيطار لا طبيب”. أراد بذلك أن يعكس أن ما وقع في الشارع ليس حدثاً عابراً، بل رسالة صريحة حول عمق الأزمة الصحية والاجتماعية.

أوزين ركّز على نقاط ثلاث جوهرية:

  1. غياب الأثر الملموس لميزانية الصحة رغم تخصيص 5% من ميزانية الدولة.

  2. ضعف المواكبة والإجراءات الاستعجالية، حيث تساءل: “ما هي النظافة التي تحتاج وقتاً؟” في إشارة إلى سوء تدبير أبسط الخدمات.

  3. نزيف الأطباء نحو القطاع الخاص والخارج، ما يضع العرض الصحي العمومي في حالة شبه عجز.

هل كان أوزين يخاطب الوزير، أم كان يوجّه رسائل سياسية أبعد، في سياق احتقان اجتماعي غير مسبوق؟

الوزير التهراوي… خطاب الإصلاح الشامل

من جهته، حاول وزير الصحة أمين التهراوي امتصاص الغضب بالاعتراف أن مشاكل القطاع “مزمنة ومتراكمة”، لكنه شدّد على أن الحكومة “شرعت في الإصلاحات” عبر تقوية الإطار القانوني، وبناء مستشفيات جديدة، وفتح كليات للطب والصيدلة، وزيادة مقاعد التكوين الطبي.

أرقام الوزير بدت لافتة:

  • رفع عدد الأطباء قيد التكوين إلى 6414 مقعداً سنة 2025 مقابل 2650 فقط سنة 2019.

  • تأهيل 1400 مركز صحي، منها 945 مركزاً جاهزاً.

  • إنجاز مستشفيات جامعية جديدة بطنجة، أكادير، العيون، والرباط، بطاقة تفوق 3.500 سرير.

  • زيادة الموارد البشرية من 45 ألفاً سنة 2019 إلى أكثر من 59 ألفاً سنة 2025.

لكن السؤال المحوري: هل تكفي لغة الأرقام لإقناع الشارع الذي يرى أن المستشفيات ما زالت عاجزة عن تلبية أبسط حاجاته؟

بين وعود انتخابية واحتجاجات الشارع

الاحتجاجات التي فجّرها شباب “جيل زد” لم تكن، كما حاولت بعض الخطابات الرسمية تصويرها، مجرد “انفعالات شبابية”، بل تعبير عن فقدان الثقة في مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها القطاع الصحي. المعارضة التقطت هذه الرسالة وحاولت ترجمتها تحت قبة البرلمان.

لكن هنا يطرح السؤال:

  • هل كان تدخل أوزين مجرد تصعيد سياسي بعد أحداث الشارع، أم خطوة مسؤولة لتوسيع النقاش العمومي حول ورش الإصلاح الصحي؟

  • وإلى أي حد ستتمكن الحكومة من تحويل إنجازاتها الورقية وأرقامها الكبيرة إلى واقع يلمسه المواطن؟

مأزق الثقة… جوهر الأزمة

إذا كان الوزير قد قدّم معطيات ملموسة حول المشاريع قيد الإنجاز، فإن ما يواجه الحكومة اليوم ليس فقط نقص البنيات ولا الموارد البشرية، بل أزمة ثقة. المواطن المغربي لم يعد يقبل التبريرات أو الخطابات المستقبلية، بل يريد نتائج آنية، على الأقل في مستوى النظافة، الاستقبال، والأدوية الأساسية.

المفارقة أن هذه المطالب البسيطة لا تحتاج إلى مليارات أو سنوات، بل إلى إرادة سياسية حقيقية وتدبير صارم، وهو ما أشار إليه أوزين حين تساءل: “ما هي النظافة التي تحتاج وقتاً؟”

أسئلة للنقاش العمومي

المساءلة البرلمانية الأخيرة ليست سوى محطة في مسار طويل، لكنها تفتح الباب لطرح أسئلة جوهرية:

  • كيف يمكن إصلاح قطاع الصحة دون ربطه بإصلاح أعمق لنموذج الحكامة والعدالة الاجتماعية؟

  • هل تكفي الزيادات في الأجور والتكوين لاستبقاء الأطباء، أم أن الحل يتطلب ثورة في ظروف العمل والاعتراف بالكرامة المهنية؟

  • إلى أي حد يمكن للبرلمان أن يكون فعلاً فضاءً لمحاسبة الحكومة في قضايا مصيرية، لا مجرد ساحة لتبادل الاتهامات؟

  • وهل سيبقى صوت الشارع هو المحدد الرئيسي في دفع الإصلاحات، أم ستسبق الحكومة الأحداث وتبادر باستباق الأزمات؟

خاتمة: ما بعد البرلمان

ما جرى في البرلمان بين أوزين والتهراوي هو انعكاس مباشر لما يجري في الشارع المغربي. الصحة ليست مجرد قطاع، بل مرآة لمدى احترام الدولة لحقوق مواطنيها. إن لم تتحول الأرقام التي قدمها الوزير إلى أثر ملموس في حياة الناس، فسيبقى الغضب الشعبي قابلاً للانفجار مجدداً.

السؤال الأعمق الذي يجب أن نطرحه اليوم: هل تملك الحكومة الشجاعة السياسية لتجعل من إصلاح الصحة أولوية وطنية فعلية، أم أن الأمر سيظل ورشاً مفتوحاً بانتظار احتجاجات جديدة تذكّرها بوعودها؟