عرفت الوحدة المدرسية تازنوت “مجموعة مدارس أي ويران” في طاطا (جنوب المملكة) دخولا مدرسيا هذا الموسم على وقع الاحتجاج ومنع الانباء من الالتحاق بمؤسساتهم التعليمية بسبب أوضاعها التي وصفت بالكارثية، حيث تحدث البعض عن الأخطار التي تترصد فلذات أكبادهم بفعل اهتراء الجدران والسقوف، في وقت تجمع اخرون رافضين التحاق ابناءهم بالمدارس لغاية توفير ظروف لائقة لهم.
ومثلما توقعنا سابقا فإن الدخول المدرسي هذه المرة كان على وقع نقائص معتبرة، والتي لازال قطاع التربية غارقا فيها منذ سنوات، ولطالما كانت سببا في عديد الاحتجاجات المواسم الماضية، وهي المشاكل التي تعقدت هذا العام بسبب تدابير الوقاية من كورونا والتي وضعت المؤسسات التعليمية أمام أزمة حقيقية اسمها مواد التعقيم والتنظيف والتي يجب توفيرها بالكميات اللازمة لمنع أو على الأقل الحد من انتشار فيروس كورونا بين التلاميذ، حيث تجمع يوم الخميس الماضي أولياء التلاميذ المتمدرسين، وطالبوا بحضور المسؤولين، مانعين أبناءهم من الالتحاق بمقاعد الدراسة بسبب وضعية المدرسة التي لم تعد لائقة لاستقبال أي تلميذ بسبب اهتراء الأقسام والجدران والتي توجب برمجة عملية وترميم وإعادة اعتبار بدل الزج فلذات اكبادهم في مغامرة قد تنهي حياة أحدهم في أي لحظة في حال انهيار أي جدار، مطالبين بتوفير ظروف أمنة للتلاميذ وخاصة في ظل الأزمة الصحية الخاصة بوباء كورونا، مشيرين الى العجز عن الاهتمام بالمؤسسة خلال العطلة الإجبارية التي فرضتها كورونا وانها كانت فرصة حقيقية لإصلاح ما يمكن إصلاحه، وهو ما ينطبق أيضا على عديد المؤسسات التربوية التي تعرف وضعا كارثيا بأتم معنى الكلمة.
بعد سنوات من الجهود الفاشلة لإصلاح قطاع التعليم، يجب الآن على المغرب ضمان إعادة تشكيل شاملة لمؤسساته من أجل السماح بتنفيذ فعال لبرنامجه الإصلاحي. كما أنه من الضروري تعزيز هذه المؤسسات لكي توفر الحماية للمواطنين وتعيد بناء ثقتهم في النظام التعليمي الوطني
عرف قطاع التعليم في المغرب غداة الاستقلال سنة 1956 ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد المتعلمين، لكنه بقي متواضعاً من حيث الجودة. ومع مرور العقود التالية ظلت هذه الوضعية مؤبدة بفعل عوامل كثيرة يصعب حصرها، بل تحولت هذه الحال إلى مشكلة بنيوية استعصى حلها على كل الحكومات التي تعاقبت على تدبير قطاع التعليم في المغرب خلال ستين سنة بعد الاستقلال. وفي أيامنا هذه، يقر الجميع في المغرب، بدءاً من أعلى قمة هرم السلطة إلى المواطن البسيط أن المدرسة المغربية عليلة، بل ثمة إيمان كبير أن علاجها أضحى مهمة مستحيلة بسبب الفشل الذريع لكل الإصلاحات التي طبّقت خلال العقدين الماضيين.
فيما يخص الإصلاحات التي طبّقت منذ سنة 1956 (تاريخ الاستقلال) فكثيرة؛ بدءاً من إحداث وزارة التربية الوطنية (1956)، وإحداث أول هيئة رسمية عهد لها بإصلاح التعليم (1957)، وتنصيب “الهيئة الملكية لإصلاح التعليم” (1958)، التي أصدرت “ميثاق التعليم” سنة (1959)، ثم ندوة المعمورة حول إصلاح التعليم (1964)، وأيام التربية الوطنية المنعقدة بمنتجع إفران (1980)، ومشروع “التكوين المهني” ولا مركزية الجامعات (1988-1995). وفي بدايات الألفية الجديدة تم تكوين هيئة وطنية من 34 شخصية مغربية عهد إليها بوضع “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” (1999)، وتم تطبيق هذا الميثاق سنة (2000). لكن فشله الكبير سرّع بوضع البرنامج الاستعجالي الذي أُحدِث لإنقاذ فشل “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” (2009). وبسبب إعلان الفشل النهائي لـ “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” ثم أخيراً وضع مشروع جديد تحت عنوان كبير وطموح: “من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء: رؤية استراتيجية للإصلاح 2015-2030″، بدأ تنفيذه وإنزال مقتضياته منذ سنة 2015.
إذاً، يتعلق الأمر بما يفوق 11 إصلاحاً كبيراً، بالإضافة لإصلاحات أخرى إدارية ومالية جزئية نفذها المغرب خلال هذه الفترة الطويلة نسبياً. لكن هذه الإصلاحات كلها لم تنجح في تطوير المدرسة المغربية، بل تردت هذه المؤسسة وتدهورت مخرجاتها في زمن تطبيقها.
وعلى صعيد آخر، ورغم الصورة السيئة التي ترسمها التقارير الرسمية عن وضعية المدرسة المغربية؛ فإن بعض النجاحات قد تم تحقيقها بالفعل. لكن مجيئها المتأخر جعل من قيمتها وكأنها منعدمة. ومن بين النجاحات المتأخرة التي حققتها المدرسة المغربية، الوصول إلى نسبة تسجيل تفوق 100% في المستوى التعليمي الابتدائي. لكن وكما يبدو في الشكل أسفله، فهذا النجاح حققه بلد مثل تونس، يقترب نموذجه الاقتصادي والمؤسساتي من المغرب، بفارق يفوق 35 سنة عن المغرب.
كما يبدو من الإحصائيات الخاصة بالمغرب، التراجع الكبير الذي حصل في هذه النسبة بين بداية الثمانينيات ومنتصف التسعينيات، ولم يستطع المغرب الرجوع إلى المعدل نفسه الذي حققه في بداية الثمانينيات إلا بعد عشرين سنة، سنة 2000.
وهذا يعد إهداراً كبيراً لزمن المدرسة المغربية. لكن يمكن تفسيره بالتجاهل الذي ووجهت به المدرسة المغربية بسبب الانتفاضات العنيفة التي شهدها البلد، بين ستينيات وثمانينيات القرن العشرين، والتي كانت المدرسة جزءاً من الدعوة إليها أو التعبئة لها.
إن هذا النجاح الصغير في تعميم التعليم الابتدائي في المغرب، لا يمكنه أن يغطي الصورة القاتمة التي رسمتها التقييمات الوطنية التي مهدت لمشروع الإصلاح الجديد؛ “من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء: رؤية استراتيجية للإصلاح 2015-2030”.
إن الأسرة والمجتمع المغربيين فقدا الثقة في المدرسة وفي قدرتها على أداء وظيفتها ورفع التحديات الحالية والمستقبلية للمغرب .
وتعتبر أزمة الثقة في المدرسة ودورها، ونجاعتها، وجودتها من بين الملاحظات القوية التي أقر بها المشروع الجديد للإصلاح4. إن مجرد الإقرار بذلك ينقل المشكلة إلى البنية المؤسساتية للبلد، إذ أليست الثقة منتجاً خالصاً لا تضمنه إلا مؤسسات متينة وحرة وديمقراطية ؟
مظاهر فشل المدرسة المغربية:
بعد 13 سنة من تطبيق ميثاق التربية والتكوين والبحث العلمي، أصدر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تقريراً تقويمياً أشرفت عليه “الهيئة الوطنية للتقويم” تحت عنوان: “تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين والبحث العلمي 2000-2013: المكتسبات والمعيقات والتحديات” .
وبعد دراسة أوجه خلل المدرسة المغربية وحصرها، قام هذا التقرير بتصنيفها إلى صنفين: خلل مرتبط بمحدودية المردودية الداخلية للمدرسة المغربية، وخلل مرتبط بضعف المردودية الخارجية لهذه المدرسة.فيما يتعلق بمحدودية المردودية الداخلية؛ فإن المدرسة المغربية تعاني من ضعف التمكن من اللغات والمعارف والكفايات والقيم ، ومن استمرار ظاهرة الهدر المدرسي والمهني والجامعي ، ومن ضعف المردودية الكمية والكيفية للبحث العلمي.
أما فيما يخص ضعف المردودية الخارجية فيتجلى أساساً حسب هذا التقرير في الصعوبات التي يصادفها خريجو المدرسة المغربية في الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي ، وفي انكفاء المدرسة المغربية على ذاتها، وعدم قدرتها على الانفتاح على محيطها وعلى عالم الابتكارات والتكنولوجيا وإضافات المعرفة.
اعتمد هذا التقرير كما تقارير أخرى أصدرها “المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي” حول وضعية المدرسة المغربية على التقييمات العالمية المعروفة، خاصة المسوحات المعروفة تحت اسمي TIMSS وPIRLS. حيث يهتم هذان المسحان بتقييم درجة تمكن تلاميذ المدارس من القراءة والكتابة ودرجة استيعابهم للعلوم ومادة الرياضيات. وفيما يخص الحال المغربية، قدم المسحان صورة كارثية عن مخرجات المدرسة المغربية. فخلال عقد واحد فقط، من خلال مقارنة نتائج المسحين بين سنتي 2001 و2011، تبين أن مخرجات المدرسة المغربية تدهورت جودتها بنسب مرتفعة.
بينت نتائج هذه التقييمات مثلاً، حسب أحد تقارير المجلس أن 60% من تلاميذ السنة الرابعة ابتدائي، و49% من تلاميذ السنة الثانية ثانوي إعدادي، يدرسون في مؤسسات تعيش مشكلات أمنية وسلوكية تتراوح بين ظاهرة الغياب عن الدروس والتأخر عن الحصص، والغش، ومظاهر التخريب وتهديد السلامة الجسدية للمتعلمين وحتى المعلمين. وحسب نتائج هذا التقييم؛ تبلغ نسبة من يدرسون في مدارس جيدة لا تعاني من هذه الظواهر 14% من مجموع التلاميذ المغاربة.