تسع جزر ومدينتان، بعضها لا يفصله سوى أمتار عن الأراضي المغربيَّة، لكنَّها لا تزال تحت الاحتلال الإسباني إلى يومنا هذا. المملكة المغربية لا تعترف بوجود حدود بحرية للجزر الخاضعة حاليا للسيادة الإسبانية والتي يقيم فيها عناصر الجيش الإسباني
قد يُفاجأ كثيرون حينما يسمعون بوجود تسع جزر ومدينتان مغربيَّتين تقعان فوق الأراضي المغربية وتخضعان للإحتلال الإسباني. ترى فيها الرباط جزءاً لا يجزَّأ من ترابها. هي القضيَّة التي أعادها التوتر الدبلوماسي المغربي الإسباني، خصوصاً في تطوراته الأخيرة المتعلقة باقتحام عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين جيب سبتة المحتل (شمال البلاد)، إلى واجهة الحدث الدولي.
قد تعرف قضية وجود مزرعة أسماك بالقرب من الجزر الجعفرية التي “تحتلها إسبانيا على بُعد أمتار من السواحل المغربية الشمالية، منحى تصاعديا في وسائل الإعلام الإسبانية وحتى في أوساط بعض الأحزاب السياسية كحزب ’فوكس’الذي طالب حكومة بيدرو سانشيز بتقديم توضيحات حول هذه المزرعة” ربما قد تتطور إلى أزمة جديدة بين البلدين
وحسب مصادر إعلامية إسبانية، فإن مزرعة تربية الأسماك المعنية تعود لشركة مغربية ” أكوافارم المتوسط”، وقالت صحيفة “الكونفيدينثيال” في تقرير نشرته اليوم الخميس، أنها تقع على بعد 700 متر من إحدى الجزر الجعفرية، مما يعني أنها داخل الحدود البحرية لهذه الجزر، وقد نشرت صورة حصرية تدعي أنها تعود للمزرعة المثيرة للنقاش.
وأضافت الصحيفة المذكورة، أن “المغرب لا يعترف بوجود حدود بحرية لهذه الجزر الخاضعة حاليا للسيادة الإسبانية والتي يقيم فيها عناصر الجيش الإسباني وغير مؤهولة بالسكان المدنيين، لكنه ظل يحترم تلك الحدود على مدى سنوات طويلة، قبل هذه الخطوة الأخيرة المتمثلة في قيام شركة مغربية بإنشاء مزرعة لتربية الأسماك على مقربة من الجزر المذكورة.
واعتبرت صحيفة “إلكونفيدينثيال” أن هذه الخطوة، هي جس نبض جديد لحكومة بيدرو سانشيز، التي لم تُبد لحدود الساعة أي رد فعل على إنشاء تلك المزرعة المغربية لتربية الأسماك بالقرب من الجزر الجعفرية، وهو ما دفع بحزب “فوكس” الإسباني لانتقاد الحكومة.
وكانت النائبة البرلمانية عن حزب “فوكس”، يولاندا ميريلو، قد وجهت سؤالا إلى حكومة بيدرو سانشيز، تُطالبها بتقديم توضيحات حول قضية قيام المغرب بإنشاء مزرعة لتربية الأسماك داخل مياه الجزر الجعفرية التي تقع قبالة ساحلي الناظور والسعيدية، وكانت قد تلقت سابقا جوابا عن الحكومة الإسبانية، تنفي فيه وجود مزرعة مغربية لتربية الأسماك بمياه الجزر الجعفرية، مضيفة بأن “الحكومة لم تتلق أي طلب من المغرب أو شركة مغربية لإنشاء المزرعة”، إلا أن النائبة البرلمانية المذكورة لحزب “فوكس” قررت تجديد طلب الاستفسار، مؤكدة على وجود مزرعة هناك.
وبدأت هذه القضية تكبر يوما بعد آخر في الصحافة الإسبانية، الأمر الذي يفرض سؤال ما إذا كان الجدل بين المغرب وإسبانيا على الحدود البحرية ستجدد مرة أخرى؟، بعد الجدل الأول الذي انطلق في أواخر 2019 وبداية 2020، عندما صادق البرلمان المغربي على قانون لترسيم الحدود البحرية للمغرب في مسافة 200 كيلومتر.
وليست هذه أول مرة يتصاعد فيها الصدام بين البلدين الجارين عند نقاط التماسّ البرِّيَّة تلك، وليست سابقة أن تلعب تلك القضية الجامدة سياسيّاً أداة ضغط لأحد طرفيها على الآخر، إذ يعود الوجود الإسباني بمعظم هذه الثغور إلى بداية القرن 15م، إبان الغزو الإيبيري الأول للأراضي المغربيَّة عقب سقوط الأندلس، فيما أخذ المغرب على عاتقه، منذ 1960، تقديم مطالبات دولية بجلاء إسبانيا عن تلك الأراضي.
الجزر الجعفريَّة
أو جزر “إيشفارن” باللغة الأمازيغيَّة، هي أرخابيل من ثلاث جزر: عيشة وإيدو وأسني. تقابل سواحل منطقة رأس الماء المغربية (شمال شرق المملكة)، مساحتها مجتمعةً تقارب 0.6 كيلومتر مربع، ولا يفصلها عنها سوى 4 كيلومترات. احتلتها إسبانيا سنة 1848، فيما بقيت منطقة عسكريَّة تابعة لوزارة الدفاع الإسبانية، لا يُسمح بدخولها إلا بإذن رسمي. اثنتان منها غيرُ مأهولة، والثالثة (جزيرة أسني) بها ثكنة عسكرية تؤوي نحو 200 شخص بين جنود وإداريين وحراس بيئة.
باديس وجزر الحسيمة الثلاث
أقرب الجزر إلى السواحل المغربيَّة جزيرة قميرة، أو “حجر باديس” كما يسميها أهل الريف المغربي، إذ لا يفصل بينها وبين الشواطئ المحاذية لمدينة الحسيمة سوى بضعة أمتار من ممر صخري تغمره المياه ساعة المد. فيما على طول تاريخ الجزيرة، أو الحجر نسبة إلى مساحتها الصغيرة، عاشت مراحل متقلبة، فقد مثَّلت ثغراً أساسياً لأنشطة القرصنة بالبحر الأبيض المتوسط، قبل أن يحتلها الإسبان سنة 1508 لغرض كبح جماح التهديد الذي طال سفنها.
سنة 1522 ستثور الساكنة الأمازيغيَّة المحيطة بها فتستردها مجدداً، مُبيدة كل الحامية الإسبانيَّة التي استوطنتها. وفي سنة 1554 منحها السلطان أبو حسون الوطاسي لحلفائه العثمانيين، قبل أن يحتلّها الإسبان مجدداً بعد عشر سنوات. ومنذ ذلك الحين عرفت الجزيرة محاولات عديدة للاسترجاع، لكنها باءت كلها بالفشل.
علي مقربة منها، ووسط حوض الحسيمة، تقع ثلاث جزر صغيرة غير مأهولة يُنسب باسمها إلى المدينة المغربية. هي الأخرى لا تزال تحت الاحتلال الإسباني، وتعتبر مع جزيرة باديس منطقة عسكرية محظورة.
ليلى أو جزيرة البقدونس
هي جزيرة تقع وسط مضيق جبل طارق، على بعد 200 متر من السواحل المغربية. كانت مُهمَلة إلى حدود سنة 2002 حيث تصدَّرت الأحداث الدولية. ذلك عندما نشرت السلطات المغربيَّة قواتها على الجزيرة، بهدف مكافحة الهجرة السريَّة وعمليات تهريب المخدرات، الشيء الذي استنفر إسبانيا لتحرك قِطعها البحريَّة والجويَّة لمحاصرتها. ساد القلق العالَم من نشوب نزاع مسلَّح بين الدولتين، فيما أخذ التصعيد الدبلوماسي من الجانبين مجراه: إسبانيا بدعم كبير من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، والمغرب الذي اصطفّت جامعة الدول العربيَّة إلى جانبه.
تَوقَّف التوتر باتفاق بين المغرب وإسبانيا تحت الرعاية الأمريكيَّة، ينصّ على إعادة الوضع إلى حاله الأول، بسحب القوَّتين من تراب الجزيرة.
يُذكر أن المغرب أدرج المندوب المغربي لدى الأمم المتحدة، امحمد بوستة، سنة 1960، قضية هذه المناطق من بين المطالب الترابية المغربية خلال الجلسات الخاصة بـ”الإعلان عن منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة”.
لكن على الرغم من التحرك المغربي على الصعيد الدبلوماسي وتدويل قضيته، استمرت إسبانيا في نفي أن يكون لديها أي نزاع ترابي مع المغرب، كما تجاهلت الحكومات الإسبانية المتتالية كل المطالب المغربية بسبتة ومليلية والجزر المتوسطية، بدعوى أن انتماء هذه الأراضي إلى إسبانيا أمر محسوم.
المغرب يطلب من الإنتربول اعتقال الضابط الجزائري السابق بسبب التحريض على الإرهاب داخل المملكة