هل يكتب أحد أعرق مستشفيات المملكة صفحة جديدة في تاريخ الخدمة العمومية الصحية؟
توصلت جريدة “المغرب الآن” ببيان مفصل من الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، تسلّط فيه الضوء على ما وصفته بـ”تحول تاريخي” يعرفه المركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط، والذي يضم تسعة مستشفيات ومركزًا جامعيًا لطب الأسنان.
في لغة تسويقية مشبعة بنبرة الإنجاز، تحدث البيان عن تجاوز المركز لـ”عقود من سوء التدبير والعجز والفساد”، عبر قيادة إدارية جديدة تتزعمها البروفيسور محسن، ووصفت التحولات الجارية بأنها تضع حجر الأساس لإدارة حديثة، تعتمد مبادئ الشفافية، الحكامة، وتحفيز الكفاءات.
لكن، في قراءة تحليلية لما جاء في البيان، يبرز سؤال مشروع: هل تكفي الإجراءات الإدارية وحدها لإعادة الثقة في مؤسسة عمومية كانت لسنوات عنوانًا للاكتظاظ، والمعاناة، والمواعيد المؤجلة؟
نقل سلس… ولكن إلى أين؟
أحد أبرز ما سلّط عليه البيان الضوء، هو نجاح المركز في نقل الموارد البشرية وتوزيع التجهيزات بعد قرار هدم المبنى الرئيسي لابن سينا. واعتُبر ذلك إنجازًا تنظيميًا تمّ في أجواء هادئة، ووفق مبدأ التخيير والرضا. لكن الملاحظين يتساءلون: هل رافق هذا النقل تقييم موضوعي لقدرات المستشفيات المستقبلة؟ وهل توفرت شروط الاستقبال والفعالية؟
مكافحة “الريع الصحي”: خطوة محفوفة بالتحديات
في الجانب المتعلق بتعيينات المسؤولين ومحاربة ما سُمّي بـ”الريع النقابي والوظيفي”، اعتبر البيان أن الإدارة أغلقت منافذ الريع، وأزاحت الموظفين الأشباح. خطوة حاسمة، إن صحّت، لكنها تستدعي تحققًا مؤسساتيًا مستقلًا، خصوصًا أن التحرر من الفساد يتطلب قطيعة شاملة مع شبكات المصالح داخل القطاع الصحي، لا مجرد تدوير مواقع المسؤولية.
الموظف “شريك في الإصلاح”
من الإشارات الإيجابية التي حملها البيان، اعتماد ثقافة الحوار مع النقابات الجادة، وإشراك الأطباء والممرضين والإداريين في قرارات التدبير. غير أن هذا “الانفتاح الاجتماعي” يبقى رهينًا بالاستمرارية والملموس، لا بالشعارات، فهل يشعر العاملون فعليًا بتحسن ظروف اشتغالهم؟ أم أن الأمر لا يزال في خانة النوايا؟
مركز يتحول… ومنظومة تنتظر
البيان شدد على أن هذه التحولات تندرج ضمن تنزيل “المجموعة الصحية الترابية” بجهة الرباط-سلا-القنيطرة، وهي مشروع وطني طموح. غير أن المركز، رغم خطواته، يظل نقطة في بحر من الإشكالات البنيوية للمنظومة الصحية الوطنية، ما يتطلب أن يصبح هذا “التحول النموذجي” قاعدة لا استثناء، وأن تُستكمل حلقات الإصلاح بالتكوين، والرقمنة، وتحسين الأجور، وتجويد العلاقة مع المواطن.
في الختام: بين الأمل والمساءلة
المركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا أمام فرصة تاريخية ليكون نموذجًا وطنيًا حقيقيًا، لا فقط في بلاغات المؤسسات، بل في وجدان المواطنين الذين يزورونه، ويختبرون “الخدمة العمومية” في لحظاتهم الأكثر هشاشة. إن تحويل شعارات الجودة والحكامة إلى أثر يومي في حياة الناس، يظل المقياس الحقيقي لأي إصلاح، وأي بيان.