إصلاح التعليم العالي في الأردن: هل هو أولوية وطنية فعلية أم مجرد خطاب إصلاحي عابر؟

0
87

تحليل معمق لمقال الأستاذ الدكتور ماهر سليم (2025)

في مقاله “إصلاح التعليم العالي في الأردن: ضرورة وطنية لا ترف سياسي”، يطلق الأستاذ الدكتور ماهر سليم صرخة إصلاحية واعية، لكنها لا تُوجّه فقط إلى صناع القرار، بل إلى الوعي الجمعي الأردني الذي يبدو أنه بدأ يفقد ثقته في التعليم العالي كمصعد اجتماعي ورافعة للتنمية.

وإن كان ظاهر المقال يعرض التحديات والحلول، فإن باطنه يحمل نداءً مؤلمًا مفاده: هل ما زال التعليم العالي في الأردن يُنتِج كفاءات، أم بات يُخرِّج عاطلين؟ وهل الدولة الأردنية، بكل مؤسساتها، مستعدة فعليًا لإصلاح جريء، أم أن “الإصلاح” سيبقى مجرد شعار تستهلكه الخطابات وتفرغه البيروقراطية من مضمونه؟

قراءة في خلفيات المقال: هل نحن أمام أزمة تعليم أم أزمة حوكمة وطنية؟

يتجاوز مقال الدكتور سليم الطابع الأكاديمي البحت، ليقدّم تشخيصًا سياسيًا واجتماعيًا عميقًا لأزمة التعليم العالي في الأردن، ويضع يده على جرحين غائرين:

  1. فجوة بنيوية بين مخرجات الجامعات وسوق العمل: فهل يعقل أن تُغلق أبواب العمل أمام آلاف الخريجين سنويًا لمجرد أن تخصصاتهم لم تُخطط ضمن رؤية وطنية واضحة؟ أين تقع مسؤولية الدولة في ذلك، وأين دور القطاع الخاص في المشاركة بالتخطيط التعليمي؟

  2. ضعف في الحوكمة والتمويل والتأهيل: وهنا لا يتحدث الكاتب فقط عن ضعف الميزانيات، بل عن بنية متآكلة تحكمها أحيانًا الولاءات أكثر مما تحكمها الكفاءات. فهل يمكن إصلاح التعليم دون إصلاح المنظومة السياسية التي تدير مؤسساته؟

هل التعليم المهني والتقني هو الحل؟ أم مجرد خطاب بديل للهروب من فشل الجامعات؟

يراهن الكاتب على التعليم التقني والمهني كحل جذري لأزمة البطالة، لكنه يدرك جيدًا أن المجتمع لا يزال ينظر إليه بدونية. وهنا تبرز أسئلة عميقة:

  • من أين نبدأ في تغيير هذه الصورة الذهنية؟

  • وهل الحملات الإعلامية كافية، أم أن هناك حاجة لإعادة تعريف “القيمة الاجتماعية” للشهادة الجامعية مقابل المهارة المهنية؟

  • ثم: هل فعلاً توفر الدولة البنية التشريعية والتقنية لهذا المسار كخيار متكافئ مع التعليم الأكاديمي؟ أم ما زال يُنظر إليه كمصير “الفاشلين دراسيًا”؟

إصلاح التعليم أم إعادة هندسة العلاقة بين الجامعة والمجتمع؟

في خريطة الطريق التي يقترحها المقال، تتكرر كلمة “المواءمة” و”الربط”، بين التعليم وسوق العمل، بين البحث العلمي والمجتمع، بين المناهج والمهارات الحديثة… لكن السؤال الجوهري هو:

هل الجامعة الأردنية اليوم كيان معزول ينتج معرفة للاستهلاك الأكاديمي فقط؟ أم أنها مؤسسة مجتمعية حية يجب أن تتفاعل مع التحولات الاقتصادية، الثقافية والتكنولوجية؟

وفي حال سلمنا بهذا الربط، فهل تمتلك الجامعات هامش الاستقلالية الكافي لتعيد تشكيل برامجها؟ أم أنها ما زالت رهينة التعليمات المركزية والبيروقراطية الثقيلة؟

لماذا يتهرب الخطاب السياسي من الاعتراف بأن التعليم العالي يحتاج إلى “ثورة هادئة” لا إلى “رتوش شكلية”؟

في خاتمته، لا يكتفي الكاتب بالدعوة للإصلاح، بل يدعو إلى إنشاء لجنة وطنية مستقلة تضم خبراء من القطاعين العام والخاص، لوضع خطة تنفيذية قابلة للقياس والمساءلة. هنا تطرح “صحافة النظر” تساؤلات تتجاوز المقال:

  • لماذا تفشل لجان الإصلاح دائمًا حين تكون تحت عباءة وزارات قائمة؟

  • ولماذا لا نرى في الأردن – كما في دول أخرى – هيئات مستقلة لتقييم أداء الجامعات ومحاسبتها؟

  • وهل هناك إرادة سياسية حقيقية تجرؤ على إغلاق تخصصات فاشلة، أو إنهاء عقود موظفين لا يستحقون مناصبهم الأكاديمية؟

ختامًا: هل التعليم العالي في الأردن أزمة قطاع، أم مرآة لأزمة الدولة العميقة؟

إذا كان الإنسان هو الثروة الحقيقية للأردن – كما يقول المقال – فالسؤال: هل نعامله على هذا الأساس؟
هل هناك سياسات تراهن على العقل الأردني، على الباحث، على الأستاذ الجامعي، على الطالب بوصفه صانع المستقبل لا ضحيته؟ أم أن التعليم العالي يُدار اليوم بعقلية الكمّ لا النوع، والشكل لا الجوهر؟

هذا المقال ليس مجرد عرض لمشكلات التعليم، بل هو اختبار لصراحة النخب الأردنية مع نفسها. فإصلاح التعليم العالي في الأردن ليس ملفًا تقنيًا يمكن حله عبر قرارات إدارية، بل هو معركة سيادية تتطلب شجاعة سياسية، ومصارحة وطنية، وحوار مجتمعي جاد حول سؤال بسيط: أي مواطن نريد؟ وأي وطن نستحق؟