إصلاح الصحة تحت الضغط: نقابة مستقلة تدق ناقوس الخطر بسبب تجميد تعويضات الأخطار المهنية

0
564
صورة: و م ع

في لحظة وطنية يحتفل فيها المغاربة بعيد العرش المجيد، وفي وقت يُعوَّل فيه على الإصلاحات الملكية للنهوض بالقطاع الصحي، دقّت النقابة المستقلة لقطاعات الصحة ناقوس الخطر ببيان ناري، محذرة من أن مصالح وزارة المالية تعرقل تنفيذ مرسوم حكومي طال انتظاره، يخص تعويضات الأخطار المهنية.

البيان، الذي صدر عن المكتب الوطني للنقابة المستقلة عقب اجتماع طارئ يوم الأربعاء 29 يوليوز 2025، جاء ليكشف خللًا صامتًا في آلة الدولة: حكومة تُصادق، ومجلس وزاري يُقرّ، ووزارة مالية تُجمّد. وهو ما وصفته النقابة بـ”تماطل غير مبرر”، في سياق وُصف بـ”الحاسم” لمستقبل المنظومة الصحية.

إشادة ملكية… في مقابل تعطيل إداري

استهلت النقابة بيانها بالتنويه بالقرار الملكي الصادر عن المجلس الوزاري بتاريخ 1 يونيو 2024، الذي أضفى صبغة استراتيجية على الهيئات المحدثة في إطار إصلاح المنظومة الصحية، معتبرة أن هذه الدينامية الوطنية الكبرى تحتاج تعبئة شاملة، خصوصًا من الجهات المسؤولة عن التمويل.

لكن المفارقة، حسب البيان، أن مصالح وزارة المالية اختارت، في اللحظة التي كان يُفترض فيها تفعيل مرسوم التعويضات، عدم أجرأته، رغم مرور أكثر من شهر على تاريخ سريان مفعوله (فاتح يوليوز 2025)، وهو ما اعتبرته النقابة استخفافًا بالتزامات الدولة تجاه أطرها الصحية.

مرسوم في ثلاجة المالية: من يوقف التنفيذ؟

المرسوم المعني، رقم 2.25.339، صادق عليه المجلس الحكومي يوم 24 أبريل 2025، في إطار تعديل المرسوم القديم رقم 2.99.649، ويروم الرفع من تعويضات الأخطار المهنية لفائدة فئات مختلفة من موظفي وزارة الصحة، وتوسيع هذه التعويضات لتشمل لأول مرة الأساتذة الباحثين العاملين بالمعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة والمدرسة الوطنية للصحة العمومية.

لكن، رغم أن التاريخ الرسمي لسريان المرسوم كان محددًا في فاتح يوليوز 2025، لم تُبرمج أي تعويضات، ولم تصدر وزارة المالية ما يفيد بتنزيل القرار فعليًا، لتُطرح الأسئلة مجددًا:

  • هل القرار المالي منفصل عن القرار السياسي في المغرب؟

  • وهل أصبحت المصالح المالية قادرة على إجهاض قرارات حكومية وملكية ذات طابع اجتماعي حساس؟

زيادات رمزية.. لكنها محملة بالمعاني

رغم تواضع المبالغ التي جاء بها المرسوم – 500 درهم صافية للأطر التمريضية، 200 درهم للأطر الإدارية والتقنية، و759 درهمًا للأساتذة الباحثين – إلا أن قيمتها الاعتبارية تكمن في أنها خطوة عملية نحو تثمين الموارد البشرية الصحية، بعد سنوات من الإهمال والتضحيات، خصوصًا خلال جائحة كوفيد.

بالنسبة للنقابة، فإن “تجميد” هذه التعويضات لا يُعد فقط خيبة أمل للمنتسبين للقطاع، بل يُهدد مصداقية الحوار الاجتماعي، ويقوّض الثقة في الدولة كمُشغّل يُراكم الالتزامات دون تنفيذ.

ما وراء البيان: مؤشرات مقلقة حول التنسيق الحكومي

تحوّل البيان من صيغة مطلبية إلى قراءة نقدية للواقع المؤسسي، حيث لامس أزمة تنسيق داخل الجهاز التنفيذي. إذ كيف يمكن لحكومة أن تصادق على مرسوم، ويظل حبيس الرفوف بسبب “إجراءات مالية” لم تُفعل في الوقت المناسب؟

هذه الواقعة، وفق تحليل النقابة، ليست معزولة، بل تعكس فجوة أعمق بين التصور الاستراتيجي للإصلاحات والتطبيق الفعلي لها على الأرض، خاصة في القطاعات الاجتماعية الحيوية.

رسالة ختامية: لا مجال للتردد في ورش ملكي

أمام هذه الوضعية، دعت النقابة كافة الشركاء – حكوميين ونقابيين وجمعويين – إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية لإنجاح ورش إصلاح الصحة، معتبرة أن المشروع الذي انطلق في جهة طنجة-تطوان-الحسيمة من خلال تجربة المجموعات الصحية الترابية، لن يُكتب له النجاح في ظل التعطيل والتماطل الإداري.

إنها رسالة واضحة: الإصلاح لا ينجح بالنوايا، بل بالقرارات المنجزة، وباحترام التزامات الدولة تجاه نساء ورجال القطاع الصحي.